علي بولاج
أدلى النائب بالبرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية بولنت توران بتصريح خاص بمقالي الذي حمل عنوان “هل حزب العدالة والتنمية مشروع سياسي أجنبي؟”. وكنت قد وعدت نفسي وقرّائي أن أردّ على كل مَن ينتقدني بأدب واحترام ملتزمًا بالآداب الإسلامية. ولقد وجَّه السيد توران إليّ أسئلة بأسلوب مهذب ومحترم، ولهذا سأجيبه وأبيّن له قصدي في النقاط التالية:
1 – لم أكتب أن حزب العدالة والتنمية يعتبر مشروعًا سياسياً أجنبياً، بل طرحت سؤالًا مفاده “هل كان مشروعًا؟”. وكان هذا عنوان المقال. وأما مَن ادعى أن حزب العدالة والتنمية مشروع خارجي فهو الكاتب المعروف بميوله المؤيدة للحكومة عبد الرحمن ديليباك. فالموضوع الذي نوقش على مدار أيام يدور حول كلمات قالها ديليباك في منزل رئيس حزب الوسط (مركز) عبد الرحيم قارصلي. أما أنا فقد أكدت صحة الكلمات التي قالها ديليباك أمام 7 أو 8 أشخاص استمعو إليها باندهاش، ولم أضف إليها أي شيء.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يستند جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير إلى بُعد اجتماعي ثقافي؛ إذ يهدف المشروع إلى التلاعب بنسيج المجتمع المسلم. ويستغلون في ذلك منظمات المجتمع المدني ذات الطابع المتدين، والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة والتعليم وحقوق الإنسان، كوسيلة للوصول إلى مآربهم. ولاشك في أن وتيرة الانحلال التي أصبح عليها المجتمع والأسرة كافية لتبرهن لنا كيف أن هذا المشروع أصابنا بالضعف، وكيف أنه جرّد الدين من محتواه.[/box][/one_third]لقد غضب ديليباك منّي، فقلت له: “لو كنت كتبتُ شيئًا خطأ فأرسل إلي بتصريح لأنشره”. فرد بقوله: “جريدة” زمان” لن تنشر تصريحي”، فقلت له: “لا تقلق سأنشره أنا في إحدى مقالاتي”، فأجابني: “لا داعي لذلك!”. وللأسف، فإن صداقتنا الممتدة لأربعة عقود تتضرر بسبب هذا الأمر. ولقد دخلنا مرحلة أصبحت المصائب تمطر علينا من كل جانب كعقاب إلهي على المسلمين في تركيا.
2 – أنا، بطبيعة الحال، على دراية بالظواهر التي تمنعني من القول بأن “حزب العدالة والتنمية ولد كمشروع”. فالحزب هو ظاهرة اجتماعية. ولقد ألفت كتابًا يتألف من 450 صفحة عن هذا الموضوع، وقلت باختصار: إن حزب العدالة والتنمية هو الجانب الاجتماعي للتوجه الاجتماعي المركزي في السياسة في مقابل المركز البيروقراطي، وهو حزب تركيا، وهو كذلك الآن بنسبة محددة.
3 – لكن القوى العالمية (الولايات المتحدة، بريطانيا، إسرائيل)، التي تحوّل كل توجه اجتماعي وسياسي في مرحلة التأسيس لخدمة مصالحها، أرادت الاستفادة من هذه الظاهرة الاجتماعية، ولهذا تواصلتْ مع شخصيات بعينها. وقد ساق ديليباك ادعاء مثيرًا للاهتمام، حيث قال: “في الوقت الذي كانت لدينا فيه قدرة على التفاوض معهم، أسس “البعض” علاقات معهم وفق حساباتهم متوسطة وطويلة المدى”. كما أن المراجع التي نقلتها عن المرحومين نجم الدين أربكان ومحسن يازيجي أوغلو، تعزّز صحة هذا الادعاء.
