د. علي صويلو – جامعة إيبك التركية
تشهد تركيا أزمة إدارية خطيرة. ولا يستطيع إدراك هذا المشهد الكارثي سوى أولئك الذين يثمّنون الوضع بشكل موضوعي سواء داخل تركيا أو خارجها ولا ينظرون النظرة “الوردية” إلى كل شيئ بسبب التحيز.
إن مصدر وخامة هذا الوضع هو العقلية التي تسعى بشتى الطرق من أجل السيطرة على الحكومة والحزب الحاكم والدولة بأسرها- ولاشك في أن هذا السعي يعتبر مشروعًا إذا ما بقي في الإطار الأخلاقي والقانوني- وتحاول تعزيز زعامتها ومستقبلها السياسي عن طريق استغلال آلية الديمقراطية وإمكانيات الدولة وترى أنه لا حرج في اللجوء إلى شتى أنواع الكذب والافتراء والإساءة في سبيل القضاء على العقبات التي تمنعها من الوصول إلى هدفها. ولاريب في أن صمت الأشخاص والمؤسسات المكلفين بإنقاذ هذا الوضع الوخيم في أسرع وقت وعدم إقدامهم على اتخاذ الخطوات اللازمة وحتى تأييدهم لهذه العقلية ومسايرتهم لها تحت تأثير “الخسوف العقلي” يجرّ تركيا إلى هاوية سيكون من المستحيل العودة عنها.
إن رسم هذا التراجع في إدارة الدولة لايعتبر صعبًا للغاية على أصحاب الإنصاف والإذعان. وإن اليأس والقنوط حالة روحية غير مرغوب بها أبدا؛ إذ إنها مدعاة للانتكاس والعودة بسرعة إلى الخلف. ولكن يجب على المواطن التركي أن يرى أن هذه التطورات السلبية والأزمة الإدارية التي عمت البلاد ليست “وردية” كما يعتقد البعض.
لايشعر الجميع بالثقة والطمأنينة نفسها، فالمؤشرات الاقتصادية في تركيا تنذر بكارثة حقيقية. يضاف إلى ذلك ارتفاع معدلات البطالة واستمرار انخفاض قيمة الليرة التركية في مقابل العملات الأجنبية واستمرار تراجع معدلات الإنتاج. وفي الوقت الذي تتراجع فيه أسعار البضائع والخدمات على مستوى العالم وعلى رأسها الوقود كنتيجة لانخفاض أسعار النفط ترتفع في تركيا وذلك بطبيعة الحال إذا استثنينا بعض التخفيضات الجزئية التي تقوم بها الحكومة. إذن، ليس من الممكن أن تحافظ إدارة تسعى لتعطيل الأنشطة التجارية للشركات والمؤسسات تحت تأثير الذعر من “الكيان الموازي”، على اعتبار الدولة في السوق العالمية.
نضيف إلى ذلك التحدي الذي أعلنه الرئيس رجب طيب أردوغان للمنظمات الدولية، وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي، وارتقاء أحمد داود أوغلو إلى منصب “تقليد” أردوغان، وهو الأمر الذي يحرج تركيا على مستوى العلاقات مع الدول الأخرى بصفة خاصة ولدى الرأي العام العالمي بصفة عامة.
من ناحية أخرى، فإن الإجراءات التعسفية التي يقوم بها الإداريون في الدولة ممن يتدخلون في عمل الصحافة وجهاز القضاء سينجم عنها أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية يصعب معالجتها. ولاشك في أن التدخلات المباشرة أو غير المباشرة في نظام العدل في تركيا سيضر الإيمان الراسخ لدى المواطن بمبدأ “سيادة القانون”، ومن ثم ستنتقل هذه العدوى كالفيروس إلى سائر الأجهزة التي تحافظ على صمود المجتمع. ولن يكون ممكنًا إدارة مجتمع يعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية ولم تبقَ لديه ثقة بنظام العدالة في وطنه. فهل من الممكن أن يحدثنا أحد عن مكانة معتبرة لدولة كهذه على المستوى الدولي؟