شاهين ألباي
ما الذي يُرى في الواقع؟ لقد باتت تركيا تحكم أو تدار من قبل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان الذي أصبح يمتلك جميع صلاحيات التنفيذ منتهكا كل الأحكام المتعلقة بالنظام البرلماني في الدستور ومتناسيا اليمين التي أقسمه على عدم الانحياز في السياسة.
فأردوغان الذي ارتبك من ضياع سلطته قام بوصف عمليات الرشوة والفساد في 17-25 ديسمبر/ كانون الأول وهي الأوسع من نوعها في تاريخ الجمهورية التركية بأنها “مؤامرة جماعة فتح الله كولن على الإرادة الشعبية” وألغى دولة القانون عن طريق تعديلات في جهاز القضاء وغيره كما ألغى استقلالية القضاء. فهو يسير بالدولة لتكون دولة مخابراتية يديرها رجل واحد وحزب واحد؛ حيث إنه من ناحية يتعاون مع الانقلابيين إلى جانب الموالين للوصاية العسكرية بحجة ادعائه السخيف بوجود مؤامرة من أتباع فتح الله كولن على الجيش الوطني؛ ومن ناحية أخرى يتفق سياسيا مع القوميين الأكراد (أو أنه يظن ذلك) بحجة الادعاء السخيف نفسه ولكن هذه المرة يدعي وجود مؤامرة ضد اتحاد المجتمعات الكردستانية KCK.
إن الأحزاب المعارضة المرتبطة بالحرية والديمقراطية والمجتمع المدني المكون من مؤسسات مستقلة عن الدولة والإعلام الحر والمثقفين ذوي الأفكار الحرة والضمير الحر لا ينحنون ولا يستسلمون أمام هذه الأوضاع. كما أن رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو أوضح بدقة أنه سيتم الخيار بين الإملاءات والديمقراطية خلال مدة أقصاها يونيو/ حزيران المقبل حيث ستجري الانتخابات العامة. فالأصوات التي تعارض الحكم الفردي تعلو باستمرار.
نشر بعض أبرز المثقفين منذ أسبوعين بيانا دعوا فيه للتراجع عن الطريق الخطير الذي تسلكه حكومة حزب العدالة والتنمية، وقد وقع على البيان منذ 22/12/2014 أكثر من 3 آلاف شخص. وكان خلوق دينتشر رئيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك “توسياد” (وهي أقوى تجمع مدني في تركيا) قد قال في الأسبوع الماضي: “لا أرى أية دولة موازية على أرض الواقع. ولم نستغرب الادعاءات التي اتهمت بعض أعضاء الحكومة بالتورط في أعمال الفساد والرشوة. ونحن نعارض النظام الرئاسي في تركيا. فمخاطبنا رسميا هو رئيس الوزراء وليس رئيس الجمهورية الذي ينبغي أن يكون بلا انحياز كما ينص عليه الدستور”.
في حين أن الصحفية صدف كاباش اعتُقلت بسبب تغريدة على موقع تويتر اعترضت فيها على إغلاق ملف التحقيقات في عمليات الفساد. كما صورد حاسوبها وهاتفها المحمول. وقالت كاباش: “لا شيئ يدعو للخوف فلما أخاف؟ فالكاذبون والسارقون هم الذين يجب أن يخافوا…”. وذكرت جمعية الصحفيين الأتراك أنه: “تم الحكم على 70 صحفيا تقريبا بـ120 دعوى قضائية بسبب نشرهم لأخبار تتعلق بعمليات الفساد في 17-25 ديسمبر/كانون الأول 2013. وإن اعتقال إحدى زميلاتنا بسبب تغريدة على” تويتر” يعد مثالا جديدا لتهديد الصحفيين”. وإن رسام الكاريكاتير في صحيفة” صباح” الموالية للحكومة صالح ميميجان نشر ما يستدعي الاستغراب من الرسوم الكاريكاتورية التي تنتقد الحكومة في العام الجديد حول الضغوط التي يتعرض لها الصحفيون بدءا من أحداث حديقة جيزي في يونيو/ حزيران إلى عمليات الفساد في 17 ديسمبر/كانون الأول 2013، واعتقال طفل في الـ16 من العمر لأنه شتم رئيس الجمهورية.
وقال أ.د. أسير كاراكاش الكاتب في صحيفة” ستار” الموالية للحكومة: “حزب العدالة والتنمية ليس محافظا. بل انتهازي… وإذا كان بيننا من يصفه بأنه محافظ فهو أيضا ليس محافظا إلا في النطاق الضيق” .. فحزب العدالة والتنمية حاليا يرى تركيا كدار حرب لا دار الإسلام أي يجب إلحاقها بدار الإسلام عن طريق حرب أو جهاد.
ويلفت النظر ما صرح به ألطان طان البرلماني من حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي قال: “إن حزب العدالة والتنمية يسعى للتحالف مع الوصاية العسكرية وشبكة أرجينكون بدلا عن القضاء على التيار الكمالي في تركيا وإعداد دستور جديد ليكون وحده أكثر سلطوية عن طريق اتباع نظام سياسي جديد كسياسة العثمانيين الجدد والإسلامية التركية”.
وفي هذا الصدد قال البرلماني السابق من الحزب الديمقراطي محمود آليناك مخاطبا القيادة العامة لحزب الشعوب الديمقراطية: “أنتم سهلتم عمل حزب العدالة والتنمية كما أنه يخدع الشعب حين يعمل كآلة لا مثيل لها في إنتاج الكذب. ونحن نعلم أنه في تاريخ السياسة تعمل السلطات على تشجيع المعارضة غير الضارة والسماح لها لانتقادات تجاه السلطة ولو كانت بلهجة شديدة جدا حتى إنها تخلق منافسة في الظاهر بينها وبين المعارضين غير الضارين. وبذلك تكون ألسنتهم شديدة لكن قلوبهم متآلفة مع النظام. أما السياسيون فبواسطتهم يكبحون جماح الشعب ويخففون من غضبه ليتماشى مع النظام”.