سيف الدين جورسل
نشر فرع البنك الدولي في تركيا يوم الثلاثاء الماضي مذكرة تقييم حول الاقتصاد التركي. جاء فيه أن معدل النمو في سنة 2014 انخفض من 3.5% إلى 3.1%، ومن المتوقع أن يكون معدل النمو 3.5% في عام 2015. كما يتوقع البنك الدولي أن يصل معدل النمو في 2016 و2017 إلى 3.7% و3.9% على التوالي. وقد ربط التقرير هذا النمو البطيء في الناتج المحلي الإجمالي بإجراء إصلاحات بنيوية.
وهذا الأمر يستحق الوقوف عنده، لأن التوقعات أقل بكثير من 5% معدل النمو الذي خططت له الحكومة في برنامجها متوسط المدى في الوثائق الرسمية مثل الخطة العاشرة لخمس سنوات. وباختصار فإن البنك الدولي يؤيد الادعاء الذي يفيد بأن النمو البطيء في تركيا مرهون بالحكومة التركية ولطالما أشرتُ إلى ذلك.
ولاعجب في أن توقعات البنك الدولي بانخفاض معدل النمو للعام الجاري من 3.5% إلى 3.1% بعد رؤية الأداء في الربع الثالث. (النمو السنوي 1.7%). كما أن توقعات مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية بجامعة بهشهير هي 2.8%. في حين أن المؤسسات الأخرى تتوقع أن تكون نسبة النمو في 2015 نحو 3%. أي أقل مما تتوقعه الحكومة بدرجة واحدة. وكنتُ قد توقعتُ أن يكون ذلك 3.5% في يناير /كانون الثاني. فالتوقع الذي كان يعتبر متشائما أصبح يعتبر الآن متفائلا.
انخفاض معدل النمو هذا العام كان بسبب ضعف الاستثمارات. ولكنه على الأقل كان متوازنا. فتزايد الصادرات على حساب الواردات أدى إلى دعم النمو بشكل إيجابي. وهذا التطور قد خفض من عجز الحساب الجاري.
كما يتوقع البنك الدول أن يصل عجز الحساب الجاري في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.6%. وهذا التوقع منطقي. أما نسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2015 فمن المتوقع أن تكون 4.5%. ولا علاقة لهذا الانخفاض بالنمو المتوازن. علما بأن البنك الدولي يتوقع استمرار الحروب في المنطقة وهي لن تكون في مصلحة الاتحاد الأوروبي، فلن تزيد نسبة الصادرات الأوروبية كثيرا. وفي المقابل ستزداد نسبة الوارادات لتلبية الاحتياجات المحلية. وبالتالي سيتأثر معدل نمو الصادرات سلبا.
ولم أفهم بالضبط لماذا سينخفض عجز الحساب الجاري إلى هذا الحد في ظل هذه العوامل؟! فالمذكرة لا تناقش هذا الموضوع. ولكنها تتحدث عن انخفاض أسعار النفط. بيد أنني أشك في بقاء أسعار النفط منخفضة كما أنني لا أتوقع أن ترتفع إلى مئات الدولارات مثلا. فأسعار النفط المنخفضة نسبيا تؤدي إلى انخفاض معين في عجز الحساب الجاري. ولكن لا يكاد يتلافى زيادة العجز الذي سيظهر في ظل العوامل الناجمة عن انتعاش الاحتياجات المحلية. ويتوقع البنك زيادة في العجز بشكل متسق بعد ذلك. ويتوقع أن تصل هذه الزيادة في 2017 إلى 5%.
وكنتُ قد قلت إنه بدءا من عام 2015 سيكون هناك معدل نمو ضعيف وسيرتفع هذا المعدل عام 2017 إلى 3.9% وأن ذلك سيكون مرتبطا بانتعاش المتطلبات المحلية. ويرى البنك الدولي أن هذا الانتعاش مرده إلى القوة الاستهلاكية. وهذا مرتبط بزيادة التضخم (من المتوقع أن يصل في نهاية 2015 إلى 6.7%). وهذا مرتبط بتراجع السياسات المالية والاقتصادية بشكل نسبي ومتوافق حتى موعد الانتخابات العامة في يونيو/ حزيران 2015. وثمة نمو نسبي في أموال الدولة في هذه المجالات. إلا أن البنك الدولي أفاد بأنه على الرغم من انخفاض أسعار النفط سيستمر عدم الإقبال على الاستثمارات بسبب عدم الاستقرار والاضطراب في السوق العالمية.
والنتيجة هي أن البنك الدولي يبني توقعه في النمو البطيء على المدى المتوسط على عاملين اثنين: الاستمرار في الإحجام عن الاستثمارات، والتراجع السلبي للصادرات. وكلا السببين منطقيان برأيي. ولم أضع توقعاتي لسنة 2015 حتى الآن. وسأفعل ذلك في مطلع يناير/كانون الثاني 2015. ولكنني أقول منذ الآن إن توقعاتي لن تختلف كثيرا عن توقعات البنك الدولي.