بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – خلال الفترة الماضية ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة ليست الأولى من نوعها، وتكرر تلك الظاهرة يدل على وجود مشكلة كبيرة متعلقة بالفهم الصحيح للدين، ولأن التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مؤشرا هاما في الدراسات الاجتماعية اليوم فالاهتمام بالمسألة والتوقف وإعادة النظر كان ضروريا، فالمسألة في غاية الأهمية.
تبدأ المسألة في الظهور مع وفاة شخصية جدلية داخل المجتمع أو أية شخصية تحمل أفكارًا مختلفة وبعيدا عن مدى صحة هذه الأفكار، فانتقاد الأفكار والرد عليها يكون بالفكر والدحض المنطقي، ومع وفاة تلك الشخصية ينشر البعض رسائل التعازي أو الرحمة على صفحاتهم وإذا بسيل من المعلقين ينتقدون الدعاء بالرحمة، بل البعض يعلق جازما بأن هذا المتوفى أو ذاك لا يجب عليه إلا العقاب، ومع هذا السيل من التشفي في موت إنسان، يتوقف الإنسان متسائلا إلى أي مدى يمكن التلاعب بالمفاهيم الدينية واستخدامها ضد إنسان قد رحل عن عالمنا .
وبالطبع وبقليل من التأمل نكتشف أنه خلال آخر خمسين سنة اجتاح عالم الوعي العربي تيارات تحركها مشاعر العنف والحقد والكره، ولأنها كانت تمول من أجل الانتشار فقد استشرت في شتى بقاع عالمنا العربي وحتى كثير ممن لم يؤمن بها أصابه غبارها، ووسط هذا السيل من التشويه الديني والفكري تاهت أبسط الحقائق، وصار الإنسان العادي محتارا يبحث عن إجابة: ماذا يقول الدين في تلك المسألة؟ أو ماذا يجب علي أن أعتقد في هذه المسألة؟
إن الشعور بالرحمة شعور طبيعي لدى الإنسان ويحض عليه الدين، وقد لا نتفق تماما مع أفكار هذا الشخص المتوفى ولكن هذه مسألة مختلفة تماما، فنحن نتحدث عن الشخص نفسه والذي لا ندري كيف كانت علاقته مع ربه، ومع ذلك فالإنسان لا يأثم بكل تأكيد إذا دعا بالرحمة لأي إنسان بل إن هذا يدل على مدى رقي هذا الإنسان أخلاقيا، ومدى نقاء سريرته وأنه لا يحمل في قلبه حقد أو كره.
أما بالنسبة لرحمة الله تعالى فهي ليست على مقياسنا الشخصي، ولا يجوز لأي مسلم أن ينصب نفسه قائما على باب الجنة يمنع من يشاء ويدخل من يشاء، بل إن الدين الإسلامي يمنع هذا تماما، كما قد ورد حديث شريف في صحيح مسلم وهو واحد من أهم كتب الأحاديث يأتي في قسم منه أن الله سبحانه وتعالى بعد أن يخرج كل من في قلبه مثقال ذرة من خير، يخرج أناسا لم يعملوا خيرا قط، ويطلق عليهم “عتقاء الله”، هل لك أن تتخيل عزيزي القارئ مدى وسعة رحمة الله سبحانه وتعالى.
ولأن مثل هذه الرحمة الواسعة للغاية أحيانا لا تستوعبها عقولنا فقد ظهر تيار المعتزلة الذين نفوا هذا الحديث ولم يقبلوه بل أوجبوا على الله أن يفعل كذا وألا يفعل كذا!! بينما الحق سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله (ويفعل الله ما يشاء) فلا يلزم على الله شيء إطلاقا، لكن العجيب في المسألة هؤلاء الذين يظهرون في ثوب إسلامي ثم يقتطعون من النصوص ما يرضي أنفسهم .
إن السبيل القويم في هذه المسألة هو أن ينشغل الشخص بنفسه وحالها ويعلم أن الموت يقدم عليه آجلا أم عاجلا ليتدبر ويعمل الخيرات من أجل حياته الأخرى وألا يمضى عمره منشغلا بآخرة الآخرين فيضيع دنياه وأخراه، أما الراحمون والمترحمون سيرحمهم الرحمن .
دمتم في خير وفي رحمة الله.