أرهان باشيورت
مع كل ظهور لتفاصيل جديدة عن الحملة التي شنتها الشرطة التركية على جريدة “زمان” ومجموعة “سامان يولو” الإعلامية يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري نتيقن أكثر بأن الحملة لاتستند إلى أي أساس قانوني.
فالحملة التي استهدفت “الإعلام الحر” تتخذ من محاضرة ألقاها الأستاذ فتح الله كولن، علانية، على تلاميذه في شهر أبريل / نيسان عام 2009 ذريعة لها.
وتنتشر ادعاءات تشير إلى أنه عقب المحاضرة أضيفت جزئية إلى مسلسل تعرضه قناة “سامان يولو” الفضائية. كما طالبت إدارة جريدة”زمان” بعض العاملين بها والكتاب بكتابة خبر حول هذه القضية وبتناولها في بعض المقالات.
وقد زُعم أن الشرطة شنّت حملات وعمليات تعسفية عقب ذلك. أي أن هناك مساعٍ لتعزيز الافتراء الذي يقول إن الأمور تسير وفق سيطرة “كيان موازٍ” خارج عن إطار آليات الدولة…
إذا نظرتم إلى هذه الادعاءات من أية جهة فستتأكدون أنها محض كذب وافتراء.
1 – الادعاء الذي يقول إن وتيرة هذه الأحداث بدأت بمحاضرة للأستاذ كولن هو فرية عارية تمامًا عن الصحة.
يتعقب جهاز المخابرات التركي جماعة “تحشية” منذ عام 2004. وقد أخبر الجهاز مديرية الأمن بشأن التخطيط لعمليات “الاغتيال” نهاية عام 2008.
وكان جهاز المخابرات هو الجهة التي أطلقت على التنظيم الذي يقوده محمد دوغان، الذي يعتبر امتدادًا لتنظيم القاعدة في تركيا لقب “تحشية”…
وأرسلت شعبة الاستخبارات بمديرية الأمن ملف القضية إلى شعبة مكافحة الإرهاب بوثيقة مؤرخة بتاريخ 3/12/2008. وهو ما يعني أن قضية تنظيم القاعدة – تحشية بدأت قبل محاضرة كولن بخمس سنوات…
2 – على عكس ما جاء في الادعاء اتضح أن الحملة ضد تنظيم القاعدة- تحشية جرت في إطار التسلسل الهرمي للدولة ووفقًا للقانون.
كما أن وتيرة الحملة التي بدأت بإخطار من جهاز المخابرات عام 2008 جرت بتعليمات مكتوبة وموقعَة من جانب المدير العام للأمن وقتها أوغوز كاغان كوكسال.
وقد بدأت قوات إنفاذ القانون وتنفيذ التعليمات الصادرة من النيابة وتحمل رقم 2009/1016. كما أصدر القاضي قرارات التفتيش والاعتقال قبيل بدء الحملة. ثم أعد النائب العام لائحة الاتهام وبعدها أصدر القاضي حكمًا بالاعتقال بحق بعض المتهمين.
ورفضت المحكمة الأعلى الاعتراض الذي تقدم به موكلو المعتقلين على قرار المحكمة. ولم تتناول وسائل الإعلام أية تفاصيل تتعلق بهذا الملف. وعليه فلا يمكن تحميل وسائل الإعلام المسؤولية بشأن قرارات المدعي العام والقاضي.
وإذا انتقلنا للحديث عن قيادات من الشرطة المعتقلين يوم 14 ديسمبر / كانون الأول الجاري سنجد أنهم متهمون لأنهم نفذوا التعليمات الصادرة عن المدير العام للأمن والنيابة العامة.
فإذا كانت هناك جريمة أوليس من الضروري أن ينضم النائب البرلماني الحالي عن حزب العدالة والتنمية أوغوز كاغان كوكسال، الذي أصدر التعليمات الخطية في السابق، إلى زمرة “المتهمين” في إطار التحقيقات؟
3- انهار الادعاء الزائف المتعلق بمطالبة الكتّاب بكتابة مقالات معينة وكذلك مطالبة كتاب السيناريو بكتابة جزء من سيناريو أحد المسلسلات.
