فالإنسان متكوّن من مادّة وروح، والرّوح من سنن الله البديع يجعل للإنسان قيمة إلهيّة بما يبثّ من فضيلة ويزرع من خير وينشر من ضِياء؛ فتتغيّر بذلك نظرته للحياة ويرى بعين البصيرة ما وراء النتائج العاجلة من سلوك النّاس وتصرّفاتهم.
يقول ابن عطاء السكندري في مواعظه: “لو أشرق لك نور اليقين لرأيت الآخرة أقرب إليك من أن ترحل إليها، ولرأيت محاسن الدّنيا قد ظهرت كسفةُ الفناء عليها”. ففي المعتقد الدّيني لا موتَ إلاّ في هذه الحياة، فمن فارقها انتقل إلى حياة خالدة لا موت فيها. ولكنّ الفارق كبير والبوْن شاسع بين موت وموت؛ فموت المؤمن العارف فوز ونجاة، وموت الجاحد الكافر حِرمان وشقاء.
دعت جميع الأديان السّماوية إلى الإيمان بالبعث والنّشور على لسان رُسُلها وأنبيائها. فنوح عليه السّلام قال لقومه: ﴿وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ (نوح:17-18). وموسى عليه السّلام قال في دعوته:﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ (طه:55). وعيسى عليه السلام قال وهو في المهد: ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ (مريم:33).
ولقد وصف القرآن الكريم نكران عرب الجزيرة عقيدة البعث والنشور عندما قال تعالى على لسان معطّلة العرب مثلما سمّاهم الشّهرستاني في كتابه “الملل والنِّحل”: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ (الجاثية:24).
لقد اقتضت الحِكمة الأزليّة أن يُبتلى الإنسان بزينة الحياة الدُّنيا وبالهوى، فكان بذلك عُرضة للفسوق والعصيان والغفلة والنّسيان والإعراض عن الحقّ. فأرسل الله إليه رسله وأنزل كتبه، وبيّن له مواقع رِضاه وغضبه، وأنّ النّعيم لا يدرك بالنّعيم، وأنّ أعظم اللّذات محجوب بأنواع المكاره، فلم تقوَ عُقول الكثيرين على إيثار الآجل المنتظر بعد فناء الدُّنيا على هذا العاجل الملموس، بل إنّ خيالهم لم يتّسع لتصوّر نشر جديد بعد ظلمة القبر وفناء الجسد، وأنّا سنموت كما سنَنام ونُبعث كما سنستيقظ، ولاسيما العرب الذين لم يكلّفوا قطّ بشريعة، لوجودهم في فترة من الرُّسل بين جدّهم إسماعيل ومحمّد عليهما السّلام.(1)
البعث في القرآن والسُنّة
لقد استعمل القرآن الكريم في ردّه على منكري البعث على اختلاف اتجاهاتهم مختلف البراهين لإقناعهم بأنّ الساعة حقّ وأنّ الله يبعث من في القُبور. وتقوم عقيدة البعث على أصول لا بدّ من اعتبارها في عقيدتنا، وهي:
غاية الوجود
يوجّه القرآن الكريم الأنظار إلى أنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق هذا الكون باطلاً ولغير هدف. يقول جلّ ذكره: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الدّخان:38-39). وبيّن سُبحانه أنّه لم يخلق الإنسان عبثاً، قال عزّ جلّ: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ (المؤمنون:115).
تبين العقيدة الإسلاميّة أنّ الإنسان له حريّة عميقة في كيانه، لكنّها ليست حرّية الفوضى الخلقية التي تنتهي دائماً بتهديم الإنسان وتمزيق علائقه مع الوجود الخارجي من حوله.
فالحقّ الذي خلق الله تعالى به الكون يتنافى مع الفلسفة الوجوديّة المُلحدة؛ فليس ثمّة عبث كما يرى “ألبير كامو”، وليس ثمّة لامعقوليّة للحياة والوجود كما يرى “كافكا”، وليس ثمّة حرّية لاأخلاقيّة مُطلقة من كلّ قيد كما يرى “سارتر”، وليس ثمّة تناقضات نفسيّة لا نهاية لها تنتهي دائماً بالضياع كما يرى “دستوفسكي”. ذلك أنّ الإسلام يستمدّ تجاربه الباطنيّة من خِلال الحقيقة لا الزّيف، ومن الاستقامة لا الانحراف، ومن المعرفة لا الضياع. (2)
وإنّ ارتباط الوجود الإنساني بمصيره هو النّقطة التي تفترق فيها الطُّرق بين النّاس، لا في نظرتهم إلى الحياة وفلسفتهم فيها فحسب، بل في أخلاقهم ونمط سلوكهم ومدى إيمانهم. فالإيمان بمصير الإنسان بعد الموت يجعل لحياته غاية سامية وهدفاً أعلى. والقرآن الكريم حافل بآيات تُقيم الأدّلة على أنّ الكون ليس مهملا كما يزعم الملاحدة، بل خلق الخلق بالحقّ ليكون الابتلاء والاختبار الذي سيعقبه بعث للحساب والجزاء، قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾(الملك:2).
