إسطنبول (زمان عربي) – شهدت تركيا في السنوات الأخيرة احتجاجات متكررة من أجل حماية الأشجار لاسيما التذكارية منها التي تمتد أعمارها لمئات وآلاف السنين. ولن يكون من الخطأ لو قلنا إن كل شيئ بدأ مع أحداث “حديقة جيزي” بميدان تقسيم في إسطنبول عام 2013 ثم تأجج بواقعة إصرار رئيس بلدية أُسكودار بإسطنبول التابعة لحزب العدالة والتنمية على بناء جامع مكان “حديقة والدة باغ” رغم اعتراض سكان المنطقة.
وكان آخر هذه الوقائع إقدام حكومة حزب العدالة والتنمية على قطع آلاف من أشجار الزيتون (6 آلاف شجرة) بغية بناء محطة لتوليد الكهرباء في قرية يرجا ببلدة سوما التابعة لمدينة مانيسا غرب البلاد.بيد أن المجتمع لم يقف صامتًا حيال هذه المجزرة وعارض ما يحدث من فوضى عارمة.
والمطّلع على الثقافة التركية يعرف أن حب الأتراك واهتمامهم بالأشجار ليس بجديد. فالأشجار تعتبر شيئا مقدسًا منذ أن كان الأتراك في وسط آسيا. وخير دليل ومثال على ذلك الأشجار التي تبلغ أعمارها آلاف السنين والشاهدة على تاريخ مدينة إسطنبول.
وأقدم شجرة في إسطنبول توجد في حي “تشيرشير” بمنطقة علي باي كوي. وهي شجرة الدلب التي يدهش منظرها الجميع من شدّة روعتها وعظمتها وظلالها الوارفة ويرجح الخبراء أن عمرها قد يبلغ 1500 عام.
وتلفت تلك الشجرة الانتباه بقوة تماسكها بالرغم من عمرها. ويقول أحد سكّان الحي إنه كان يوجد في الماضي 13 شجرة قديمة في هذه المنطقة إلا أنه تم قطعها بحجة القيام بأعمال مثل توسيع الطرق والبناء.
وهناك شجرة أخرى يبلغ عمرها 1400 عام موجودة في فناء مسجد الشيخ “سمبل أفندي” في حي “كوجا مصطفى باشا” في إسطنبول. تسمى بالشجرة ذات السلسلة وحسب الأساطير جاء اسم الشجرة من سلسلة كانت معلّقة على الشجرة حتى 1940. ويروى أنه كان يتم إحضار كل من لايعترف بأن عليه دين تحت هذه السلسلة التي توزع العدالة. وإذا كان الشخص مدينا حقًّا تهتز السلسلة ثم تمس كتفيه. وبالنسبة لمن يريد أن يرى هذه السلسلة يمكنه أن يزور متحف بلدية إسطنبول الكبرى. أما القبر الموجود أسفل الشجرة فأمر بتشييده السلطان محمود الثاني استنادًا لرواية تقول إنه مدفون تحتها ابنتا الإمام الحسين (رضي الله عنه).
وبحسب رواية تتعلق بالشجرة الموجودة في منطقة “أيوب سلطان” بقرب ضريح الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في إسطنبول البالغ عمرها 600 عام قام أك شمس الدين (شيخ محمد الفاتح) بغرس هذه الشجرة في مكانها بجانب قبر أبي أيوب الأنصاري أثناء فتح إسطنبول. وظلت الشجرة هناك منذ قرون عديدة.
وتعتبر الشجرة الكبيرة البالغة 560 عاما الموجودة في الفناء الأول داخل قصر “طوب كابي” في إسطنبول تذكارا من السلطان محمد الفاتح. وتُذكر هذه الشجرة باسم “شجرة الإنكشاريين” نسبة إلى جيش الإنكشارية في العهد العثماني. وكذلك الشجرة الموجودة في مدخل سوق باعة “الكتب العتيقة” في ميدان بايزيد ليست معروفة بشهرة حسنة إذ كان يتم عليها إعدام الكثير من الناس الصادرة بحقهم أحكام الإعدام في وقت كان يتم فيه تنفيذ الأحكام في الساحات العامة واستمر ذلك حتى عام 1960. وكان بمثابة أعواد المشانق التي أُعدم عليها الكثيرون لكنها الآن أصبحت ملاذا للباعة.
كما أن الشجرة الموجودة في شارع “عَلَمدار” بميدان السلطان أحمد في إسطنبول تبلغ 300 سنة وتسمى بالشجرة ذات الحجر. ويُقال إن الشجرة الموجودة وسط خط الترام … كان في جذعها حجر قد تطاير من حدوة الحصان الأبيض لمحمد الفاتح وانغرس فيها. إلا أن عمر الشجرة لا يؤكد صحة هذه الرواية. وسقط الحجر بعد مرور السنين.
وهناك شجرة تذكارية أخرى في حديقة “أميرجان”. والشيئ الذي يجعل هذه الشجرة التي يبلغ عمرها بضع قرون كونها ملتقى لأدباء ذلك العصر. ومن هنا جاء اسمها “تشينار آلتي” أي في ظل الشجرة. وللأسف الشديد هذه الشجرة التي كانت أيضًا مقرا للمناظرات والأبحاث الأكاديمية أصبحت اليوم بعيدة عن هذا الرونق الجمالي.
أما باقي الأشجار التذكارية في إسطنبول كالآتي: 15 شجرة في منطقة “بييكوز تشاييري” أعمارها 300 سنة. والشجرة الموجودة في رصيف ميناء “أناضولو كافاغي” البالغة 200 سنة. وشجرة جامع “أيوب دوغماجيلير” وعمرها 470 سنة. وهناك أيضا شجرة جامع “شيخ زاده باشي” وعمرها 450 سنة. وأشجار السنط الموجودة في فناء جامع “محمود أغا” في منطقة “سوتلوجه تشاووش باشي” بإسطنبول وعمرها 470 سنة.