بقلم: صابر المشرفي
لقد تأثر الكثيرون برؤية فتح الله كولن هذه في الإصلاح، وبذلوا الجهد والمال لتأسيس مدارس ممتازة، تعد قطب الرحى في مشروع الرجل الإصلاحي، وهذه المدارس ليست مجهزة بأحدث التجهيزات والوسائل التربوية فحسب، بل يقوم عليها كذلك كفاءات إدارية وتربوية يشتغلون بنفس رسالي وأفق إنساني وهمة عالية، يرعون البذور الجيدة وينمونها في النشأ، ويزيلون البذور السيئة، لينشأ جيل يحترم قيمه الثقافية ويتمتع بالمثل العليا ويسهم في بناء حضارة إنسانية نبيلة.
وليست الرسالة التعليمية مقصورة على المدارس فحسب، بل هناك قاعدة عريضة جدًا في الخدمة تهتم برسالة التعليم على مستويات مختلفة، بداية من البيوت التي فتحها متطوعو الخدمة إلى الجلسات الأسبوعية، ومن السكن الطلابي حتى الدورات التأهيلية للجامعة، هذا إلى جانب وسائل الإعلام وأنشطة النشر وكذلك الندوات والمؤتمرات العلمية التي تتكامل فيما بينها لمناهضة الجهل ونشر العلم وبناء الإنسان.
ويرى بعض الباحثين أن تميز هذه الرؤية الإصلاحية في التعليم لا يكمن في جديد تقدمه الخدمة أو شيء مختلف تتمايز به، بل يكمن جزئيًّا في توليفة مثالية من الوقت والمكان والسياق، وجزئيًّا في فتح الله كولن نفسه، فجميع قصصه وتعاليمه والنموذج الأخلاقي الذي يجسده يلهم الآخرين لاتخاذ موقف، ويدفعهم إلى إيثار التضحية، والسعي بدأب في خدمة البشرية عوضًا عن خدمة أنفسهم.
ومن ثم فقد اهتمت هذه الإصدارة بالبحث عن رؤية الأستاذ فتح الله كولن الإصلاحية في التعليم وبيان الفلسفة القابعة وراءها، والمقارنة بينها وبين بعض التجارب التعليمية التي برزت إلى الساحة للتركيز على الجانبين العلمي والروحي، وغرس الفضيلة في نفوس الطلاب والعمل على بناء شخصيتهم.
كما تناقش هذه الإصدارة أيضًا دور الإيمان والتقوى في النهوض والتقدم العلمي والاجتماعي وخاصة في مجتمع النساء، على عكس ما هو شائع عن ربط التقدم في الحياة بالعلمنة أو البعد عن الروح وتعاليم الدين. هذا إلى جانب دراسات أخرى تسبر جوانب متعددة من نموذج الأستاذ كولن الإصلاحي، وتوضح المرجعية الأخلاقية لديه فكرا وسلوكًا، وتعرض بإيجاز أهم مفاتح التجديد في مشروعه الإصلاحي. كل ذلك من خلال باحثين متعددي الجنسيات والثقافات والمرجعيات الفكرية والثقافية مما يشي بإنسانية هذا المشروع الذي يقدم تطبيقا عمليا معاصرا للإسلام، يصحح مسارات نماذج أخرى طبعت صورة الإسلام السمحة بسحابة قاتمة حجبت رؤية معالمه على النحو الصحيح.
المصدر: مجلة نسمات