بقلم: عمر نور الدين
ليس في السياسة ثوابت .. نعم، لكن ما هي حدود التجاوز التي تسمح بعد ذلك بالقفز على الأخطاء وفتح صفحات جديدة في العلاقات بين الدول؟
إن ما حدث من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفريق المحيطين به تجاوز حدود الأخطاء المسموح بها والمقبولة في عرف الدبلوماسية والسياسة المتغيرة ليصل إلى التدخل السافر في شؤون دول صديقة كانت تركيا ترتبط معها بعلاقات عميقة وتاريخية وإقامة جدار عازل مع دول المنطقة التي سبق أن احتضنت بحماس تجربة العدالة والتنمية وفتحت لها الأبواب ولم ترفض حتى اعتبار تركيا نموذجا لها من حيث التعايش بين الإسلام والديمقراطية.
لمست دول عربية كبرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية من البداية نزعة أردوغان لمنافستها في المنطقة وقضاياها ومزاحمتها في دورها، وغضت الطرف عن الترويج للعثمانية الجديدة المتسترة وراء نظرية أحمد داودأوغلو عن العمق الاستراتيجي، من منظور أن انضمام تركيا إلى محاور القوة في المنطقة سيعزز ثقلها وقدرتها على التأثير، وأن ماعدا ذلك من تفاصيل يمكن التعامل معه من المنظور الدبلوماسي طالما بقي كل طرف يلتزم حدوده ولا يحاول التدخل في شؤون الآخرين.
ورحبت مصر ومعها دول الخليج بأن تدخل تركيا شريكا في كل القضايا، ولم يعترضوا على أن تحظى بوضع خاص في جامعة الدول العربية، كمراقب، وأن يحضر وزير الخارجية أحمد داودأوغلو، رئيس الوزراء الآن، اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب، وانطلقت كذلك آلية المنتدى العربي التركي، وفتحت الجامعة العربية للمرة الأولى مكتب تمثيل لها في أنقرة، ولم تجد الدول العربية غضاضة في أن يجري التشاور مع تركيا في كل صغيرة وكبيرة فيما يخص الشأن الفلسطيني، مع إدراكها أن حزب العدالة والتنمية وأردوغان وحكومته يميلون ناحية حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وعندما حدث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008 كانت أولى الدول التي بادرت مصر للتشاور معها هي تركيا. وحضر وزير الخارجية في ذلك الوقت أحمد أبو الغيط على عجل لإجراء مشاورات مع داود أوغلو. وساندت الدول العربية تركيا في سعيها للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن عام 2008 – 2009، واستغل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، في ذلك الوقت، هذا الأمر في الدعاية لحزبه ولنفسه، كما سبق وعمل مرارا على استغلال معاناة غزة في دغدغة مشاعر مؤيدي حزبه وحشدهم للتصويت له عملا بشعار نصرة المظلوم، وهو شعار شديد الجاذبية لدى الشعب التركي.
ولعل الجميع لم ينس حتى الآن هذا الموقف المسرحي الهائل في منتدى دافوس في بداية عام 2009 عقب العدوان على غزة ( وان مينت) ، الذي كان ظاهره الرحمة ومن قبله العذاب، لأن الحقيقة أن إسرائيل وجدت أكبر متنفس ودعم لها من تركيا خلال حكم حزب العدالة والتنمية رغم الجمود الظاهري للعلاقات منذ حادث سفينة” مافي مرمرة” (مرمرة الزرقاء) في نهاية مايو 2010 حيث تعطلت الدبلوماسية ونشطت العلاقات التجارية.
وكان ما تكشف بعد ذلك من حقائق كفيل بأن يصيب المتابعين لاستغلال أردوغان لمأساة غزة في كل مناسبة بحالة من الذهول، فبينما كان يستخدم معاناة الفلسطينيين في حشد الأصوات لحزبه ويرفع من حدة انتقاداته وهجومه على إسرائيل كانت سفن نجله ” براق” تنقل البضائع لإسرائيل، ورصدت الإحصاءات الرسمية في تركيا أعلى معدلات للتبادل التجاري مع إسرائيل في فترة جمود العلاقات منذ حادث مرمرة الزرقاء وحتى الآن.