وقد كذّب الكتّاب الصحفيون ذلك الادعاء فأُخلي سبيلهم. وكانت الحلقة التي عرضتها قناة “سامان يولو” من المسلسل، وأصبحت موضوعًا للتحقيقات، قد عُرضت عام 2009. غير أن مدير مجموعة “سامان يولو” الإعلامية هدايت كاراجا وجهت إليه اتهامات استنادًا إلى تسجيل صوتي غير قانوني سُجل عام 2013.
أما الحجة التي ساقها المدعي العام، الذي حاول استغلال التسجيل الصوتي غير القانوني كدليل لإدانة مدير مجموعة سامان يولو هدايت كاراجا، فكانت صادمة للجميع، ألا وهي: “عدم إنكار كاراجا للمكالمات الهاتفية التي سُجلت…”.
بيد أنه لا يمكن أخذ تسجيل صوتي غير قانوني بعين الاعتبار، حتى وإن لم ينكره صاحبه. أضف إلى ذلك أن استغلال تسجيل صوتي كهذا ونشره يعتبر جريمة في حد ذاته. غير أن المدعي العام لايكتفي بالتغاضي عن كل هذا، بل إنه لا ينظر بعين الاعتبار إلى بيانات التكذيب و”الفبركة” التي أصدرها فريق من محاميي الأستاذ فتح الله كولن وهدايت كاراجا في ذلك الوقت.
وحتى إن كان هذا التسجيل الصوتي قانونيًا، فكيف يمكن أن يكون دليلًا لإدانة سيناريو مسلسل جرى تصويره قبل 5 سنوات؟
4 – يعقدون مقارنة بين سيناريو المسلسل والنص الخيالي وبين الحياة الواقعية. فالنظر بعين الريبة والاتهام إلى سيناريوهات المسلسلات، التي لاتعبر عن الواقع بأي حال وجرى تأليفها اعتمادًا على قوة الخيال لايختلف أبدًا بين أن نعتقد أن شخصيات مثل “سوبر مان” و”بات مان” و”سبايدر مان” لاتزال على قيد الحياة، وأنها شخصيات واقعية.
بقي أن نقول إنه لا يمكن التحدث من وجهة النظر هذه عن حرية الإعلام أو التواصل أو حتى حرية الفن في تركيا…
وإن فكرنا بهذه العقلية سنكتشف مشهدًا منافيا للعقل من خلال اعتقال المسؤولين عن مسلسلات التي تجسِّد الواقع مثل فيلم “وادي الذئاب” مثلًا.
تشهد تركيا أكثر أحداث المسلسل الأمريكي الشهير “House of Cards”، الذي يعتبر من أكثر المسلسلات التليفزيونية متابَعة في الولايات المتحدة، إلا أن تصوير هذا المسلسل كفيلم يحتّم على أصحاب الفكر عدم إغفال إمكانية تعرضهم لعقوبة السجن مدى الحياة في ظل هذه الظروف.
5 – أصدر المدعي العام أمرًا بالقبض على رئيس تحرير جريدة زمان أكرم دومانلي، بسبب خبر ومقالين نشرتها الجريدة التي يترأسها، واستدعى الكاتب أحمد شاهين، الذي يبلغ من العمر 80 عامًا، للإدلاء بأقواله كمتهم غير أن قرارات المدعي العام نفسه لم تشمل الكاتب في صحيفتي” وطن وحرّيت” الذي تناول التصريحات نفسها بالكتابة.
وعندما زادت الانتقادات، استدعت النيابة العامة الكاتب أرطغرول أوزكوك، الذي كان قد تناول تحذيرات الأستاذ كولن في ذلك الوقت في مقال كتبه أيضا، ولكن بصفته “شاهدًا”، على عكس الكتّاب السابقين.
