إسطنبول (زمان عربي) – حفلت كلمة رئيس تحرير صحيفة” زمان” كبرى الصحف التركية وأكثرها توزيعا التي ألقاها على آلاف المواطنين والصحفيين الذين احتشدوا أمام القصر العدلي في تشاغلايان بإسطنبول يوم” الجمعة” الماضي انتظارا لقرار المحكمة بشأنه وزميله هدايت كاراجا مدير مجموعة قنوات ” سامان يولو” بالعديد من المعاني الكاشفة لحقيقة ما يجري في تركيا هذه الأيام من محاولات للتستر على الفساد وتكميم الأفواه.
وركز دومانلي في كلمته على قيمة الكلمة الحرة والصحافة التي لاتخشى سيف الظلم. ووجه حديثه إلى الصحفيين الذين فضلوا الاختباء تجاه المسرحية الهزلية التي تشهدها تركيا حاليا للتستر على فضيحة الفساد الكبرى التي تكشفت في مثل هذه الأيام من العام الماضي وطالت رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان (رئيس الجمهورية الحالي) ونجله بلال وعددا من الوزراء ورجال الأعمال وكبار الموظفين وبعض رجال البنوك المقربين منه. وأكد أنه إذا كانت يد الاستبداد امتدت إلى صحيفة” زمان” اليوم فإنها تمتد لكل مواطن في تركيا بعد ذلك فلم يعد أحد في مأمن.
ولفت دومانلي إلى أن الصحافة الحرة لايجب أن تسكت وأن صحيفة” زمان” لن تصمت وأنه يرد الاتهام بالإرهاب الذي وجه إليه إلى أصحابه كما هو. وأكد أن ما يجري حاليا في تركيا يسيئ إليها على مستوى العالم.
وتنشر “زمان عربي” اليوم نص كلمة دومانلي أثناء خروجه من المحكمة بعد إطلاق سراحه بعد أن أمضى 6 أيام في الحجز
الصحفيون الكرام، أصداقائي الأعزاء…
إن تركيا تشاهد مسرحية. إن من يريدون افتعال وقائع أكثر إثارة للتستر على آثامهم وعيوبهم وفسادهم استهدفوا جريدة “زمان” ومجموعة قنوات سامان يولو بل وهددوا حرية الصحافة في البلاد وهم يصرفون النظر عن وضع تركيا في موقف مُحرج أمام العالم أجمع… فيا للخزي والعار…
لقد شنوا حملة مداهمة على مبنى إحدى الصحف. واعتقلوا رئيس تحريرها. فضلا عن اعتقال مدير مجموعة قنوات تليفزيونية ذات شأن في تركيا. فقد كانت نية وأهداف من يضحّون بأبناء هذا الوطن من أجل التستر على فضائحهم واضحة.
وأنا أرد ادعاء من ادعى أنني عضو بتنظيم إرهابي إليه. وأوجه الادعاءات نفسها لمن اتهم جريدة زمان بالنشر الإرهابي. فلتخافوا الله، خافوه عندما تُطلقوا الافتراءات على صحيفة تعمل في هذا المجال منذ نحو 30 عاما. ونرد الافتراءات التي أطلقها أي من كان إلى أصحابها سواء كان صحفيا أو كاتبا مستأجرا أو سياسيا أو مالكا لإحدى وسائل الإعلام والذين يطلقون الإفتراءات ضد شخص مثلي له خبرة 20 عاما في مجال الصحافة ويعيش بطمأنينة بين الناس وزملائه وأصدقائه بالانتماء لتنظيم إرهابي. أرد كل تلك الإفتراءات إلى أصحابها.
وفي النهاية جاءوا واعتقلونا. وقد قلنا صراحة أننا لا نخشى الاعتقال ولا نخاف أن ندخل السجون ولانخشى شيئًا ولو كان حبل المشنقة هو ما يهددوننا به بل نذهب وكأننا ذاهبون إلى عُرسٍ. فحتى وإن صمت الجميع لن تصمت الصحافة. حتى وإن خاف الجميع لن يخاف الإعلام. وحتى وإن وصل الأمر إلى خوف الإعلام لن تخاف “زمان”.
لقد بقيت طوال أربعة أيام في مديرية الأمن، بقيت قيد الاحتجاز. فإذا كنت قد ارتكبت جريمة ما فإن حياتي فداء وحريتي أيضًا فداء. لماذا كنا نقول ذلك براحة البال؟ لأننا لم نرتكب جريمة. ليست لنا دية ندفعها لأحد. ولا صالح لنا بعمل غير قانوني. لذلك لن نحني رؤوسنا إنصياعا لظالم.