وبينما كان أردوغان يصرخ في وجه العالم ويتهمه بالظلم ويهاجم الدول العربية ويتهمها ببيع غزة لإسرائيل كان يزود الطائرات الإسرائيلية التي تقصف أطفال غزة في يوليو وأغسطس الماضيين بالوقود من خلال نفط شمال العراق الذي تتولى تركيا تصديره عبر أراضيها، إذ كشفت بيانات هيئة تنظيم سوق الطاقة في تركيا ، وهي هيئة حكومية عن أن 52 بالمئة من نفط شمال العراق ولاسيما وقود الطائرات يتجه إلى إسرائيل.
نعود إلى الفترة ما بين عامي 2002 و 2010، التي ظهرت فيها تركيا تحت حكم العدالة والتنمية كنجم ساطع في الشرق الأوسط، والتي حدث فيها تدافع عربي – خليجي على وجه الخصوص- لضخ استثمارات ضخمة أنعشت الاقتصاد التركي ومثلت الجانب الأكبر من الاستثمارات الأجنبية في تركيا. وفتحت الأسواق العربية والحدود والبوابات العربية للتجارة والبضائع التركية. ووقعت اتفاقيات التجارة الحرة وأقيمت المناطق الصناعية التركية في مصر وغيرها من دول المنطقة. استفادت تركيا الكثير واستفادت الدول العربية أيضا وحتى قنوات التليفزيون العربية استقبلت بترحاب الكثير من المسلسلات التركية. ونجح حزب العدالة والتنمية في هذا المناخ في أن يواصل طريقه ويحرز التقدم في الداخل على أساس من النجاح الاقتصادي الذي استند في جانب كبير منه على الاحتفاء العربي بأردوغان وحزبه وهي مرحلة التزم فيها الحزب خطاب التقارب مع المحيط العربي والظهير الشرق أوسطي في مواجهة ما تشعر به تركيا من عدم رغبة أوروبا في احتضانها.
حتى الآن كانت الدول العربية فرحة بوجود تركيا، الدولة الإسلامية التي تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي، ويقودها حزب إسلامي عصري وسطي، بينها رغم ماكان يقال في ذلك الوقت عن أجندته الخفية ودخوله بقوة في مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي جلب الدمار فيما بعد للمنطقة.
وكانت البداية مع الربيع العربي في 2011، حيث ظهر مشروع حزب العدالة والتنمية، أو بمعنى أدق وأكثر وضوحا مشروع أردوغان الشخصي للهيمنة على دول المنطقة، وفرض زعامته عليها وتحويلها إلى مجرد توابع في سلطنته العثمانية الجديدة التي ليس فيها من رائحة الماضي إلا استغلال شعارات الدين والأخوة والمصير المشترك.
رأى أردوغان في الأحداث العاصفة التي هبت رياحها على منطقة الشرق الأوسط فرصة مواتية ليتخلص من كل منافسيه دفعة واحدة في، سواء كان هؤلاء المنافسون في الجانب السني ويمثله مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، أو في الجانب الشيعي ويمثله إيران وسوريا والعراق، وفي هذه الفترة بدأت القراءة الخاطئة من جانب أردوغان وفريق السياسة الخارجية التركية، وكان على رأسه وزير الخارجية في ذلك الوقت أحمد داود أوغلو الذي كان قد رفع شعار ” صفر المشاكل مع دول الجوار” وبدأ بتوطيد العلاقات مع سوريا وإيران والعراق ولبنان ومصر ودول الخليج وباقي الدول العربية، من خلال التسلل الناعم والارتباط بالمصالح الاقتصادية، إلى أن جاءت اللحظة التي انكشفت فيها سياسة العدالة والتنمية وأحلام أردوغان، التي سنراها تتحول فيما بعد إلى كابوس.
وتبلورت القراءة الخاطئة من جانب أردوغان وداودأوغلو للوضع في المنطقة مع اندلاع الأزمة السورية، فقد فشل فريق العدالة والتنمية تماما في قراءة الوضع في سوريا واعتبر أردوغان أن نظام بشار الأسد أمامه على الأكثر شهرين وبعدها سيدخل دخول الفاتحين ليصلي في الجامع الأموي في دمشق بعد أن يجري تمكين الإسلام السياسي من الحكم هناك.
