بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – هذه الأيام هي حيز زماني مختلف كل الاختلاف عن باقي العام، فهذا الوقت المبارك بمثابة هدية من رب الملك والملكوت وهدية كهذه لا ترد بل يقبل الإنسان عليها بهذا الاعتبار، ولأن الزمن لا يعرف التوقف أو التراجع فلعل أهم ما يجب علينا نحن في مواجهة هذا الحيز الزماني المبارك، التأهل لاستقبال النعم النازلة من السماء في تلك الأيام المعدودات المباركات ، ولعل الأرواح والقلوب المستعدة هي التي من شأنها ادراك ليلة القدر والشعور بها بكل عمقها وبكل ثوانيها التي هي في حقيقة الأمر سنوات وأزمنة تم تكثيفها حتى تستوعبها الثواني ودقائق تلك الليلة المباركة.
ولكن الحياة بمشاغلها وضغوطاتها وكل ما فيها من جهة، ومن جهة أخرى العواصف والمعارك الداخلية لدى الإنسان قد تحول دون تذوق الإنسان بروحه هذا الوقت المبارك وربما الوقوف مع النفس والدخول مباشرة إلى عالم القرآن الكريم هو الراحة الحقيقية لكل مشاكل الإنسان القلبية وكما يقول الحق سبحانه “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” بل ربما تكون القلوب والأرواح المرهقة هي أكثر شعورا بفيوضات الشهر المبارك من غيرها، بشرط أن توجه إرادتها لتلك الفيوضات، فالذي يبحث عن الماء لا بد أنه واجده بل تتكون لديه حاسه خارقة للشعور بمكان الماء توفيقا من الله لحالة الاضطراب والدعاء الفعلي الذي يحياه في نفسه.
رمضان شهر إعادة إحياء القرآن في قلوبنا، محطة لإعادة تنزيل القرآن بطراوته الأولى على القلوب فتنفض عنها غبار عام مضى بكل همومه وأحزانه، وعندما يتوجه الشخص للقرآن الكريم فإنه يتولى بتوجيه بوصلة الإنسان إلى بر أمانه واطمئنانه، وإذا كانت قراءة القرآن وحدها تفعل ذلك فكيف بقراءة تفسير القرآن ومعانيه إنها رحلة لمحاولة فهم التنزل الإلهي ليتفتح في العقل خلايا وعي جديدة وينطلق الإنسان بأفق قرآني، وحينها وخلال هذا الشهر التدريبي يتغير الإنسان على مستوى عقله وقلبه فيتجدد وينطلق بهمة عالية إلى عام جديد بحماس قرآني.
جاء وفد من الصحابة إلى السيدة عائشة رضي الله عنها يسألونها وكان دأبها الإجابة بكلمات وجيزة تفيد المعنى وتتجاوزه لتعانق المعاني خيال الإنسان فقد كانت من بليغات العرب، جاؤوها فسألواها أن توصف حبيبها وحبيبنا الرسول الكريم فجائت كلماتها مباشرة وربما قد تغرغرت عينيها بالدموع فقالت ” كان قرآنا يمشي على الأرض” نعم إن القرآن يحتاج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن يعبر عن نفسه وجواهره من خلال من خلال أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك فلعل الاقتراب من حياة الرسول وإعادة قراءة السيرة النبوية سيصب في فهمنا واستيعابنا للقران على المستوى الفعلي والمستوى الخلقي.
وكلما اقتربنا من عصر السعادة بشخصياته العظيمة رق قلب الإنسان وعلت همته وتجدد إيمانه، فالصحابة كما ورد في الأثر هم مثل النجوم التي إذا اقتضى الإنسان بها وتتبع خطواتها وصل إلى وجهته الصحيحة، إن الدخول إلى عالم الصحابة الكرام هو عروج إلى سماء تلك النجوم ومعايشتها في مشاعرها الأولى التي حملت تلك الرسالة القرآنية إلينا وإلى الآفاق.
إن الحياة في عالم رمضان بحق معانيها هو صعود وعروج إلى عالم الروح وسياحة في تلال القلب والوجدان، رمضان هدية السماء وموسم ربيع لوجدان الإنسان.
دمتم كرماء في شهر الكرم .