بقلم: سلجوق جولتاشلي
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان الأوربيون ينظرون إليه (أردوغان) على أنه القائد الذي سيحقّق التوافق بين الإسلام والديموقراطية والعلمانية، وحكومته ستكون القدوة لدول الشرق الأوسط، وهو الرجل الوحيد الذي سيجد الدواءَ لمرض التطرُّف والأصولية الذي ينتشر بين الدول كالنار في الهشيم. أما اليوم فهم يرون أمامهم تاجراً سياسياً يقيم الدنيا ولا يقعدها، ويلجأ إلى كل الوسائل، مهما كانت، من أجل التخلُّص من مزاعم الفساد.[/box][/one_third]أيًّا كانت الزاوية التي تنظرون منها، فالأمر لن يختلف كثيرًا، فبين أيدينا قصة أردوغان الحزينة؛ قصة إنسان كان يرحَّب به حتى الأمس القريب على أنه قائدٌ سيغيّر سوء الحظّ الذي يلازم بلده والمنطقة كلها، ولكنه أضحى مع مرور الوقت سياسياً ملطّخاً بادِّعاءات الفساد، وحوّل مبادئ الديموقراطيةِ وسيادةِ القانون وعضويةِ الاتحاد الأوروبي وغيرها إلى “أداة صرفة” لتحقيق طموحاته الشخصية والحزبية، المبادئ التي كان يرى سابقاً ترجمتَها إلى أرض الواقع “حلمَه الوحيد”. إنها لَقِصَّة حزينة!
وحتى فترة قريبة كان الأوربيون ينظرون إليه على أنه القائد الذي سيحقّق التوافق بين الإسلام والديموقراطية والعلمانية، وحكومته ستكون القدوة لدول الشرق الأوسط، وهو الرجل الوحيد الذي سيجد الدواءَ لمرض التطرُّف والأصولية الذي ينتشر بين الدول كالنار في الهشيم. أما اليوم فهم يرون أمامهم تاجراً سياسياً يقيم الدنيا ولا يقعدها، ويلجأ إلى كل الوسائل، مهما كانت، من أجل التخلُّص من مزاعم الفساد، وكلما قطع شوطاً في هذا السبيل، يظهر أنه مستعد للتخلّي، دون أن يطرف له جفن، عن كافة المكاسب الديموقراطية التي حقَّقَتها البلاد حتى اليوم.
قبل بضع سنوات، كان عضو بارز في المفوَّضية الأوربية أجرى مباحثات في إسطنبول في إطار زيارة رسمية إذْ كانت السُّلْطة المدنية قد وضعت حداً للوصاية العسكرية عبر قضايا الانقلاب، وأضفت صفة أكثر ديمقراطية على الجهاز القضائي بفضل تنفيذ حزمة إصلاحات دستورية عقب الاستفتاء العام الذي جرى في 12 أيلول من عام 2010، الحزمة التي تلقّت دعماً من كافة المؤسسات الأوروبية، ومن ثم خرجت من الانتخابات منتصرة بالدرجة الأولى لوعدها بسنّ دستورٍ للبلاد حَسَبَ معايير الاتحاد الأوروبي، وأصبح لها شأن عظيم وسمعة طيبة لدى الجميع. هذا العضو الأوروبي البارز بينما هو آخذ جولة على متن قارب في مضيق البسفور بإسطنبول إذ بدأ الحديث عن إصلاحات الحزب الحاكم في تركيا. ومضى المسؤول الأوروبي يمطر حزبَ العدالة والتنمية بوابلٍ من المديح والثناء إلى درجة أنه قال أخيراً: “لو كنتُ مواطنًا تركيًّا لأدليتُ بصوتي لصالح حزب العدالة والتنمية”. وقد أكّد لي مستشاروه الذين شاهدوا الحادثة ونقلوها إليّ: “حال سماعنا لهذه الكلمات، تلفّتنا في ذعر يمينًا ويسارًا لنتفقّد ما إذا كان هناك صحفيّ سمعها. وإذ لم نرَ أي صحفي في الجوار أخذنا نفساً عميقاً وارتاح بالنا. ذلك أن زعيمنا أصبح كفيلاً لحزب العدالة والتنمية، ولكن لو سُمِع ذلك لأوقعَنا في موقف حرج جداً”.