كانت هذه الفكرة وتمكين أحزاب الإسلام السياسي أو مايسمى بالإسلام المعتدل، على غرار حزب العدالة والتنمية في تركيا، محورا أساسيا من محاور مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ترعاه الولايات المتحدة ويشارك فيه أردوغان بقوة، على وعد بتمكينه هو أيضا من زعامة المنطقة، قفزا فوق كل القوى التقليدية مثل مصر والسعودية.
وكما كانت قراءة أردوغان للأزمة السورية منذ بدايتها قراءة خاطئة مع استخفافه بقوة نظام الأسد هناك، قرأ أيضا بشكل خاطئ خريطة القوى التي تتصارع داخل سوريا، وأخذ يتخبط في قراراته بشأن هذه القضية إذ يريد أن يسقط نظام بشار الأسد وفي الوقت نفسه يقيم العلاقات القوية مع أبرز داعميه (إيران – روسيا- الصين) . وحتى لايفلت الأمر من يده بدأ بدعم المعارضة السياسية والمسلحة لتبدأ مشاكله في المنطقة، وليظهر أيضا مدى العجز في قراءة الصورة كاملة، ومدى المبالغة في تقدير القوة على الفعل ولعب دور الزعامة وسط خريطة معقدة حافلة بالتدخلات من كل جانب، ليتكرر الموقف في ليبيا ما بين التذبذب في رفض التدخل الأجنبي ثم المشاركة في عملية حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضد معمر القذافي يضاف إلى ذلك الأداء الهزيل وانعدام الخبرة الذي أظهرتها الأحزاب الإسلامية التي صعدت في المنطقة كنتيجة لثورات الربيع العربي، وفشلت تجربة الإسلام السياسي في مصر وتونس وهو ما اعتبر ضربة قاصمة وموجعة لأردوغان ومشروعه في المنطقة.
ولو أن السياسة التركية تملك أدوات قراءة جيدة لما يجري في المنطقة أو أنها تفهم طبيعتها لما كان أردوغان واصل سياسة الاستعلاء وجنون العظمة والتدخل السافر في شؤون دولة كبيرة كمصر، والتضحية بعلاقات تركيا بمركز ثقل اقتصادي ضخم كدول الخليج، ليجد نفسه وبدلا عن أن يكون زعيما مرحبا به وذا شعبية كبيرة في المنطقة يتحول إلى مصدر مخاوف وتهديدات بسبب أيدلوجيته وأطماعه في الهيمنة على المنطقة عبر استخدام الاسلام السياسي مع التلويح لدول الخليج بورقة إيران.
بالتوازي مع هذا التخبط في السياسة الخارجية كانت الأوضاع الداخلية في تركيا تتجه للأسوأ بعد انتخابات البرلمان في يونيو/ حزيران عام 2011 ، وبدا حزب العدالة والتنمية الذي كان يقدم نفسه على أنه حزب مركزي يحتضن جميع أطياف الشعب التركي، حزبا إقصائيا استقطابيا معاديا للديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، وبدا زعيمه أردوغان رافضا لأي انتقادات أو حتى للاستماع إلى الأصوات العاقلة التي لطالما ساندته من قبل طوال مشوار الحزب منذ عام 2002 وحتى 2011، وفي مقدمة هذه الأصوات المفكر الإسلامي التركي فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة وحركة الخدمة التي تستلهم فكره، والتي تراجعت عن الاستمرار في دعم العدالة والتنمية بعدما لاحظت نكوصه عن مبادئ الديمقراطية والحرية والعدل التي بشر بها في بداياته، وانقلابه عليها، وهذا موضوع سنعود إليه لاحقا بتفصيل أكثر بإذن الله.
ما أريد أن أقوله هنا هو أن النجاح الأولى لخطوة تمكين الإسلام السياسي في تونس ومصر دفع أردوغان إلى استشعار أن مشروعه بدأ يؤتي ثماره وأنه نجح في أن يثبت لأمريكا أن ما تم الاتفاق عليه يسير في الإطار المأمول، ومن هنا كانت غضبته الشديدة على إزاحة الجيش المصري للرئيس السابق محمد مرسي.
