طرابلس (زمان التركية) – كشفت مصادر ليبية مُتطابقة أنّ عددا من قادة الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، قد وصلوا إلى تركيا صحبة رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، وذلك في زيارة وُصفت بـ”المريبة” نظرا لتوقيتها الذي اقترن بتزايد التوتر العسكري على مستوى جبهة الجنوب الليبي، في أعقاب الاشتباكات التي عرفتها في وقت سابق مدينة سبها.
وتنطوي هذه الزيارة على رسائل لا تبعث على الاطمئنان، لاسيما وأن تركيا التي تنظر إلى ليبيا على أنها رئة هامة يتنفس من خلالها اقتصادها، ليست في وارد السماح بترسيخ الهدوء الميداني الذي لا يخدم مصالحها في هذه الفترة التي بدأت فيها اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 تُحقق بعض الاختراقات التي من شأنها تهدئة الأوضاع.
وأعطى تواجد وزيري الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، والدفاع، صلاح الدين النمروش، في تركيا صحبة مدير جهاز المخابرات، عماد الطرابلسي، بعدا إضافيا ساهم في تزايد القلق من أهداف هذه الزيارات التي تأتي في وقت تسعى فيه تركيا إلى تحريك أدواتها الوظيفية من ميليشيات ومرتزقة لإشعال جبهة الجنوب الليبي بهدف السيطرة على المواقع الحيوية العسكرية والاقتصادية هناك.
ونقلت القناة التلفزيونية الليبية “ليبيا 218″، عن مصادر لم تذكرها بالاسم، قولها إن رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري “توجه إلى تركيا رفقة 16 من قادة التشكيلات المُسلحة أبرزهم محمد الحصان، أمر ميليشيا 166، وأيوب بوراس، القيادي البارز في ميليشيا النواصي، وبشير خلف الله الملقب بـ”البقرة” الذي يقود ميليشيا الرحبة بمنطقة تاجوراء.
وأضافت أن وزير الدفاع بحكومة الوفاق، صلاح الدين النمروش، “يتوجه هو الآخر إلى تركيا في زيارة غير معلنة، حيث سبقه إلى ذلك وزير الداخلية، فتحي باشاغا ورئيس جهاز المخابرات عماد الطرابلسي”، مُرجحة في هذا السياق “عقد اجتماع أمني وعسكري موسع في تركيا بحضور مسؤولين من الوفاق وقادة التشكيلات المُسلحة”.
ولم تُوضح أسباب عقد هذا الاجتماع، كما لم تُحدد الغاية منه، ولا طبيعة المسار الذي سيسلكه في علاقة بما تُخفيه تركيا في قادم الأيام، لاسيما بعد تكديسها كميات هائلة من الأسلحة المُتطورة في ليبيا، الأمر الذي دفع النائب، علي التكبالي، عضو لجنة الدفاع والأمن بالبرلمان الليبي، إلى التحذير من دوافع هذا الاجتماع، وتداعيات مُخرجاته المرتقبة على مجمل الأوضاع في ليبيا التي وصفها بالهشة.
وقال علي التكبالي في اتصال هاتفي مع “العرب”، من ليبيا، إن “هذا الاجتماع المُرتقب يأتي في خضم الترتيبات التي تُجريها تركيا لإحكام سيطرتها على ليبيا، وهي بذلك تقوم بإحضار أعوانها من قادة الميليشيات الموالية لها في مسعى لاحتواء كل الميليشيات المُنتشرة في ليبيا”.
ورأى أن تركيا “لن تدخر جهدا حتى تنتصر على كل الموجودين في الساحة الليبية، وهو ما تفعله حاليا من خلال إحضار الرجال وتهيئة الميليشيات، وهي تريد أن تنقلب على الجميع، ذلك أن نوعية السلاح الذي تُكدسه في ليبيا ليس دفاعيا أو عاديا، بل إنه من النوع الهجومي والمُتطور جدا”.
واستبعد في هذا السياق، إمكانية أن تهجم تركيا خلال الأيام القادمة على منطقة الهلال النفطي، لكنه شدّد في المقابل على أن تركيا “لن تقبل باقتسام نفوذها في ليبيا مع أي دولة أخرى.. لذلك ستبقى الأوضاع هشة، ولن تستقر ليبيا، ولن يكون لها أي كيان حقيقي إلا بعد خروج الأتراك منها ومعهم جميع المرتزقة الذين أتوا بهم”.
ومع ذلك، ربط مراقبون هذا الاجتماع المُرتقب، بالتطورات الميدانية التي شهدها الجنوب الليبي في بداية الأسبوع الجاري، التي عكستها الاشتباكات المسلحة التي جرت في مدينة سبها بين الجيش الليبي، وقوات موالية لحكومة الوفاق، وهي اشتباكات أثارت تخوفات جدية من سعي تركيا لمحاولة إرباك جهود التسوية من خلال تحريك جبهة الجنوب الليبي.
وتشهد مدينة سبها والمناطق القريبة منها حاليا استنفارا عسكريا وأمنيا مشحونا بالتوتر الشديد الذي لم يُخفف من حدته الهدوء الحذر الذي يسود محاور القتال، بعد التصادم المُسلح المُسجل الأحد الماضي بين وحدات من الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وقوات موالية لحكومة الوفاق برئاسة السراج.
وتم خلال تلك الاشتباكات التي جرت بين أفراد من الكتيبة 116 التابعة للجيش الليبي، وقوة مُسلحة من منطقة سبها العسكرية التابعة لحكومة الوفاق، قرب مبنى الهلال الأحمر بوسط مدينة سبها، استعمال الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، الأمر الذي تسبب في حالة من الذعر والهلع بين المواطنين.
وأوضح اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، أن “الأمور هادئة جدا ولا توجد أي تحركات معادية على خطوط النار وخطوط التماس، في سبها ومحيطها”، لافتا في نفس الوقت إلى أن الجنوب الغربي والجنوب الشرقي “يشملان أراض مفتوحة وواسعة، ومليئة بالخيرات من نفط ومياه، وبالتالي من يريد زرع الفوضى يتجه لهذه المنطقة”.
وأكد خلال مؤتمر صحافي عقده مساء الأربعاء، أن المنطقة العسكرية بسبها “عالجت الفوضى وطردت المجموعات المسلحة خارج سبها”، مشيرا في هذا السياق، إلى أن الجيش الليبي “يعرف من وراء تجنيد هذه المجموعة ومن جند المرتزقة الأجانب ومدهم بالأموال لإرباك الوضع هناك”، دون أن يذكر هوية تلك الأطراف.
ومع ذلك، رأى البرلماني الليبي، سعيد امغيب في تدوينة فيسبوكية نشرها في وقت سابق، أن التحركات العسكرية المدعومة من تركيا التي حدثت في الجنوب الغربي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار، مؤكدا في هذا الصدد أنّه في غياب ضغط دولي صريح وواضح سوف يجد “النظام التركي ألف طريقة وطريقة للتحايل على تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين وحوار اللجنة الأمنية والعسكرية 5+5 في جنيف”.
وكان لافتا أن تحريك جبهة الجنوب جاء بعد اجتماع عقده وزير داخلية حكومة الوفاق، فتحي باشاغا مع مجموعة من قبائل التبو المؤيدة لآمر المنطقة الجنوبية التابعة لحكومة الوفاق، علي كنة، حيث أعلن فيه باشاغا عزمه فرض ما وصفه بـ”هيبة الدولة” في المنطقة الجنوبية بالكامل.