4 – ما أعترض عليه من البداية هو الدور الذي تضطلع به تركيا في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأكتب ذلك منذ 10 سنوات. (راجع: علي بولاج، من الشرق الأوسط إلى الاتحاد الإسلامي، المجلد الثاني، دار انقلاب للنشر، إسطنبول 2014) فمشروع الشرق الأوسط الكبير يهدف إلى تغيير خريطة المنطقة، هذا فضلًا عن تغيير الأنظمة الحاكمة بالمنطقة. وينص المشروع على التالي:
أ – لن تكون هناك أية دولة قوية ومؤثرة في المنطقة بخلاف إسرائيل. وأسأل: هل بقيت دولة أقوى من إسرائيل في المنطقة حاليًا؟
ب – سينفى جميع الفلسطينيين إلى العراق الأوسط والأردن. أليس تقسيم العراق وسوريا إلى ثلاثة أجزاء دليل على ذلك؟ فمَن أصرّ على صدور تصريح من البرلمان التركي يسمح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية للغزو العراق عام 2003؟ ومَن أوصل سوريا إلى ما هي عليه الآن؟
ج – لقد لعب مسعود بارزاني وعبد الله أوجلان أدوارًا محددة، لكن هناك هدف لتأسيس كردستان لايسيطران عليها. فهل مايراد هو تقوية “الإدارات المحلية” في “مفاوضات السلام” من خلال دولة كردية فيدرالية في شمال العراق و3 مقاطعات محمية من جانب القوات الجوية الأمريكية والدعم اللوجيستي التركي في سوريا؟ أم يريدون طريقًا يؤدي إلى تأسيس دولة فيدرالية في جنوب شرق تركيا؟ أليس الكلام الدائر حول “الحكم الذاتي”، الذي لانستطيع أن نعرف ماهيته إلى الآن، موجَّه لخدمة هذا المشروع؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن تحوّل هذا الصراع إلى أداة للتستر على بعض الأمور وإفساد ذات بيننا لايضر تركيا فقط، بل يضر كذلك العالم الإسلامي بأسره. ولا يمكن مواصلة هذا الصراع، وإلا فسيقودنا إلى كارثة محققة.. “والصلح خير”.[/box][/one_third]د – يستند جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير إلى بُعد اجتماعي ثقافي؛ إذ يهدف المشروع إلى التلاعب بنسيج المجتمع المسلم. ويستغلون في ذلك منظمات المجتمع المدني ذات الطابع المتدين، والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة والتعليم وحقوق الإنسان، كوسيلة للوصول إلى مآربهم. ولاشك في أن وتيرة الانحلال التي أصبح عليها المجتمع والأسرة كافية لتبرهن لنا كيف أن هذا المشروع أصابنا بالضعف، وكيف أنه جرّد الدين من محتواه.
5 – اعترضتُ على ترشح ابني على قائمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات عام 2011. أبلغته أننا كعائلة ليس لنا دخل بالسياسة، وأنه إذا انتُخب فإنني سأواصل انتقاد الحكومة في المسائل التي أراها ضرورية، وأنني لن أقدم له أدنى قدر من الدعم المادي أو المعنوي خلال حملته الانتخابية، ثم سافرت لأداء العمرة. ولم يستطع ابني أن يتواصل معي في اليوم الذي اتخذ فيه قراره. إنه من اتخذ قرار الترشّح في صفوف حزب العدالة والتنمية دون رضاي ورغبتي، فهو إنسان عاقل رشيد يعرف ماذا يفعل. مع أن وضع ابني في الصف الرابع والعشرين من قائمة المرشحين دون أن يبذل أدنى جهد كان حركة لطيفة من السيد أردوغان.
6 – لست أنا من انحرف عن الطريق الصحيح، وأعلم أن جماعة الخدمة هي ظاهرة اجتماعية أيضاً. ولم يستطع أحد أن يثبت الاتهامات الموجهة إليها حتى اليوم. ولا شك في أنني أشعر باضطراب شديد بسبب الصراع الدائر بينها وبين الحكومة، وأحاول الإصلاح بين الطرفين منذ اليوم الأول للأزمة.
إن تحوّل هذا الصراع إلى أداة للتستر على بعض الأمور وإفساد ذات بيننا لايضر تركيا فقط، بل يضر كذلك العالم الإسلامي بأسره. ولا يمكن مواصلة هذا الصراع، وإلا فسيقودنا إلى كارثة محققة.. “والصلح خير”.