فالإيمان بالله تعالى يُحقّق المعرفة بالمصدر الأوّل؛ والإيمان بالبعث يُحقّق المعرفة بالمصير الذي ينتهي إليه هذا الوجود؛ وعلى ضوء المعرفة بالمصدر والمصير يمكن للإنسان أن يُحدّد هدفه ويرسم غايته، ويتّخذ من الوسائل والذّرائع ما يُوصله إلى الهدف ويبلغ به الغاية. ومتى فقد الإنسان هذه المعرفة، فإنّ حياته سوف تبقى بلا هدف ولا غاية. وحينئذ يفقد الإنسان سموّه الرّوحي ويعيش كما تعيش الأنعام. وهذا هو الانحطاط الرّوحي المدمّر لشخصيّة الإنسان والمنافي للحِكمة الإلهيّة العُليا من هذا الوُجود.
نهاية العالم
تُؤكّد عقيدة البعث على فناء هذه الدّنيا وانتفاء أزليّة هذا الكون، ويؤكّد علماء الفلك حتميّة اختلال الأجرام السماويّة. (3) ويؤكّد ذلك قوله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ (الانفطار:1-5).
جاء في كتاب “المعاد” قوله: “إنّ قانون الدّيناميكيّة الحراريّة يثبت أنّ الحرارة ليست دائمة إلى الأبد، وأنّ يوم انتهائها سيأتي حتماً، والكون يتّجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام وينضب فيها مَعِين الطّاقة، ويومئذٍ لن تكون هناك عمليات كيميائيّة أو طبيعيّة، وذلك بحكم الانتقال الحراريّ المستمرّ من الأجسام الحارّة إلى الأجسام الباردة. ولا يمكن أن يحدث العكس بقوّة ذاتيّة، بحيث تعود الحرارة وترتدّ من الأجسام الباردة إلى الأجسام الحارّة، وعندئذٍ تقف حركة الحياة ويموت الأحياء”. (4)
سكرات الموت ونهاية الإنسان
ليس الموت خِتاماً لمعنى الحياة وابتداء لحالة أخرى لا شعور فيها ولا إحساس معها، إنّما هو مرحلة تحوّل من طوْر إلى آخر. إنّ الموتَ هو الفجيعة الكُبرى للجاحدين الذين سيعرفون بعد الموت كلّ شيء وسيُدركون أنّهم كانوا في ضلال بعيد، سيتمّ ذلك بعد فوات الأوان. تثبت العقيدة الإسلاميّة أنّ ما يقع للجسد من فساد لأجهزته وفنائه لا يؤثّر في حقيقة الرّوح ولا في كيان الإنسان المعنويّ.
ولقد عبّر القرآن الكريم عن لحظة الفزع ولحظة خروج الرُّوح من الجسد بسكرة الموت، قال جلّ وعلا: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ (ق:19). وقال صلى الله عله وسلم يوم مفارقته الدُّنيا وهو يمسح وجهه بالماء: “لا إله إلاّ الله إنّ للموت سكرات”.
وإنّ أوّل منازل الآخرة هو القبر، فهو يضيق ويتّسع ويُظلم ويُنوّر بحسب مكانة صاحبه عند ربّه. والأدّلة على ذلك كثيرة، منها قوله صلى الله عله وسلم فيما رواه البخاري أنّه لمّا مات أبو سلَمة دخل عليه الرّسول صلى الله عله وسلم ثمّ قال: “اللّهم اغفر لأبي سلمة وافسح له في قبره ونوّر له فيه”. أمّا الدّليل على سؤال الميّت في القبر ما أخرجه مسلم أنّ النبي صلى الله عله وسلم كان إذا فرغ من دفن ميّت وقف عليه وقال: “استغفروا لأخيكم وسلوا له التّثبيت فإنّه الآن يُسأل”.
فالقبر فيه فتنة ووِشحة وابتلاء وسؤال الملكين، والدّليل على وجود عذاب القبر الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه قال صلى الله عله وسلم: “إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، وإنْ كان من أهل الجنّة فمن أهل الجنّة، وإنْ كان من أهل النّار فمن أهل النّار، فيُقال هذا مقعدك حتّى يبعثك الله يوم القيامة”. وممّا يؤكّد هذا الحديث قوله تعالى في آل فرعون: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ (غافر:46).
فإنّ وقت الموت أو المرحلة بين الدّنيا والبعث هي حياة البرزخ التي قال فيها تبارك وتعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِي * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (المؤمنون:99-100). يقول القشيري: “من مات فقد دخل البرزخ، وما بين الموت والبعث فإمّا راحة متّصلة وإمّا آلام وآفات غير منفصلة”. (5)
وإنّ الأرواح متفاوتة في مستقرّها في البرزخ حسب شقاوة صاحبها وسعادته إلى أن يأتي اليوم الآخر. هذا اليوم العظيم الذين اهتمّ به القرآن الكريم اهتماماً بالغاً، فتناول حقيقة اليوم الآخر وما يكون فيه من بعث وحِساب وجزاء، ثمّ ما يتبعه من حوض وصراط وشفاعة، واعتبره ركناً من أركان الشّريعة الإسلاميّة.
