بقلم: محـمود أكبينـار
نجح حزب العدالة والتنمية في تقديم الأدلة الهائلة المثارة في الأوساط المختلفة على أنها محاولة للانقلاب على الحكومة والإطاحة بها عبر حملة ممنهجة وفعّالة عقب الكشف عن أعمال الفساد والرشوة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013 المتورط فيها أردوغان ونجله بلال ووزراء سابقون وأبناء وزراء ورجال أعمال مقربون من الحكومة.
بعدها مباشرة قام الحزب بتصنيف الأشخاص حسب انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية وهو ما عُرف بـ “مطاردة الساحرات” حيث صدرت قرارات تم بموجبها تعيين رجال الأمن في أماكن نائية وتم عزل المدعين العموم والقضاة من مناصبهم وإعادة هيكلة القضاء من جديد ظنًا بأن طبيعة الأمور ستسير بشكل أكثر راحة.
بيد أن ادعاءات الفساد تعمّقت في غضون هذه الفترة ورأينا كيف قام مساعد رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضرَّاب –أبرز الشخصيات المتورطة في قضايا الفساد- وهو يحمل الأموال المُعادة له بقرار المحكمة التي كانت صادرتها الشرطة في إطار التحقيقات. كما قبل وزير الاقتصاد السابق ظفر تشاغليان “الساعة” التي تبلغ قيمتها 700 ألف ليرة (310 آلاف دولار) التي أهداها له ضرّاب. ولم يقدم الوزراء الآخرون دفاعا مقنعا أثناء الاستماع إلى أقوالهم في البرلمان.
العدالة والتنمية في مأزق
لقد مر أكثر من عام ولم يصدر حتى الآن دليل واحد يثبت صحة ادعاء أن عملية الكشف عن الفساد كانت تهدف للانقلاب على الحكومة. إلا أن الفساد يستمر بكامل سرعته وكلما طال الوقت دخلت حكومة العدالة والتنمية في مأزق؛ إذ أضحى موقف العدالة والتنمية أشبه بذلك الشخص الذي كلما حاول النجاة غرق أكثر فأكثر في إشارة إلى أحد أنواع التعذيب التي كان يستخدمها المنتمين لتنظيم حزب الله عن طريق تكتيف الشخص بحبل فكلما حاول أن يتزحزح خنقه الحبل أكثر وكلما حاول أن ينقذ نفسه يزداد الأمر تعقيًدا. وأردوغان يمارس ضغوطاً وقمعاً على القضاء من أجل عدم إرسال الوزراء الأربعة السابقين إلى محكمة الديوان العليا التي يُحاكم فيها كبار مسؤولي الدولة فضلا عن أنه إذا أخذت العدالة مجراها على نحو من العدال والشفافية في المحكمة فالجميع يعلم ما يمكن أن تصل إليه الأمور. إلى جانب ذلك فبقرار محكمة الديوان ستنهار إستراتيجية “محاولة الانقلاب على الحكم” المستمرة منذ عام وتتبين ادعاءات السرقة وسيحاسب الشعب العدالة والتنمية قائلا: “ماذا كان إذن كل هذا الصخب والضجيج المدوّى في الأوساط وماذا عن إشاعات “الكيان الموازي” و”الانقلاب على الحكم”؟”.
لمن سيبقى الذيل؟
إن لم يحيلوا الوزراء إلى محكمة الديوان العليا هذه المرة سيقال: “لماذا تخافون وتستحون من ذلك؟” وكلما مر الوقت يزداد المجتمع قناعة بأن أعمال الفساد وقعت بالفعل ويطالب الحكومة بعمل اللازم. وسيواصل حزب العدالة والتنمية العاجز عن إحالة الوزراء المتورطين إلى المحكمة موقفه المشكوك فيه وسيفقد الثقة والأصوات. ولهذا السبب يرغب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو والحكومة الحالية في إرسال الوزراء للمحكمة ويقول: “إننا نقوم بانتزاع رموز الفساد الموجودة بيننا ونحارب الفساد”.
وقد يكون موضوع محكمة الديوان هو ذيل العجل بين داود أوغلو وأردوغان. وكما قال صلاح الدين دميرطاش الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي لنرى مَن سيفوز بالعجل كله ومَن سينال ذيله، في إشارة إلى التباين بشأن من له الكلمة العليا.
لقد تبين من عدم إحالة الوزراء المتورطين في الفساد لمحكمة الديوان العليا أن أردوغان يواصل احتكار رئاسة الوزراء والرئاسة العامة للعدالة والتنمية إلى جانب رئاسة الجمهورية. وظهر من هو صاحب الكلمة العليا ومن هو الشخص الذي يعمل كمجرد “مؤتمن على المنصب الذي يشغله حاليا” (أحمد داود أوغلو) أو هو “صوت صاحبه” في إشارة إلى أنه يفعل كل ما يمليه عليه أردوغان وليست له كلمة مسموعة.