بيد أن أسماء صحف زمان، وبوجون، وحرّييت، وتليفزيون سامان يولو لاترد في لائحة الاتهام الخاصة بتنظيم القاعدة – تحشية…
وعلى الرغم من ذلك، يشار إلى خبرين مصورين بثتهما قناتا CNNTurk وHaberTurk ضد المتهمين. أي أنه إذا كانت هناك مؤامرة ضد الحكومة من خلال الإعلام، كما يدعون، فكان أولى أن يوجَّه الاتهام إلى هاتين القناتين والقائمين عليهما واعتقالهم أيضا. والطريف في الموضوع أن مستشار الرئيس التركي يغيت بولوط هو أحد الذين نشروا هذا المقطع المصور…
6 – في الوقت الذي اعتُرف فيه بعدم وجود عنف أو قطعة سلاح واحدة في القضية، ضمن القرار الذي شمل الإعلاميين، وأضيف إليه الأستاذ كولن بعد ذلك، فإن جميعهم يتهَم بـ”تشكيل تنظيم مسلح والعضوية به”.
وليست هناك خلفية تاريخية أو علاقة بين السبب والنتيجة أو فرضية منطقية، كما أنهم لا يرون أن هناك داعيا لتقديم دليل على هذه الاتهامات. والأنكى من ذلك أنهم يوجِّهون الاتهامات إلى الأستاذ كولن وقناة سامان يولو وكتّاب صحيفة زمان، بحجة تدبير “مؤامرة” ضد الحكومة لتقديم تحذيرات بشأن تنظيم على ارتباط بتنظيم القاعدة، وللفتهم الانتباه إلى العمليات التي يمكن أن يقدِم عليها هذا التنظيم لإثارة المجتمع. بيد أن محاكمة تنظيم القاعدة – التحشية لا تزال مستمرة.
ولم يتجنب زعيم ذلك التنظيم اليوم حتى إخفاء حبه لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، ويبدو أنه يدعم هذا الفكر ويتبنّى مبدأ الكفاح المسلح. وتضم لائحة الاتهام قيدا بالأسلحة والمتفجرات التي وجدت بحوزة المتهمين آنذاك، هذا فضلًا عن تسجيلات صوتية قانونية للأشخاص الذين رغبوا في الانضمام لصفوف القاعدة.
وفي مقابل ذلك، يوجِّه من نعتوا تنظيم القاعدة – تحشية بـ”الأبرياء” تهمة “الإرهاب” إلى الأستاذ كولن الذي قال: “لا يمكن للمسلم أن يكون إرهابيًا، كما لا يمكن للإرهابي أن يكون مسلمًا… يعتبر أسامة بن لادن من أبغض الأشخاص إلى قلبي؛ إذ إنه شوّه وجه الإسلام”.
وفي الواقع، نحن نشهد في الوقت الراهن “خسوفًا عقليًا” بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ…
وفي النهاية، أقول إن العملية المتعلقة بتنظيم القاعدة وامتداده في تركيا “التحشية”، سارت داخل التسلسل الهرمي للدولة التركية، وبشكل متوافق مع القانون.
وبما أن الأخبار والمقالات وردت في صحيفتي وطن وحرّيت وقناتي CNNTurk وHaberTurk، بخلاف صحيفتي زمان وبوجون وقناة سامان سولو، فإن شنّ حملة ضد صحيفة زمان ومؤسسة سامان يولو الإعلامية وحدهما، مع الإعلان عنها بـ”الطبل والمزمار”، قد يدل على وجود النية السيئة.
إن التلاعب بالقانون بهذه الطريقة في سبيل توجيه الرأي العام وإلصاق تهمة الإرهاب بجماعة الخدمة، يضر بمبادئ سيادة القانون وحياديته واستقلاله وأسس الدولة. كما يعزّز الادعاء الذي يقول إن ما شهدناه ما هو إلا عملية سياسية تهدف إلى تكميم أفواه الإعلام الحر قبيل الذكرى السنوية لبدء التحقيق في فضيحة الفساد والرشوة.
يجب الإنهاء الفوري للانقلاب ضد الإعلام الذي بدأ يوم 14 ديسمبر / كانون الأول الجاري. ذلك الانقلاب الذي تسبب في فقدان تركيا اعتبارها وثقتها على المستوى الدولي والمفتقِد إلى الأسس القانونية. كما أنه يقضي على حرية الإعلام التي تعتبر أحد أهم مبادئ الديمقراطية وذلك من خلال إجراءات تعسفية.
صحيفة” بوجون” التركية