أنقرة (زمان التركية): فيما يتواصل مسلسل التوتر وتبادل التهديدات والتصريحات المضادة بين اليونان وتركيا، تتوالى المناشدات الدولية للطرفين بالركون الى التهدئة وتحكيم القانون الدولي لحل خلافاتهما في شرق البحر المتوسط، على مقربة من الحدود بينهما حيث تم العثور على احتياطيات كبرى من الغاز الطبيعي تسيل لعاب المسؤولين في العاصمتين.
وغدا التوتر يتصاعد بين البلدين، العضوين في حلف الناتو، بعد قرار تركيا إرسال سفينة مسح إلى المنطقة للتنقيب عن مصادر الطاقة. فثارت ثائرة اليونان التي تعهدت بالدفاع عن سيادتها وطالب وزير خارجيتها أنقرة بوقف ما وصفها بالاستفزازات، وانتهاك القانون الدولي على حد قوله. وأعرب في الوقت ذاته عن استعداد بلاده للحوار مع تركيا لنزع فتيل التوتر بخصوص موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ورد وزير الدفاع التركي خلوصي أقار بتصريحات أكد فيها أن بلاده أصبحت اليوم “فاعلا حقيقيا في الساحة الدولية وأن على الجميع أن يدرك ذلك.
وأكد في تصريحات للصحافة في أنقرة أن “تركيا لا تحمل أطماعا في أراضي أو بحار جيرانها، وهي منفتحة على الحوار لحل المشكلات العالقة لكنها لن تسمح لأحد باغتصاب قطرة واحدة من مياهها”.
ودخل على خط المواجهة بين البلدين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وباريس وتل أبيب ولارنكا وبرلين والقاهرة وواشنطن. واكتسى دور كل عاصمة طبيعة موقفها من الخلاف بين البلدين.
ففيما شدد الأمين العام لحلف الناتو على ضرورة حل النزاع عبر “روح التضامن ووفق القانون الدولي” ضمن الحلف دعا الاتحاد الأوروبي، على لسان وزير خارجيته جوزيب بوريل، أنقرة إلى وقف فوري لعمليات التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط.
وفي باريس قررت الحكومة الفرنسية تعزيز وجودها العسكري في منطقة التوتر وأرسلت طائرتين مقاتلتين من طراز رافال، وفرقاطة بحرية إلى شرق البحر المتوسط.
واتخذت قبرص واسرائيل موقفا مؤيدا لليونان بخصوص مناطقها البحرية. في الاتجاه نفسه تبنت مصر والإمارات موقفا مناهضا لأنقرة التي سبق أن أدانت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقع بين مصر واليونان قبل أسابيع.
ورغم دعمها لموقف أثينا، بدت برلين العاصمة الاوروبية الوحيدة التي تحاول التوسط لنزع فتيل التوتر بين البلدين. فقد أجرى وزير خارجيتها هايكو ماس مباحثات مع الجانبين بهدف احتواء التصعيد وحثهما على إجراء محادثات مباشرة، محذرا من خطر المواجهة العسكرية.
وقال “إن الوضع الحالي في شرق المتوسط يشبه اللعب بالنار؛ أي شرارة صغيرة يمكن أن تؤدي إلى كارثة… بدل استفزازات جديدة، نحن نحتاج إلى اتخاذ تدابير انفراج.”
ورغم كل المناشدات استمر البلدان في تصعيد موقفيهما. وأعلنت أنقرة عن إجراء مناورات عسكرية في شرق المتوسط مطلع الشهر المقبل بمشاركة سفن دول حليفة. وحمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليونان مسؤولة أي توتر في المنطقة مضيفا ان بلاده لن تتراجع.
ويأتي هذا التوتر في شرق المتوسط على خلفية تداخل عدد من الأحداث السياسية والتحالفات الاقتصادية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط والدول المطلة على ساحل المتوسط على وجه الخصوص. على رأسها الدعم السياسي والعسكري التركي لحكومة طرابلس المعترف بها دوليا في مواجهة صارخة مع القاهرة وأبو ظبي ووراءهما الرياض والتي تدعم ماليا وعسكريا الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في شرق ليبيا للاستيلاء على الحكم في طرابلس وبسط سيطرته على كامل التراب الليبي بالقوة.
ثم هناك الاتفاق المصري اليوناني بترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط الذي أثار غيظا في أنقرة التي كانت تأمل أن تكون الأولى في التوصل الى اتفاق مع القاهرة بشأن الحدود البحرية بين البلدين.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد رفض هذه الاتفاقية واعتبرها “باطلة ولا قيمة لها ولا يحق لليونان توقيع هذه الاتفاقية”.
لكن التنافس السياسي ليس السبب الوحيد في التوتر القائم في شرق المتوسط. بل هناك صراع اقتصادي على الغاز وحقوق استكشافه.
فهناك مشروعان لمد خط أنابيب في شرق البحر المتوسط الى أوروبا. الأول وافقت عليه الحكومة الإسرائيلية بطول 1900 كيلومتر وأسمته “إيست ميد “EastMed لنقل الغاز إلى أوروبا بحرا عبر قبرص واليونان.
المشكلة التي سيواجهها هذا المشروع هو أن الاتفاق الليبي التركي حول ترسيم الحدود البحرية، يتقاطع مع الطريق المخطط لمرور خط مشروع “إيست ميد”
أما المشروع الثاني فهو خط أنابيب روسي تركي أطلق عليه اسم “ترك ستريم TurkStream ” لنقل الغاز الطبيعي الروسي نحو تركيا ثم أوروبا الغربية وجنوبها. المشروع هذا سبب قلقا في واشنطن وصداعا في تل أبيب.
وتبدو مواقف الإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل وفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي متوافقة في دعم الموقف اليوناني ومناهضة ما تعتبره توسعا تركيا في عهد الرئيس أردوغان الذي يتبنى سياسات لا تروق لها لا في سوريا ولا في ليبيا، ويدخل في تحالفات مع روسيا تشكل تهديدا لمصالحها الاقتصادية.