بقلم: محمد علي قرطجالي
لندن (زمان التركية) – على الرغم من عنتريات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا أن العلاقات بين مصر وتركيا تتواصل منذ فترة طويلة ولو عند أدنى مستوى. ولا بد من التنويه بأن تعامل مصر معه بعيدًا عن لغة التصعيد، كما يتطلبه وقار الدولة، حَالَ دون تعميق الأزمة. فبفضل هذه السياسة المسؤولة، التي اختارتها القيادة المصرية، لم يتعرض التقارب الحاصل بين البلدين المشتركين في التاريخ والثقافة والعقيدة لمزيد من الأضرار.
لقد أظهرت التطورات الأخيرة أن أردوغان، الذي يعاني من متاعب اقتصادية ويسعى إلى تحويل كل شيء إلى أموال، لديه شهية كبيرة للغاز في البحر المتوسط. لا شك أن أردوغان وفريقه كانوا على دراية كاملة بأن طريقة الحصول على النصيب الأكبر من الثروة الكامنة في البحر المتوسط تتوقف على تحسين العلاقات مع مصر، لكنهم لم يتمكنوا من إيجاد مناورة للخروج من الحفرة التي وقعوا فيها منذ أكثر من عامين.
ومع أن أردوغان لم يسعد بوصول جو بايدن إلى الرئاسة الأمريكية، غير أن هذا التطور قد مثل فرصة له. إذ نرى أن إدارة أردوغان بدأت تبعث رسائل ود وحب إلى الدول المجاورة، من أجل تقديم انطباعِ “الدولة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع جيرانها في المنطقة” لإدارة بايدن الذي أطلق مشواره السياسي بخطاب الديمقراطية وتدل المؤشرات على أنه لن يتسامح مع الصراعات السائدة بين دول الشرق الأوسط، مثل سلفه دونالد ترامب. ولذلك يبدو أردوغان عازمًا على إصلاح العلاقات مع مصر أولاً.
وسط هذه المعادلة الجديدة، نجد أن مصر تتحرك بالهدوء والروية والحيطة، بل “تتدلل”؛ وذلك لأن البلاد قد شهدت تغييرات كثيرة بقدوم عبد الفتاح السيسي إلى الحكم. فقد كانت مصر دولة تعاني من صعوبات اقتصادية شتى، وتحاول التغلب على مشاكل الأمن الداخلي، وتضررت علاقاتها مع الشارع الدولي، إلا أنها باتت اليوم تسير في الاتجاه المعاكس تمامًا. في حين تركيا، على عكس مصر، تشهد حاليا في ظل حكم أردوغان تراجعًا ملحوظًا في كل المجالات مقارنة بما قبل 6 سنوات. وإذا أخذنا هذا المشهد بنظر الاعتبار، فإننا سندرك أن حاجة أردوغان إلى تحسين العلاقات الثنائية تفوق بكثير حاجة مصر إلى السلام مع تركيا.
الواقع أن التوصل إلى حل للمشاكل العميقة بين البلدين على أساس المصالح المشتركة أمر ممكن، وسيعود بالفائدة عليهما معًا. لكن هناك حقيقة ينبغي أن لا ننساها وهي أن هناك مشكلة كبيرة بين إدارتي أردوغان والسيسي تمنع تشكيل “تعاون كامل” بين الطرفين ألا وهي “الخلاف الأيديولوجي”. حيث إن أردوغان هو الممثل الأول للإسلام السياسي، الذي تعارضه الدولة المصرية تمامًا، وهذا هو السبب الأساسي في تدهور العلاقات بين البلدين.
هذه الحقيقة تقودنا إلى أن نتوقع اتجاه مصر إلى التعاون مع تركيا في قضايا معينة فقط من دون تطوير العلاقات إلى مستويات متقدمة للغاية طالما بقي أردوغان على رأس السلطة، نظرًا لعلمها الجازم بأنه الزعيم الذي أثار الارتباك والفوضى في البيت الداخلي المصري من خلال استغلال التقارب الأيديولوجي مع جماعة بعينها، وأنه لن يتخلى عن فكرة الإسلام السياسي.
–