بقلم: شاهين ألباي
أمضيت عطلة نهاية الأسبوع الماضي في مدينة ديار بكر، تلبية لدعوة كل من منبر” غصن الزيتون” للسلام الذي يرأسه المحامي “محمد أكار” رئيس مجموعة حزب العدالة والتنمية في مجلس بلدية ديار بكر الكبرى، وجامعة صلاح الدين الأيوبي، التي قادت حركة “الخدمة”، التي تستلهم فكر الداعية الإسلامي فتح الله جولن، عملية تأسيسها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا نظرنا إلى المسألة من ديار بكر، نجد أن الأكراد على حق تمامًا، فلماذا يمنحون أصواتهم لمرشح الأحزاب الكمالية بعد أن ذاقوا الويل على أيدي من وصل منها إلى الحكم لعشرات السنين عبر إنكار هويتهم ولغتهم وثقافتهم، وأُجبروا على الاندماج في المجتمع التركي؟ ومن المستحيل عدم فهم وجهة نظر هؤلاء.[/box][/one_third]وتبادلتُ أطراف الحديث مع البروفيسور سيف الدين جورسال لفترة طويلة مع عدد كبير من ممثلي منظمات المجتمع المدني، من أصحاب الاتجاهات المختلفة في قاعة غرفة التجارة والصناعة في ديار بكر، كما أتيحت لي فرصة لقاء بعض ممثلي السياسة والمجتمع المدني البارزين بالمنطقة ذات الأغلبية الكردية.
وكان أحد الأسئلة التي بحثت عن إجابة لها خلال لقاءاتي في ديار بكر، يدور حول ما إذا كان أكراد تركيا سيمنحون أصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها الشهر المقبل لرئيس الوزراء الحالي “رجب طيب أردوغان” الذي انزلق توجّهه بمرور الوقت نحو الاستبداد والسلطوية، والذي قسّم المجتمع بسبب خطابه الاستقطابي، أو بالأحرى لماذا سيعطونه أصواتهم؟
وأظهرت لقاءاتنا في ديار بكر، بوضوح، أنه في الوقت الذي نرى فيه بعض الأكراد يقول: “لست تركيًّا لكنني مواطن بالجمهورية التركية”، نرى البعض الآخر يقول “ليست القضية الكردية بل هي قضية كردستان”، وبينما يصف بعضهم حزب العمال الكردستاني بأنه هو “الضمان الرئيس” لحرية الأكراد، يراه البعض الآخر أنه “العائق الرئيس” الذي يقف أمام تحقيق السلام، وهو ما يظهر جليًّا أن هناك اختلافاتٍ شاسعةً بين وجهات نظر الأكراد في تركيا.
أضف إلى ذلك أن بإمكاننا تقسيم الناخبين الأكراد إلى فئتين: فئة المحافظين المصوتين لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وفئة القوميين المصوتين لحزبي السلام والديمقراطية والشعوب الديمقراطي.
وبحسب الانطباع الذي خلّفته ديار بكر في ذهني، فإن المحافظين الأكراد لن يمنحوا أصواتهم في الانتخابات الرئاسية إلى أي مرشح غير مرشح حزب العدالة والتنمية؛ إذ أن الكردي المحافظ يشعر بالرضا من انتهاء عصر إنكار الهوية الكردية وأجواء السلام السائدة منذ نحو عام والانتعاش الاقتصادي في المنطقة (وإن لم يكن كما كان مرجوًا)، الذي تحقق تحت حكم الحزب.
وترى هذه الفئة أن الاستبداد والفساد الذين مثلهما أردوغان في الآونة الأخيرة مشاكلُ فرعية أو ثانوية، ويمكننا القول بأن المحافظين الأكراد سيمنحون أصواتهم في الانتخابات الرئاسية إلى أردوغان دون تردد.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يبدو أن أردوغان سيصل إلى منصب رئيس الجمهورية، وإن لم يكن ذلك مفاجأة كبيرة لدى معظمنا، ومن المتوقع أن ينجح في الانتخابات بفارق صغير في الجولة الأولى، بدلًا عن أن يفوز في الجولة الثانية بفارق كبير من الأصوات، ذلك أنه إذا فاز بفارق كبير من الأصوات ربما لا يتورّع عن تنفيذ كل ما يخطر بباله بغض النظر عن صلاحياته المحدودة المنصوص عليها في الدستور.[/box][/one_third]لقد أعلن حزب الشعوب الديمقراطي أمس، الإثنين، ترشيحه لـ”صلاح الدين دميرطاش” في الانتخابات الرئاسية، تلك الشخصية المحبوبة بين أنصار الحزب، وإن لم تكن محببة لدى إدارته، وبالرغم من أن الرئيس المشارك لتنظيم اتحاد الجماعات الكردية جميل باييك أدلى بتصريح في جبال قنديل قال فيه إن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستجري بين مرشحي حزبي العدالة والتنمية والشعوب الديمقراطي، فإن القناعة السائدة في المنطقة تشير إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي سيترك المجال أمام ناخبيه لاختيار من يريدون بحريّة إذا أجريت جولة الإعادة في الانتخابات.
ويبدو أن حزب الشعوب الديمقراطي سيساهم في فوز أردوغان الذي يقدّمه على المرشح الآخر أكمل الدين إحسان اوغلو، المرشح المشترك لحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، وإن كان الحزب غير راضٍ عن الطريق الذي يسلكه رئيس الوزراء ولا يثق به أبدًا، كما عبّر عن ذلك دميرطاش في العديد من المناسبات.
وإذا نظرنا إلى المسألة من ديار بكر، نجد أن الأكراد على حق تمامًا، فلماذا يمنحون أصواتهم لمرشح الأحزاب الكمالية بعد أن ذاقوا الويل على أيدي من وصل منها إلى الحكم لعشرات السنين عبر إنكار هويتهم ولغتهم وثقافتهم، وأُجبروا على الاندماج في المجتمع التركي؟ ومن المستحيل عدم فهم وجهة نظر هؤلاء.
أما الجانب المؤلم في هذا الأمر، فهو أن الدولة التركية ظلمت إخواننا الأكراد وسامتهم سوء العذاب لعقود من الزمان حتى دفعهم ذلك الكره للتفكير في انتخاب شخصية سياسية يمكنها أن تجرّ البلاد إلى كوارث مثل أردوغان، يا له من أمر مؤلم حقًا!!!
نعم، يبدو أن أردوغان سيصل إلى منصب رئيس الجمهورية، وإن لم يكن ذلك مفاجأة كبيرة لدى معظمنا، ومن المتوقع أن ينجح في الانتخابات بفارق صغير في الجولة الأولى، بدلًا عن أن يفوز في الجولة الثانية بفارق كبير من الأصوات، ذلك أنه إذا فاز بفارق كبير من الأصوات ربما لا يتورّع عن تنفيذ كل ما يخطر بباله بغض النظر عن صلاحياته المحدودة المنصوص عليها في الدستور (كما حذّر أحد أصدقائي العقلاء جدًا)، ويظنّ نفسه سلطانًا على هذه الأمة… فلننتظر حتى نرى ماذا سيحدث، وعندي الكثير لأتحدّث إليكم عن ديار بكر.