القاهرة (زمان التركية) – “وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم” (سفر يشوع 15/63).
لم يكن الصراع في تلك المنطقة ولا في مدينة القدس أو أورشاليم صراعا عربيا إسرائيليا ولكنه صراع أقدم من ذلك بكثير. إنه صراع ممتد بشخوصه وإثنيات أفراده، والقصص الواردة في الكتاب المقدس تحكي قسما من تاريخ هذا الصراع بين الفلسطينيين وبني إسرائيل، ورغم أن تاريخ الصراع الوارد في تلك النصوص لا يستطيع الشخص أن يجزم بصحته ولكنه يعطينا فكرة هامة على أن بذور ذلك الصراع صراع قبائل مهاجرة من مختلف المناطق تحاول السيطرة على الأرض وإقامة وطن جديد لهم فسواء كان الإسرائيليين أو الفلسطينيين فكلاهما وفقا للسجلات التاريخية المتاحة لم يكون أصحاب الأرض الأصليين، فالفلسطينيون في الأصل مجموعة من القبائل التي كانت تسكن جزيرة كريت وقدموا إلى تلك المنطقة ليستوطنونها ويقيموا بها مدنا حصينة وفي مرحلة لاحقة نزح الإسرائيلون نزوحا جماعيا من مصر مع نبي الله موسى ليستوطنوا تلك المنطقة ليبدأ الصراع منذ ذلك العصر القديم ويستمر حتى اليوم رغم ما تم من تدمير مدينة بيت همقداش عن بكرة أبيها وأسر جميع مواطنيها وتهجيرهم واستخدامهم في بناء مدينة بابل القديمة مع غيرهم من الأجناس والأعراق الأخرى سنة ٥٩٧ قبل الميلاد فيما يعرف تاريخيا بالسبي البابلي على يد الملك البابلي نبوخذنصر، نتوقف هنا مع التاريخ ودعونا نعود إلى واقعنا الحاضر.
منذ حرب ٤٨ بين العرب ما عرف بدولة إسرائيل وهزيمة العرب أمام تلك الدولة الناشئة وهناك مظالم عديدة تقع على الفلسطينيين وبينما كانت مدينة القدس تنعم بالسلام في حقبة الحكم الإسلامي حتى كانت مظهرا لاسمها الكنعاني القديم “أور شاليم” إلا أن حقبة الصراع الدموي بدأت منذ ذلك الحين ومشكلة هذا الصراع أنه مقدس عند أطرافه، فمن ناحية يقول الاسرائيلون هذه الأرض التي أقمنا فيها منذ آلاف السنين، وقد عدنا لنسترد ميراثنا الذي وعدنا الرب، ومن ناحية أخرى فالفلسطينيون القاطنون في تلك الأرض يستوطنونها منذ آلاف السنين، أضف إلى ذلك أن مدينة القدس تعتبر قبلة المسلمين الأولى وثالث حرم شريف لدى المسلمين. وهذا يضيف الطابع الديني للنزاع، فالمسألة لم تعد قبائل تتصارع من أجل السيطرة على مدينة ما، بل هي مدينة مقدسة لدى أهل الديانات الإبراهيمية الثلاثة.
لكن الأبعاد السياسية لما يحدث الآن لا يمكن إغفاله إطلاقا، فدعونا نلقي نظرة عامة على الأوضاع السياسية في إسرائيل. فانتخابات الكنسيت والتحالفات بين الأحزاب الإسرائيلية المختلفة لا زالت قائمة، ولا ننسى ظهور القائمة العربية الموحدة في المشهد السياسي الإسرائيلي، ومحاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي المستميتة ليظل في موقعه السياسي رغم الاعتراضات التي يواجهها على الصعيد السياسي الداخلي.. كل هذه المعطيات تجعل الشخص يرى أن وقت اندلاع الأحداث كان مدبرا تماما لأهداف سياسية بحتة، الغرض منها تغيير المشهد وتحويل الأنظار عن الفشل السياسي الواقع اليوم داخل إسرائيل، ورغم الاستفادة التي سيحققها رئيس الوزراء الإسرائيلي، فمن ناحية ثانية وجدنا الأزمة الموجودة يتم الاستفاده منها من قادة حماس أيضًا، فما حدث بالنسبة لقادة حماس هو إعادتهم إلى المشهد مرة ثانية باعتبارهم الأبطال المدافعين عن الأرض، وبالتالي يجب دعمهم دوليا، والدول الداعمة موجودة والمواطن الفلسطيني لا يكاد يصله هذا الدعم، فهو يصل فقط إلى نخبة سياسية معينة وتستفيد منه دوائر ضيقة، ويستخدم من أجل إذكاء النزاع الداخلي الفلسطيني الفلسطيني، وبدلا من بذل الجهود من أجل وحدة الصف الفلسطيني بين فتح وحماس سنجد أن الأزمة بينهما قد تتسع من أجل الحصول على السلطة الشعبية والحصول على الدعم العربي والدولي على مستوى الشعوب ومستوى الحكومات، وتستمر معاناة الشعب الفلسطيني بين داخل ممزق وسلطة إسرائيلية لا ترى حقا للمواطن الفلسطيني سوى صمته ليموت كمدا، فهذا الحق مدعوم بقوة لا سيما من الجماعات الدينية المتطرفة والتي لها نفوذ داخل السياسة الإسرائيلية!!
ويظل السؤال هل سيظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قائما أبد الدهر على نسف أحد الأطراف للآخر؟ ألا من سبيل للسلام في تلك الأرض الكنعانية القديمة؟ ألا يوجد حل عقلاني لجعل مدينة القدس مدينة للسلام بدلا من كونها مدينة صراع؟
ألا يوجد عقلاء في عالمنا لديهم نفوذ كافٍ لوقف هذا النزاع والوصول إلى تسوية عادلة لأطرافه؟
كل هذه الأسئلة تدور في عقلي وأشعر بالألم الشديد للمواطن الفلسطيني وما يتعرض له من إساءة لإنسانيته على يد النظام الإسرائيلي وما يتعرض له من استغلال على يد أطراف السلطة الفلسطينية المنقسمة على نفسها.