وكشفت تطورات الأحداث عن أن أردوغان كان يخطط بالفعل لمشروع الهيمنة، وظهر تدخله السافر في الشؤون الداخلية لمصر على أساس أيدلوجي وهجومه على الرئيس عبد الفتاح السيسي ووصفه بأوصاف لاتليق في الأعراف الدبلوماسية وإطلاق الإعلام الموالي له، والمعروف في تركيا بإعلام الحوض المالي الفاسد، للهجوم على السيسي ووصفه بالانقلابي والقاتل والهجوم على دول الخليج بسبب دعمها للانتفاضة الشعبية ضد حكم الرئيس السابق محمد مرسي في 30 يونيو 2013 والتي استدعت تدخل الجيش.
وأسفرت حالة التشنج التي بات عليها أردوغان مع جنون العظمة الذي انتابه في التعامل مع دول كبيرة بجحم مصر والسعودية والإمارات، إلى الجمود في العلاقات مع دول الخليج إلى الحد الذي لم يصبح فيه هناك من دول الخليج من له علاقات بتركيا سوى قطر، التي اتهمت من جانب دول الخليج بدعم الإرهاب في المنطقة، ترافق ذلك مع اتهامات عربية وغربية لتركيا بالانخراط في دعم الإرهاب، في مقابل استمرار أردوغان في سياسة الاستعلاء التي قادت إلى عزلة تامة لتركيا وسقوط نظرية ” صفر المشاكل مع دول الجوار” وتحولها إلى صفر علاقات مع دول الجوار”.
وبعد أن نجح حزب العدالة والتنمية من قبل في إزالة جدار العزلة والانقطاع مع الدول العربية ولاسيما الخليجية، عاد وأقام بيد أردوغان جدارا أعلى وأصعب يحاول أن يصوره على أنه عزلة قيمة حتى يخدع الشعب التركي بمثل هذه الشعارات، لكنها في الحقيقة عزلة تعكس حالة من العجز والإفلاس وأوهام القوة الزائفة.
والسؤال الآن .. إذا كانت هذه عزلة قيمة، فلماذا يتراجع عنها أردوغان وفريقه الآن ويتحدثون عن ضرورة عودة العلاقات مع مصر ودول الخليج إلى طبيعتها، وقبول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي لطالما نعته أردوغان بقائد الانقلاب العسكري ومغتصب السلطة ورفض الجلوس معه إلى مائدة طعام واحدة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي في نيويورك، ويومها أغضب العالم كله بمحاولته إظهار أنه زعيم العالم وأن على الجميع أن يستمع إليه ويتخذ نفس موقفه من السيسي، الذي تحلى بصبر كبير تجاه مواقف أردوغان وهجومه المتكرر عليه، لكنه في الوقت نفسه عمل على إزعاجه وتوجيه الضربات إليه في صمت، بالتعاون مع دول الخليج وتطويقه في منطقة شرق البحر المتوسط .
وكان من نتائج ذلك أن خسرت تركيا فرصتها في الحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي للعام 2015 – 2016 وحصولها على 60 صوتا فقط مقابل 151 صوتا حصلت عليها في عام 2008 – 2009 ، كما قررت مصر وقف خط النقل البحري مع تركيا ” الرورو” وأنشأت حزاما حول تركيا في شرق البحر المتوسط بالتعاون مع اليونان وقبرص، ثم نجحت جهود السعودية في إعادة قطر، الحليف الوحيد لتركيا في الخليج، إلى الصف العربي والبدء في مصالحة مع مصر.
فهل كان الموقف القطرى وتوصية أمير قطر لأردوغان، الذي فقد كل اعتبار له في المنطقة ليس على مستوى الحكام فقط ولكن على مستوى الشعوب أيضا، التي بدأت تنظر إليه على أنه محتل جديد كان يسعى للهيمنة عليها وأنه متآمر على المنطقة، بضرورة التعامل مع السيسي لأن العالم كله يتعامل معه، سببا كافيا لتغيير الموقف التركي من النقيض إلى النقيض وبدء الحديث عن ضرورة عودة العلاقات مع مصر ودول الخليج إلى سابق عهدها لأن تركيا تحتاج إلى هذه الدول كما أن هذه الدول تحتاج إليها؟
لايمكن القول بأن التحول في موقف قطر يمكن أن يكون سببا للتحول الذي يبدو مفاجئا في الموقف التركي، إنما هناك العديد من العوامل التي دفعت بأردوغان إلى التنازل عن استعلائه والاختفاء من المشهد والتزام الصمت، ولو مؤقتا، وترك التصريحات في هذا الشأن لنائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، ثم رئيس الوزراء أحمد داودأوغلو، للتخفيف من حدة التصريحات والمواقف ومحاولة اقناع هذه الدول بالتغاضي عن أخطاء أردوغان في حقها.
