المحاور: هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية) – استكمالا لحديثنا عن الأدب المصري، فهمت من حديثك وتناولك لمفهوم الأدب الرخيص والسائد أن الأدب المصري اليوم في خطر، هل فهمت بشكل صحيح؟
نعم صحيح لا أخفي عليك قلقي عما وصلت إليه أحوال الأدب إلى الآن، خصوصا مع توالي غياب الرموز الأدبية كأحمد خالد توفيق، ورضوى عاشور، ونوال السعداوي وآخرين، صراحة كنت أرى وجود أدباء مثل هؤلاء العِظام صمام أمان لحفظ مكانة مصر الأدبية ومساحتها الثقافية مهما تُركت الساحة الأدبية لأنصاف الموهوبين والمتثاقفين. إنني لا أنكر أن الآن في مصر توجد العديد من القامات الأدبية التي تعد امتدادا لجيل العظماء والمبدعين أذكر منهم بهاء طاهر ويوسف زيدان وأهداف سويف وصنع الله إبراهيم وآخرين.
تحدثنا عن الأدب المصري والروسي والعلاقة بينهما، وهنا أسألك ما قيمة الأدب التركي ونظرتكم إليه في خريطة قراءاتك عموما؟
في رأيي أن الأدب التركي أحد أهم الآداب في العالم، وهو أدب فريد له حالته التي عكست ظروفه وبيئته وقوميته المميزة. بدءا من الأدب التركي القديم وعصور ما قبل الإسلام مثل كتابات أرخون وسرديات عهد الإيجور، إلى كتابات عصور السلاجقة والدولة العثمانية التي كانت تزخر بكتابات هامة عن الغزل والعشق وكانت تتميز بالحس الشعبي، وهنا الكتابات التي سبقت وعاصرت هذه الفترات تُعَد في رأيي مرجعا تاريخيا هاما عن القومية التركية في هذا الزمن. وتطور هذا الأدب بشكل كبير بفضل التراجم والتأثر بكتابات الغرب وأصبح متجذرا بشكل أكبر وأعمق ليقوم بعرض مشكلات بيئته ومجتمعه والتركيز بشكل أكبر على علاقة المواطن والإنسان التركي بالطبيعة وبقوميته التي ينفصل عنها أحيانا ويقترب منها ويتصل أحيانا كثيرة. والأدب التركي يدل على ثرائه أنه كان يكتب بأكثر من لغة كالآذرية ولغة الأناضول ..إلخ
هل هناك تشابهات تجدها بين الأدبين المصري والتركي؟
التشابهات بين الأدبين قائمة وموجودة وبشكل كبير، بل إن بدايات الأدبين كانت متشابهة بشكل كبير بدءا من الملاحم والمرثيات وأدب العظة وقصة النصائح الأخلاقية والأساطير ..إلخ على الرغم من أن بدايات الأدب المصري القديم تسبق كثيرا الأدب التركي إلا أن نقاط انطلاقهم كانت متشابهة إلى حد كبير، وكذلك الأدب التركي لا يخلو من الفكاهة خصوصا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين مع تشكيل الجمهورية التركية وتعدد الأحزاب واتساع رقعة الأنشطة السياسية والثقافية ونجد ذلك جليا في كتابات عزيز نيسين وصباح الدين علي.
الأمة التركية هي أمة تحتفظ بطباع شرقية وإسلامية ولذا نجد أيضا في الأدب المعاصر نقل كبير لقصص العشق والهيام والاحتفاظ بالنزعة الوطنية وعرض حياة الريف ومشكلات الوطن والواقع التركي بكل مآلاته ورأيت ذلك في كتابات عمر سيف الدين وخالدة أديب ومحمود شوكت أسندال وكثيرين.
هل للأدب التركي مكانة عالمية كنظيره من الآداب كالأدب الفرنسي والروسي والإنجليزي؟
بالطبع، كما أسلفت سابقا الأدب التركي لم يأخذ حقه ونصيبه من الشهرة والاحتفاء كآداب أخرى تفضلت بذكرها في سؤالك، أعتقد الأمر راجع إلى انصراف العالم إلى الأدب الغربي بما فيه طبائع غالبة على معظم الأمم والشعوب بالإضافة إلى فرط الأدب التركي في تعبيره عن قوميته الإسلامية الشرقية الملحمية، وكذلك عدم اهتمام المترجمين بالشكل الذي يليق بحجم وإنتاجات هذا الأدب وعموما الموضوع يحتاج إلى دراسة أكبر وأطروحات علمية، إلا أنه في بدايات القرن العشرين برزت حركات أدبية مهمة في تركيا مثل “حركة الفجر الآتي”، و حركة “الأدب القومي” وحركات أخرى استفادت وواكبت قضايا العلم والثقافة إلى ظهور الأدب الجمهوري التي اتجهت نحو الواقعية الاجتماعية والرمزية وعرض انفعالات رجل الشارع وحياة المواطن التركي الواقعية ومن هنا اتجه العالم بأنظاره إلى التجربة التركية في الأدب وترجمة أعمال الكثير من أدباء تركيا مثل أورهان باموق وأليف شافاق وصباح الدين علي ورشاد نوري وكثيرين.
إن كنت ستنصح أحدا لا يعرف شيئا عن الأدب التركي من الأدباء أو المؤلفات التي ستقوم بترشيحها؟
أعجبتني رواية “مادونا صاحبة معطف الفرو” وكتبها صباح الدين علي الذي تعرضت لاسمه أكثر من مرة في المقالة، وكذلك تعجبني الحس الغربي لأشعار إلهان بيرك وكذلك قصائد العظيم ناظم حكمت الذي ترجمت أعماله إلى أكثر من 50 لغة وكذلك أشعار أورهان فيلي وأكتاي رفعت ومليح جودت أنضاي، وقرأت رويات “الثلج” و “متحف البراءة” لأورهان باموك الذي حصل على نوبل في عام 2006. وأعتبر نفسي في رحلة بحث داخل خريطة الأدب والإبداع التركي وأعتقد سأجد كثيرا يعجبني ويروق لي أضعاف ما قرأت.
شكرا للباحث محمد هشام لحواره القيم.
وعاشت الأمة الإنسانية بكل حب وخير.