بقلم/ أورخان محمد علي
إن تخطيط الخلق تخطيط دقيق جدا وعلى شكل شفرات، بحيث إن أي فرق مهما كان ضئيلا يؤدي إلى تغيير كامل في صفات المخلوقات. وهذا يشبه أرقام الهواتف، فخذ مثلا الأرقام العشرة للهواتف النقالة، فإن تشابهت تسعة أرقام وكان الرقم العاشر مختلفا لم تستطع الوصول إلى الهاتف الذي تريده، ولا إلى الشخص الذي تريد التكلم معه. ويستوي في هذا الأمر أن تكون جميع الأرقام خطأ، أو يكون الخطأ في رقم واحد فقط. كذلك الأمر في الكتابة، لأن اختلاف حرف واحد في جملة، بل اختلاف عدد أو موقع نقطة واحدة سيقلب المعنى رأسا على عقب. فانظر مثلا إلى الفرق بين كلمة “الشعير” و”السعير” وبين “الفضاء” أي السماء، و”القضاء”، وبين “العيد” و”العبد”… إنه فرق في النقط فقط، ولكن المعاني مختلفة اختلافا بعيدا. وهكذا الأمر في تخطيط الخلق، وفي الاختلاف بين الجينات الوراثية لدى المخلوقات. إن أي اختلاف مهما كان بسيطا بين بروتينات هذه الجينات أو بين شكل ارتباطها وتسلسلها وموقعها يؤدي إلى اختلاف كبير بين هذه المخلوقات.
زعم أنصار التطور
كان علماء التطور قبل عام 2002 يزعمون بأن الفرق بين جينات الإنسان وجينات الشمبانزي يبلغ 1- 1,5٪ فقط. وكانوا يقدمون هذا الرقم كدليل لا ينقض على أن الإنسان متطور من قرد الشمبانزي. والغريب أنهم قدموا هذا الرقم على الرغم من عدم تكامل وضع خريطة الجينات في الإنسان وفي الشمبانزي. كما لم تكمل بعد دراسة هذه الخرائط المحتوية على عشرات الآلاف من الجينات. ومثل هذه الدراسة تحتاج إلى سنوات عديدة، ولا يزال العلم يخطو خطواته الأولى في هذه الساحة.
إذن، كيف يمكن لأي عالم أن يقدم مثل هذه المقارنة في موضوع لا يزال معظمه مجهولا؟ وهل يمكن عد مثل هذه المقارنة علميا وموضوعيا؟ هذا ما كان في عام 2002. ولكن ما أن توسع العلماء بعض التوسع في دراسة الجينات ودراسة خريطة الجينات حتى تبين لهم مدى سطحية ادعائهم الأول. ومع أن هذه الدراسة لم تكتمل بعد وتحتاج إلى سنوات عديدة، إلا أن ما تم بعد عام 2002 من توسع وتقدم في الدراسة، أظهر أن نسبة الاختلاف بين جينات الإنسان وجينات الشمبانزي قد طفرت إلى ثلاثة أضعاف الرقم الأول، حيث بلغت نسبة الاختلاف 5٪. وإليكم اعترافات علماء التطور في هذا الصدد:
اعترافات صارخة
1-جاء في مقالة نشرت عام 2002 في المجلة العلمية المعروفة (Proceedings of the National Academy of Sciences) بقلم (R.J.Britte)، بأن نسبة الاختلاف بين جينات الإنسان وجينات الشمبانزي تبلغ 5٪ إن أخذنا بنظر الاعتبار شكل التنضيد أيضا في جزيئات (D.N.A)، فقد جاء فيها بالحرف الواحد: “إن أخذنا الإضافات والحذف بنظر الاعتبار، فإن نسبة الاختلاف بين نماذج جزيئات (D.N.A) لدى الإنسان والشمبانزي تبلغ 5٪”. أي، قام العلماء في السابق بمقارنة تركيب بنية النيوكلوتيدات (الوحدات الرئيسية الموجودة في (D.N.A) وفي (R.N.A) وتتألف من سكر وقاعدة وكبريت) الموجودة في (D.N.A) الإنسان والشمبانزي. والكاتب هو عالم جينات أمريكي يعمل في المعهد التكنولوجي في كاليفورنيا. وهو يقول هنا بأن المقارنات السابقة كانت خاطئة لأنها اقتصرت آنذاك على مقارنة البنية التركيبية الموجودة في نوى جزيئات (D.N.A)، ولم تشمل مقارنة شكل تنضيد هذه الجزيئات ولا مقارنة المناطق التي تكثر أو تقل فيها هذه النيوكليدات. لأن هذه الاختلافات تؤثر بشكل كبير على خصائص الكائن الحي. وقد أجرى هذا العالم بحثه هذا بتدقيق 735 ألف من جزيئات (D.N.A).