لعل من أبرز هذه العوامل أن هناك تحولا جذريا، ربما لا يكون معلنا ، في الموقف الأمريكي تجاه مصر والرئيس عبد الفتاح السيسي الذي اتجه لتعزيز علاقات مصر مع روسيا والصين، وانقساما داخل حزب العدالة والتنمية والحكومة بشأن الاستمرار في هذا النهج وخسارة دول مهمة ومؤثرة كمصر ودول الخليج، لاسيما وأن مصر بدأت تحقق التوازن وتستعيد ديناميكيتها في العديد من الملفات لاسيما ملف الصراع العربي الإسرائيلي، الذي اتضح فيه عجز الحليفين تركيا وقطر خلال العدوان الأخير على غزة في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين فضلا عن ملف مكافحة الإرهاب ومحاولة التوصل إلى حلول في ليبيا.
ثم تأتي ضغوط المعارضة التركية على أردوغان وحكومة العدالة والتنمية مستغلة الإخفاقات المتكررة في السياسة الخارجية وتراجع اعتبار تركيا على مستوى العالم والمنطقة كعامل مهم في هذا الصدد.
عموما، إذا كان القرار قد اتخذ وأعطى أردوغان الضوء الأخضر لإصلاح العلاقات مع مصر ودول الخليج، فبأي وجه سيعود أردوغان إلى هذه الدول، وبأي وجه سيصافح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي ظل حتى الأمس القريب يصفه بالانقلابي ومغتصب السلطة، وبأي وجه سيذهب إلى قادة دول الخليج العربي طالبا منهم تجديد دعمهم الاقتصادي والاستثماري، حتى يستطيع انقاذ حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية المقبلة في يونيو/ حزيران 2015 بعدما استنفد الحزب كل طاقاته الابداعية في تحقيق نجاحات اقتصادية جديدة وانغمس في فضيحة الفساد المدوية التي كشفت عنها التحقيقات في 17 و25 ديسمبر الماضي وطالت أردوغان ونجله بلال وعدد من وزرائه ورجال الأعمال والبنوك المقربين منه؟.
وإذا استغل أردوغان قدراته على أن يقلب الأسود إلى أبيض لدى أنصاره في الشارع التركي الذين يسيرون خلفه معصوبي الأعين، فهل سيستطيع أن يمحو من أذهان قادة المنطقة ما نالهم من افتراءات وهجمات سواء منه أو من الإعلام الموالي له؟ وإذا غَلَبَ هؤلاء الحكام منطق الدبلوماسية ومصالح الدول، فهل ستنجح الجهود في إعادة الاستثمارات والأموال العربية إلى تركيا الموصومة سلطتها بالفساد والتي تعيش حالة غير مسبوقة من الاستقطاب والاعتداء على الديمقراطية والحريات بسبب رغبة أردوغان في أن يكون رجل هذه البلاد الأوحد ، الذي لايسمع فيها صوت غير صوته، للمغامرة بأموالهم والدخول لدعم العدالة والتنمية حتى يواصل الحكم لفترة قادمة؟.
مسبقا، وبعدما ظهر الوجه الحقيقي لأردوغان وحزب العدالة والتنمية ومخططاته المثيرة لمخاوف دول المنطقة.. يمكن القول إن الأمور ليست بالبساطة أو السهولة التي يتوقعها البعض.. هذا على فرض أن أردوغان” السلطان الذي يعيش في أوهام القوة الزائفة” سيقبل كل ما سيفاجأ به من شروط من هذه الدول حتى تعيد علاقاتها السابقة مع تركيا إلى طبيعتها، لاسيما وأنها لم تظهر أي مؤشر أو تصريح يدل على الترحيب بالتصريحات الناعمة الصادرة من أنقرة حول ضرورة إصلاح العلاقات.