ويتجلّى هذا الاهتمام بكثرة ذكر القرآن الكريم لليوم الآخر، فلا تكاد تخلو سورة من الحديث عنه ولو في إشارة أو تلميح مع تقريبه إلى الأذهان، تارة بضرب الأمثال، وتارة بالحجّة والبرهان، وكثيراً ما نجد القرآن الكريم يتحدّث عن الدّنيا كأنّها ماضٍ كان، وعن الآخرة كأنّها الحاضر الآن.
الأدّلة الشرعيّة المثبتة للبعث
إنّ الموت في واقعه ليس انعداماً لأجزاء الإنسان، بل تفريقاً لها. وعندما تتعلّق إرادة الله بعودة الأجسام، يجمع هذه الأجزاء المشتّتة ويؤلّفها على حالتها السابقة جسماً وروحاً، وذلك هو المعاد. وما وقع لإبراهيم الخليل عليه السّلام لمّا سأل ربّه بقوله: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾، وجواب الله تعالى له خير دليل على إعادة الخلق من جديد، قال تعالى: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ بمعنى أن يقطعها إبراهيم عليه السّلام إلى أجزاء صغيرة يختلط بعضها ببعض خلطاً غير قابل للتجزئة والتّمييز ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ (البقرة:260).
قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: “يميّز الله تعالى أجزاء كلّ طير عن صاحبه ويجمع أجزاء كلّ واحد منها مستقلاًّ عن الباقي، فإذا اكتملت لكلّ طائر هيئته الخاصّة به أودع فيه الحياة حتّى يطمئن إبراهيم إلى هذه الحقيقة، ويتحقّق عْلمه، وينتقل من معالجة الفكر والنّظر إلى بساطة الضرورة بيقين المشاهدة، وانكشاف المعلوم انكشافاً لا يحتاج إلى معاودة الاستدلال ودفع الشّبه عن العقل”. (6)
وهذا المثل القرآني الدّقيق صريح الدّلالة على أنّ الموت تفريق للأجزاء، وليس انعداماً لها كما يظنّ المفكّرون الذين استعظموا عودة الحياة الإنسانيّة بعد انقطاع الحواس وانفصال الشّعور عن الجسد.
والنّصوص القرآنيّة التّي تُؤكّد إعادة الخلق والبعث والنّشور كثيرة ووفيرة منها قوله تعالى:
﴿وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا﴾ (مريم:66-67). ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ (الحجّ:6-7). ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (فصلت:39). هذا نوع من قياس الدّلالة وهو “الجمع بين الأصل والفرع بدليل العلّة وملزومها” مثلما قال علماء أصول الفقه. فدلّ سبحانه في هذه الآية عباده بما أراهم من الإحياء الذي تحقّقوه وشاهدوه على الإحياء الذي استبعدوه، وذلك قياس إحياء على إحياء واعتبار الشيء بنظيره، والعِلّة الموجبة هي عموم قدرته سبحانه وكمال حكمته، وإحياء الأرض دليل العلّة.
والقرآن الكريم إذْ يدعم عقيدة البعث بمختلف الوسائل والطُّرق، فليس ذلك فقط على قرارٍ ألزم الله به نفسه، وإنّما على أحد مستلزمات العدل الإلهي والحكمة السّامية، حتّى لا تكون حياة الإنسان بلا غاية ولا هدف. إنّ حاجة الإنسانيّة ملحّة إلى الآخرة لضمان الخلود وإقامة العدل وتنظيم الحياة. (7) وهكذا، فإنّ الإيمان بالبعث كالإيمان بالله كلاهما لا يقبل شكّاً ولا تردّداً، لأنّ الفِطرة السليمة تنساق إلى هذا الإيمان.
فالإيمان بالله يعترف بالمصدر الأوّل للوجود، والإيمان بالبعث يعترف بمصير الإنسان فيه. ومن حُرم هذه المعرفة أضحت حياته كحياة الأنعام تقوده الأهواء وتُسيّره الغرائز. والله تعالى لم يخلق الإنسان بيديه، ولم ينفخ فيه من روحه ولم يأمر ملائكته بالسّجود إليه، ولم يحمّله الأمانة ولم يجعل له الخلافة، ولم يسخّر له ما في السّموات والأرض إلاّ لِيجعل من وجوده غاية سامية تتّفق مع حِكمته العُليا وعدله المُطلق، حتّى لا تذهب جهود هذا الإنسان سدى مِصداقاً لقوله جلّ ثناؤه: ﴿وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ (الجاثية:22).