عثمان أوزصوي
إن الانطباع العام الذي ارتسم في أذهان الرأي العام بعد ظهور الوثائق والمعلومات والتسجيلات التي ظهرت خلال السنة الأخيرة حول الفساد هو: أن ادعاءات عمليات الرشوة والفساد المشهودة في 17-25 ديسمبر/كانون الأول لا تشكل بأغلب الاحتمال 1 % من الحقيقة.
ونحن نرى أن ذلك هو السبب الرئيس للمخاوف من عمليات 17 ديسمبر/كانون الأول. فلو كان الأمر متعلقا بعمليات 17-25 ديسمبر/كانون الأول فقط لبدأوا بعملية قضائية كي يمنحوا للأشخاص المعنيين فرصة للتبرئة أمام الرأي العام ولدعمت السلطة السياسية هذه الخطوة أيضاً. لكن ذلك لم يحدث فالسلطة السياسية على العكس من ذلك بذلت قصارى جهدها لإغلاق ملف 17-25 ديسمبر/كانون الأول على الرغم من قتل الديمقراطية والقانون في البلاد.
وهذا هو الخوف الرئيس للذي قال “إنهم يريدون النيل مني من خلال عمليات 17-25 ديسمبر”. فإذا كانت ادعاءات 17-25 ديسمبر تشكل جرما يعاقب عليه القانون كان لابد من عدمِ الاهتمام بمن هم المتهمون بها ولو بمثقال ذرة واللجوءِ إلى القضاء لتبرئة الذمة، في البلدان التي تعمل فيها الديمقراطية بشكل طبيعي. مايعني أنه لو لم يكن المعنيون بالادعاءات شركاء في الجريمة لما كان هناك سبب للذعر والخوف.
وفي مساء أول من أمس 25 ديسمبر 2014 شارك رئيس تحرير صحيفة زمان أكرم دومانلي في برنامج تلفزيوني على قناة” بوجون” حيث أفاد بأن اثنين من رجال الأعمال اللذين يزورانه بين الحين والآخر قالا له إنه لم يعد بالإمكان تسيير الأمور بغير رشوة في الدوائر الحكومية ولاسيما في البلديات وذكرا له بعض الأمثلة والأسى يعتصر قلوبهم.
ففي تاريخ هذه البلاد لم تحدث في عهد من العهود عملياتُ رشوة وفساد باسم الدين كما يجري الآن. إن طرح مشروع كبناء جامع ضخم لجذب انتباه الرأي العام إليه ومن ثم طلب تبرعات “قسرية” من رجال الأعمال مقابل الوعد بتسهيل أمورهم التجارية.. فما علاقة ذلك بالفكرة أو النظرة الإسلامية؟! كيف يمكن لهذه الرؤية أن تكون إسلامية؟ كيف يمكن للإسلام أن يسوغ ذلك ويجيز حرمان البعض من أعمالهم إذا كانوا لا يرغبون بالتبرعات الإجبارية لأماكن معينة؟
وكلما كبرت المشاريع كبرت معها التبرعات الإجبارية التي تبلغ أكثر من تكلفة بناء الجامع بمئة مرة..
فأين تذهب هذه الأموال؟
وكم هو مجموعها؟
وكم منها مسجَّل؟ وكم منها غير مسجَّل؟
لا أريد أن أظلم أحدًا لكن لدي تحفظات تجاه مدارس الأئمة والخطباء التي انتشرت في تركيا بسرعة كبيرة في الآونة الأخيرة، وأخاف من أنها تستخدم كأداة لجمع التبرعات الإجبارية باسم الإسلام وليس لخدمة الإسلام.
وكلما انتشرت الرشوة في كل المحافظات تظهر الحاجة إلى إنشاء مراكز من هذا القبيل لجمع التبرعات الإجبارية. ويعرف الجميع أن بعض ممثلي عقلية 17 ديسمبر/كانون الأول تذرّعوا في الأموال المخبأة في علب الأحذية بأنها أموال من التبرعات التي جمعناها لبناء مدرسة للأئمة والخطباء.
وأزعم أن تشريد الموظفين الشرفاء من مختلف الأفكار والرؤى الذين لم تكن لهم أية علاقة مباشرة بعمليات 17 ديسمبر من مكان لآخر نابع من مخاوفهم التي أشرنا إليها. وإن احتمال كشف هؤلاء الموظفين عما شابه ذلك من المخططات والممارسات الملتوية في كل المحافظات يؤدي إلى انتشار مخاوف مرتكبي الجرائم في جميع أنحاء البلاد.
وفي المحصلة نقول وا أسفاه!
ونتيجة لكل ذلك تغيرت وساءت النظرة العامة للناس تجاه المتدينين بعد أن كانوا يقولون إن المتدينين ولاسيما الذين درسوا في مدارس الأئمة والخطباء من المستحيل أن يسرقوا.
وما توصلنا إليه يرسم في أذهاننا هذه الصورة: أصبح العالم كله من الصين إلى كندا يعرفوننا أفضل من معرفتنا بأنفسنا. وكما أن هناك من يستهزئون بحالنا، كذلك هناك من يحزنون من أعماق قلبوهم على وصول هذا البلد الجميل بسرعة هائلة إلى هذه الحالة.
فصورة هذا البلد في العالم هي: كشاحنة تجر خلفها المقطورات وتسير بسرعة قصوى في الاتجاه الخاطئ فإما أن ترتطم بجدار أو تخرج عن الطريق وفوق ذلك فإن رحلة القاطرة التي تعمل بالفحم في هذا العصر تتجه نحو المجهول.
وهنا يتبين أحد الأسباب الرئيسة لمعاداة حركة الخدمة؛ حيث يسعون لتلطيخها حتى تكون شريكة في هذا النظام الفاسد وتكون أحد عناصر هذه المرحلة المنحرفة. ولما عجزوا عن ذلك عمدوا إلى الطلب منهم التغاضي عما يجري لكنهم فشلوا في ذلك أيضاً. وقد ظلوا شامخين في الوقت الذي أذعن فيه الجميع للقوة. وظل المفسدون يفتشون عن جرم واحد منذ عام كامل لكنهم لم يجدوا. فاضطروا للبحث عن مخرج باللجوء إلى سيناريوهات خيالية. وهذه المرة أصبحوا مدانين في ضمائر الناس بسبب جرائمهم المتعمدة.
فهل ستستمر هذه المرحلة الملتوية المنحرفة؟ بالطبع لا…
وسترون ذلك قريبا..
وستقولون حينها “إنه قال ذلك”…