بقلم: محمد علي قرطجالي
لندن (زمان التركية) – لا يخفى على أحد أن العلاقات المعقدة والمشكلات النابعة منها ضمن الحياة الاجتماعية جزء لا يتجزأ من واقع حياتنا.
وغالبًا ما تجد هذه العلاقاتُ المتدهورة في الحياة الاجتماعية سبيلها إلى الاستقرار ورأب الصدع بتولي أشخاص يتمتعون بمكانة عالية وتأثير مادي ومعنوي قوي زمامَ المبادرة وقيادتهم الأفراد والأسر والمجتمعات إلى الطريق السليم.
أما في مجال العلاقات بين الدول، فإنه مهما كان مقدار التقارب بين الشعوب إلا أن حلّ المشكلات وإصلاح العلاقات مرهون بتقبل الإرادة السياسية التي تمثل الدولة والشعب.
وعلى هذا فإن بعث رسائل عاطفية للشعوب فيما يخصّ العلاقات الدولية والدبلوماسية، بدلًا من توجيه الخطاب إلى إدارة الدولة مباشرة، هو إستراتيجية ليس لها أي رصيد وتأثير في الغالب على أرض الواقع. زد على ذلك فإن حكومة الدولة الأخرى سوف تتهمك بعدم المصداقية والتدخل في الشؤون الداخلية لها، مما يشكل عقبة كبيرة أمام المصالحة.
وإذا كان الأمر كما وصفنا فيحق لنا أن نتساءل: لماذا يتجاهل أردوغان مبدأً دبلوماسيًّا أساسيًّا كهذا، ويصر على استخدام خطاب يدفع بالسلطات المصرية بعيدًا عن المصالحة؟ حيث إن أردوغان يؤكد على تقارب شعبي البلدين، وأن الخلافات القائمة حاليا هي وضع مؤقت. “هل أردوغان اهتدى اليوم إلى التقارب الموجود بين الشعبين؟” سؤال عابث ليس له أي جدوى. لذا يجب على من يعرفون أردوغان ونمط سياسته أن يضعوا في حسبانهم أن خطاباته في الأيام الأخيرة ليست عبارة عن تنهدات عاطفية لما كان في الماضي فقط.
إذا نحّى أردوغان مخاطبه الرسمي والخلافات جانبًا، وتوجه إلى بثّ رسائل عاطفية فاعلم أنه في موقف ضعف. ولو كان الأمر على النقيض من ذلك، فمن الواضح أنه لن يسبقه أحد في إثارة النعرات والجعجعات على أبسط الأمور من أجل الدعاية والترويج لنفسه. فمع أن أردوغان هو من يريد تحسين العلاقات مع مصر لكن موقفه ضعيف.
على الرغم من ضعف موقف أردوغان، إلا أنه يحدد إستراتيجيته وفق المسار الذي تتخذه العلاقات. فبينما يقول إن “هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الشعبين التركي والمصري، وإن هذا الخلاف الحالي مجرد وضع مؤقت”، فقد وضع أمامه هدفين من أجل الشعبين. فمن جهة يتبع مناورة لتشويه صورة السلطات المصرية في نظر الشعب المصري على أنها دولة قد أبت أن تمد يدها لدولة شقيقة تسعى إلى الوحدة والمصالحة. ومن جهة أخرى يبث في أذهان الشعب التركي أنه كحكومة تركية قد مدت يد الصلح لمصر، وهي دولة مسلمة شقيقة، إلا أنها قد أبت هذا الصلح، وذلك من أجل تمهيد الأجواء التي تمكنه من استخدام خطاب: ها هو قد ظهر لكم مرة أخرى صحة ما قلناه بشأنهم من قبل.
لا نعرف مدى التأثير الذي ستتركه هذه التصريحات على الرأي العام المصري، لكن يجب أن لا نتردد في أن أردوغان إذا لم يستطع تحقيق المصالحة بالشكل الذي يريده سيرتدي عباءة “الضحية” في الشأن المصري لخداع الشعب التركي مجددا، كما سبق أن تقمص هذا الدور عشرات المرات في أحداث مشابهة وجنى ثمراته.
لذا لا أستبعد أن نرى أردوغان في اللقاءات الجماهيرية وهو يستغل مرة أخرى المشاعر الدينية لشعبه في خطاباته قائلًا: “لقد أردنا الصلح مع إخواننا، ولكنهم وقفوا في وجوهنا كما رأيتم”.
ولا شك أن هناك سبلا كفيلة بالحيلولة دون أن يلعب أردوغان دور الضحية مرة أخرى ويوجهَ الشعب المصري بشكل خاطئ.