2-نشرت المجلة العلمية (Nature) المعروفة بدفاعها عن نظرية التطور، مقالة علمية بقلم العالم الجيني “أندي كوهلان” تناولت الموضوع نفسه تحت عنوان “تضاعفت الفروق بين جزيئات D.N.A في الإنسان والشمبانزي ثلاثة أضعاف).
3-في البحث الذي قدم في اجتماع “خريطة جينات الإنسان” في نيسان عام 2003، في مدينة (Cancum) في المكسيك، من قبل “مركز خريطة الجينات” الذي يرأسه العالم “تود تايلور” في مدينة “يوكوهاما” في اليابان جاءت فيه نتيجة المقارنة بين الكروموسوم رقم 21 في الإنسان مع الكروموسوم رقم 22 للشمبانزي. ونشر هذا البحث في المجلة المعروفة (Nature) وجاء فيه: “في السابق كان يقال إن التشابه بين جزيئات (D.N.A).في الإنسان وفي القرد يبلغ 99٪، ولكن الحقيقة أن التشابه لا يبلغ سوى 94-95٪ فقط”، أي إن الاختلاف بينهما ليس 1٪، بل 5-6٪. ونعتقد أنه كلما زادت دراسة خريطة جينات الإنسان وباقي الحيوانات الأخرى، زادت هذه الفروق. وتكامل هذه الدراسة تحتاج كما قلنا إلى سنوات عديدة.
4-لتجنب الإطالة سنذكر هنا عناوين المقالات والمصادر التي تناولت هذا الموضوع لمن يريد المزيد من التدقيق والبحث:
أ-المقالة المعنونة: (Genomic D.N.A Insertions and Deletions Occur Frequently Between Humans and Nonhuban Primates)، نشرت عام 2003 في مجلة (Genome Research) أي، مجلة “بحوث خريطة الجينات”.
بـ-المقالة التي نشرت في 27/5/2004 في مجلة (Nature) صفحة 382-388 تحت عنوان: (D.N.A.Sequence and Comperetive Analysis of Chimppanzee Chromosome 22)
ويقول كاتب هذه المقالة وهو العالم الجيني (Dr.Jean Weissen) الباحث في “مركز التنضيد الوطني” في مدينة إيفري في فرنسا: “إن الكروموسوم الثاني والعشرين لا يشكل سوى أقل من 1٪ من خريطة الجينات. وهناك احتمال وجود الآلاف من الجينات التي تؤكد وجود الفروق بين الإنسان والشمبانزي”.وهذا ما قلناه نحن مرارا.
جـ-المقالة التي نشرت عام بتاريخ 31/8/2005 في المجلة نفسها بقلم “ميشيل هوبكن” تحت عنوان: (Chimpanzee joins .the genome club)
والمقارنات الأخرى التي قام بها علماء التطور بين جينات الإنسان وجينات الحيوانات الأخرى، أظهرت نتائج غريبة تناقض نظرية التطور في الصميم، إذ أظهرت هذه المقارنات النتائج الغريبة الآتية:
إن هناك تشابها بنسبة 75٪ بين جينات الإنسان وجينات الدودة الخيطية (Nematoda)، وهي طائفة من الديدان الأسطوانية التي تتطفل على الحيوانات والنباتات وتحيا في التربة أو في المياه.