وإذا ألقينا نظرة على التصريحات التي أدلى بها الأوروبيون سابقاً حول حكومة حزب العدالة والتنمية، وعلى التصريحات التي أدلوا بها بعد أحداث 17 كانون الأول / ديسمبر يظهر مدى حزن القصة بصورة جلية! حيث بات مَن كان كفيلاً للحزب في السابق يصرّح بشكل علني بأنه خُدِع من قبل الحزب.
في شهر أيار/مايو الماضي ألغى الرئيس الأسبق لمجموعة الاشتراكيين في البرلمان الأوربي، هانس سوبودا، موعدًا كان مقرَّرًا أن يجمعه مع رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلتشدار أوغلو، بسبب وصف الأخير أردوغان بالدكتاتور، ولكن بعدما انكشفت الأمور واتَّضح كل شيء لسوبودا، صرَّح بأن حزب العدالة والتنمية خدعه.
وها هو الرئيس المشترك لمجموعة الخضر “دانيال كوهن بنديت” الذي أتى إلى البرلمان الأوروبي في 15 كانون الأول/ديسمبر من عام 2014 لإطلاق مفاوضات العضوية وهو يحمل لافتة مكتوب عليها “نعم” دعماً لعضوية تركيا في الاتحاد، فهو يقول إن الذين لم يعلنْهم أردوغان خونةً ليسوا ديمقراطيين، ويدعي بأن أردوغان خان نفسه.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن التاريخ سيذكر أردوغان كرجلٍ سياسي قد أخجل جميع من أصبحوا كفلاء له، وقام بشيطنة من يدعون له، ووصف اليوم بالحق ما أعلنه أمس باطلاً، ونسف كل مبادئه لكي يبقى في السلطة، بينما كان بإمكانه أن يصبح مصلِحاً عظيماً وقائداً قد تغلّب على سوء الحظّ الذي لاحق بلده والمنطقة جميعاً لقرون طويلة.[/box][/one_third]إن الحزب الديموقراطي الاجتماعي الألماني الذي غيّر ديناميكية العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوربي، يطلق تحذيرات متتالية لتركيا. كما أن وزير الخارجية الألماني “فرانك شتانماير”، الذي دأب منذ القديم على دعم عضوية تركيا، يحذّر حزب العدالة والتنمية من تضرّر عملية العضوية جراء قرارات حظر مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا. وكذلك ينتقد الرئيس الأسبق للبرلمان الأوربي، من الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني “مارتن شولديز” الخطّ أو النزعة الاستبدادية لدى أردوغان، واعتبره تعدّياً سافراً على حُرِّيَّة التعبير، ويؤكّد أنه يُبعد تركيا عن الاتحاد الأوربي خصوصًا بعد أحداث عمليات الفساد. من جهته، يقول النائب البرلماني لمجلس الاتحاد الألماني “جام أوز دمير” إن “أردوغان بات يعني الرمز السلبي لتركيا”.
وإبان عهد حسني مبارك في مصر والأحداث التي قُتل فيها المتظاهرون، قال قائد الكتلة الليبرالية في البرلمان الأوروبي “غي فرهوفشتات”، إن الرجل الوحيد الذي أخذ موقفًا شجاعًا من الأحداث في مصر هو أردوغان، ولكنه بدأ الآن يقول “إن تركيا ليس لها أي مكان في الاتحاد الأوربي بعد أن أعرضت عن القيم التي يتبنّاها”.
وبينما كان الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية المنتخبُ في الأسبوع الماضي “جان كلود يونكر” يرى حتى اقتراح “الشراكة المميّزة” على تركيا، بدلاً من العضوية الكاملة، إهانةً لها، أصبح اليوم يقول إنه من غير الممكن لحكومةٍ تحظر موقع “تويتر” أن تصبح عضوًا في الاتحاد الأوربي.
إن التاريخ سيذكر أردوغان كرجلٍ سياسي قد أخجل جميع من أصبحوا كفلاء له، وقام بشيطنة من يدعون له، ووصف اليوم بالحق ما أعلنه أمس باطلاً، ونسف كل مبادئه لكي يبقى في السلطة، بينما كان بإمكانه أن يصبح مصلِحاً عظيماً وقائداً قد تغلّب على سوء الحظّ الذي لاحق بلده والمنطقة جميعاً لقرون طويلة. فهل كان هذا يستحق كل ذلك العناء؟