لقد تعرّض المثقفون ورجال الدين والعلماء المسلمون على مرِّ التاريخ لشتّى صنوف التعذيب والهجوم، فمنهم من قبع في السجون، ومنهم من نُفي، ومنهم من حاول البعضُ التقليلَ من شأنه وتشويهَ صورته لدى الناس. وتشهد تركيا هجومًا مماثلًا في الأشهر القليلة الماضية؛ إذ نجد الأستاذ “محمد فتح الله كولن” يتعرّض لحملات كراهية وافتراء وبهتان من قبل الحكومة، وذلك بالرغم من ريادته لخطوات كبيرة من أجل السلام والمصالحة العالمية، بفضل المدارس المفتوحة في شتى بقاع العالم، ومراكز الثقافة والحوار التي يتزعمها.
وجّهنا أسئلتنا إلى 100 مثقف بارز من مختلف دول العالم حول الأستاذ كولن وحركة الخدمة اللذين تعرّضا لهجمات مكثَّفة من خلال ادّعاء “الدولة الموازية” الذي ابتدعه رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” للتستّر على عمليات الفساد والرشوة ذات الصلة بشخصه وحكومته، والتي كُشف عنها يومي 17 و25 ديسمبر / كانون الأول الفائت.
“نموذج قلّما تصادفه”
بروفيسور د. برادلي هاوكينس – جامعة ولاية كاليفورنيا / الولايات المتحدة الأمريكية
أعتقد أن حركة “الخدمة” لديها العديد من المساهمات التي توفر الفائدة المشتركة للجميع، وأرى أن أهم هذه الإسهامات هي التي أتت في المجال التعليمي، فالحركة تمد يد المساعدة للمناطق التي لا يلقى بها التعليمُ التشجيعَ الكافي، أو لا تخصِّص لها الدولة الموارد اللازمة، أو تلك التي لا تجد الإمكانية للنهوض بالمستوى التعليمي لأية عوامل أخرى، كما أن الفعّاليات التعليمية التي تقوم بها الحركة في مختلف دول العالم، وبالأخص دول آسيا الوسطى، توفر فوائد كبيرة لهذه الدول.
إن حركة “الخدمة” تقدم إمكانية التعليم والارتقاء على مستوى العالم لشباب تلك البلدان، والحركة لا تلقي بالًا للهويات الدينية للطلاب، فالمهم بالنسبة لها هو أن يتعلم هؤلاء الشباب وأن يصبح بإمكانهم الانتقال من ظروفهم الحالية إلى ظروف معيشية أفضل.
” حركة الخدمة تلعب دورًا محوريًا في العملية التعليمية”
حاخام/ لاورنس سيدمان
إن هذه الحركة التي تطورت من قاعدة محترمة، تعد كيانًا نادرًا للغاية، فتجد كل عضو من أعضاء الحركة وقد امتزجت بداخله القيم الطيبة، حتى إنك إذا قابلت أي واحد منهم تراه مرتبطًا بالإسلام ولا يبخل بتضحية من أجل فعل ما هو صحيح.
ولقد قرأت العديد من المقالات التي كتبها الأستاذ “فتح الله جولن” في مجالات الحوار بين الأديان والإسلام المعتدل، وإن لم أتعرّف إليه شخصيًا.
وعندما نظرت إلى حركة “الخدمة” من منظور المشهد القائم في جميع أنحاء العالم، وجدت العديد من النقاط المؤثرة. أعتقد بدايةً أن التعليم يحمل أهمية كبيرة جدًا في تكوين عالَم حديث وعصري، كما أن مستقبل العالم والديمقراطية والاقتصاد مرتبط بالتعليم.
ثانيًا؛ أرى من المؤثر أن ترغب حركة الخدمة دائمًا في تقديم المساعدات الإنسانية للمناطق المحتاجة، أو أنها توفر الدعم للمؤسسات والهيئات الخيرية الأخرى داخل تركيا وخارجها.
“الأستاذ جولن عالم يجمع بين العلوم الكلاسيكية والمعاصرة”
د. محمد الشرقاوي – جامعة القاهرة
في الواقع لم أهتمّ كثيرًا لدى سماعي اسم الأستاذ فتح الله جولن للمرة الأولى، ولم يلفت انتباهي كونه واعظا أو عالما، ذلك أن بلدي الذي أعيش فيه، مصر، تزخر بالآلاف من علماء الدين والوعاظ، واعتقدت أن الأستاذ جولن عالم مثل بقية علمائنا، حتى إنني نسيت اسمه بمرور الوقت، إلى أن اطلعت على كتابٍ ألفته الكاتبة الأمريكية “جيل كارول” بعنوان “حوار الحضارات”، وحاولتِ المؤلفة في كتابها أن تعقد مقارنة بين العديد من الفلاسفة، وسعت لعقْد علاقة بين فلاسفة العالم القديم والمفكرين والفلاسفة المعاصرين.
وبما أن مجال تخصصي هو الفلسفة الإسلامية ومقارنة الأديان، فإن كل شيء مكتوب عن الفلاسفة الذين أعرف عظماءهم جيدًا يلفت انتباهي. نعم، قرأت ذلك الكتاب، وشاهدت كيف أن مؤلفته أنشأت علاقة بين أفكار الأستاذ جولن وأفكار الفلاسفة العالميين، ومن بينهم أفلاطون الذي نعرف جميعًا من يكون، وما هي الإسهامات التي قدمها لعالم الفلسفة.
مقارنة بين جولن وأفلاطون! بالطبع لفت هذا انتباهي لأقرأ الكتاب، ومقارنة أخرى عقدتها الكاتبة بين جولن والمفكر الصيني كونفوشيوس، وروابط فكرية بين جولن والفلاسفة البريطاني “جون ستيوارت ميل”، والألماني “إيمانويل كانت”، والفرنسي “جون بول سارتر”، وعندما قرأت أفكار جولن وقارنتها بأفكار هؤلاء الفلاسفة، سألت نفسي: كيف لهذا المفكر التركي أن يجد لنفسه مكانًا ليوضع جنبًا إلى جنب مع هؤلاء المفكرين المشهورين؟!
وبهذه الطريقة بدأتُ اكتشاف شخصية جولن، وكلما قرأت مؤلفاته المترجمة عن التركية إلى العربية أو الإنجليزية اكتشفت أن الأستاذ جولن عالم ومفكر وصوفي في آن واحد، فهو عالم، وأن تكون عالمًا يعني أن تكون مغرمًا بالعلم، وأن تنفتح على دنيا العلوم وتنهل من أنهارها دون أن يذهب ظمأك.
إن الأستاذ جولن شخصية تمثل العلوم الكلاسيكية جيدًا، من التفسير إلى الحديث، ومن التوحيد إلى الكلام، ومن العقيدة إلى علومها، والقواعد والأدب وغير ذلك من العلوم.
1/7/2014