هل يعقل أن يكون هناك كل هذا التقارب التطوري بين الإنسان وهذه الدودة البسيطة والبدائية التي يضعها التطوريون في أسفل مستويات التطور؟ وأين ذهبت المقترحات العديدة لشجرة نَسَب المخلوقات التي رسمها التطوريون والتي يحتل فيها الإنسان قمتها وتحتل مثل هذه الديدان مواقع سفلية فيها. فإن كان التشابه بين الجينات دليلا على التقارب بين المخلوقات وعلى درجة هذا التقارب، فلابد أن يعيد علماء التطور النظر في كيفية التطور، والطريق الذي سلكه في ضوء هذه المقارنات. وأنى لهم أن يرسموا شجرة نسب بين المخلوقات تكون فيها هذه الدودة قريبة من الإنسان كل هذا القرب؟ لم يقم بمثل هذه المحاولة أي عالم تطوري، ولا يجرؤ أصلا على القيام بها، لأنها تكون محاولة في منتهى السخافة.
وأظهرت مقارنة أخرى أن هناك تشابها بين جينات الإنسان وجينات نوع من ذباب الفاكهة أو ذبابة الندى “دروسيفيلا” بنسبة تبلغ 60٪. وفي دراسة أجرتها جامعة “كمبرج” ونشرتها مجلة (New Scientist) في 16/8/1984 تبين من مقارنة بروتينات المخلوقات البرية أن أقرب مخلوق للإنسان هو الدجاج! ثم التمساح! فتأمل!..
وهذا الأمر، أي فشل التشابهات البيولوجية في تقديم أدلة على نظرية التطور، وانقلابها إلى مشكلة ضد النظرية أزعج علماء التطور كثيرا. مثلا نرى أن العالم التطوري الدكتور “كريستيان شويب”، الباحث في البيوكيمياء في كلية الطب في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، الذي ركز بحوثه في تدقيق بروتينات الأنسولين والرلاكسين، وكانت غايته العثور على أدلة حول القرابة التطورية بين الأحياء، ولكنه لم ينجح أبدا في هذا المسعى، فاضطر إلى الاعتراف الآتي وكله مرارة: “لقد تم البدء بإعطاء أهمية أكثر إلى التطور الجزيئي من التطور البالانطولوجي في الكشف عن القرابة التطورية. ونظرا لأني مختص بالتطور الجزيئي، فقد كان من المتوقع أن أشعر بالفخر من هذا الأمر. ولكن حدث العكس، لأنه بينما كان المتوقع رؤية قرابة تطورية متصاعدة بين الأحياء وتشابه جزيئي بين الأحياء القريبة رأينا انحرافات كثيرة في هذا الصدد. وهذا أمر أليم جدا. وأنا أعتقد أن هذه الانحرافات من الكثرة بحيث إنها تحمل رسالة معينة”.
أما عالم الكيمياء الحيوية (البيوكيمياء) المشهور البرفسور”ميشيل دانتون” فيقول في كتابه المعروف “نظرية التطور: نظرية في مأزق، معلقا على النتائج التي تم الحصول عليها في ساحة البيولوجيا الجزيئية: “على المستوى الجزيئي نرى أن كل نوع من أنواع الأحياء يكون مستقلا ومختلفا عن غيره، ولا تربطه مع الآخرين أي رابطة. أي أن الجزيئات -مثلها في ذلك مثل المتحجرات- أظهرت عدم وجود الحلقات الوسطى التي كان علماء البيولوجيا التطوريون يبحثون عنها. ففي المستوى الجزيئي لا يوجد أي حي من الأحياء العضوية يعد سلفا أي جدا لأي حي عضوي آخر، ولا أكثر بدائية أو أكثر تطورا منه”.
وقبل إنهاء هذه المقالة نود نقل ما قاله العالم والفيلسوف “مالكوم مكاردج” في كتابه “نهاية العالم المسيحي”. فهذا العالم والفيلسوف قضى عمره حتى سن الستين ملحدا يدافع بكل حرارة عن نظرية التطور، ولكنه تأكد فيما بعد أن هذه النظرية زائفة وتوقع زوالها، حيث يقول: “لقد اقتنعت مؤخرا بأن نظرية التطور ستندرج في كتب التاريخ كأكثر نظرية مدعاة للهزء والسخرية. إن الأجيال القادمة ستحتار كيف أمكن تقبل مثل هذه النظرية بكل هذا الضعف والزيف الموجودين في بنيتها”.
ترى ماذا سيقول التطوريون عندنا حول هذا التنبؤ بالنهاية الحزينة لهذه النظرية؟