عُرضت على المدعي العام بعد أن جعلوني انتظر في مخفر الشرطة طوال أربعة أيام. وأنتم أيضًا عرفتم تلك الأسئلة؛ الكاتب الفلاني كتب مقالا فهل أنت الذي أمره بكتابة ذلك المقال؟ لا لم أكن أنا من أمره بذلك.. حسنًا فما التهمة الموجهة إليَّ؟ هل ستصدقون إذا قلت لكم إن سبب ما عانيته طوال ستة أيام هو: مقالين وخبر صحفي واحد؟! بل وكان مدير تحرير جريدة “حريَّت” أيضًا قد كتب مقالا في نفس الموضوع. فأي منطق غير قانوني هذا الذي يستند على محادثات ظهرت على صفحات الإنترنت لكتابة خبر صحفي بل والتعليق على هذه المحادثات واعتبارها علاقات تنظيمية؟ فهذا يعني أنه لا وجود لأية جريمة. وعندما تنعدم الجريمة تلفق التهم.
وللأسف، أدليت بأقوالي طوال الليل أمام المدعي العام. وفي النهاية قلت للمدعي العام: هل السبب وراء كل ما أتعرض له منذ أيام هو مقالان وخبر صحفي؟ فأجابني بـ “نعم”.
لم يعد أحد في مأمن في تركيا بعد الآن. فالمؤامرات تحاك ضد الناس عن طريق إحضار بعض الأشخاص للإدلاء بشهادات زور والتشهير بالآخرين مع إعطائهم صفة “الشاهد السري” وبعض الضمانات والوعود.
وأنا أقول ماهي التهم الموجهة إلينا؟ ماهي؟ يوجد مسلسل درامي..تظهر فيه بعض الأحداث. وقد قدمت لهم ملخصا لتاريخ السينما، للسيد المدعي العام. فعلى سبيل المثال انظروا إلى فيلم “Taxi Driver” الأمريكي الذي وصلت أحداثه إلى حد اغتيال الرئيس الأمريكي رونالد ريجان! إذن فاعتقلوا أيضًا كل من الممثلين مثل روبرت دي نيرو وجودي فوستر…
إذن أنتم لاتفهمون في الأعمال الفنية. فانظروا إلى الشاعر نجيب فاضل عندما قال للمدعي العام إذ اعتقل بناء على قول أحد المتهمين بجريمة: “لقد تأثرت من كلمات نجيب فاضل ففعلت فعلتي هذه”. فرد عليه نجيب فاضل قائلا: “يا سيادة المدعي العام إذا كان الأشخاص يُعتقلون لارتكابهم فعلا ما نتيجة التأثر من شيئ مكتوب من نتاج الخيال فأخرجوا شكسبير من قبره واشنقوه مائة مرة إذن”.
كيف لهم أن يستنتجوا تنظيما إرهابيا من ذلك؟ لا يجب على الذين يبحثون عن تنظيم إرهابي مسلح أن ينظروا بعيدا. وإنما عليهم أن يلقوا نظرة على المحيطين بهم. وأقول للساسة والقضاة الذين يتهمون أبناء هذا الوطن بالإرهاب: “في تركيا التي تمنح الإرهابيين ميداليات نحن نرد لكم هذه الادعاءات ونلصقها على نواصيكم”.
إذا كنَّا قد سلكنا الطريق سويا مع بعض السياسيين فإننا كنا نظنهم ديمقراطيين ونحسبهم داعين للحرية. وأنا أريد أن أسألهم ألم نقف بجانبكم عندما كنتم تواصلون السير في طريق الديمقراطية؟ ألم ندعمكم عندما أجريتم الإصلاحات؟ ألم نصفق لكم كلما تقدمتم نحو الاتحاد الأوروبي؟ هل أصبحنا أعضاء تنظيم إرهابي بين عشية وضحاها بعد أن أعلنَّا صراحة “أننا لسنا معكم” بعد الكشف عن الفساد؟
وقد قلت ذلك لقاضي التحقيق أيضًا: اعمل بضميرك! فإذا كان هناك دليل إدانة فأنا لا أريد أن أخرج. وقد رزقني الله مولودة لكنني لا أريد أن أراها إذا كانت هناك جريمة ثابتة ضدي.
فلو قلتم لي: “ستذهب الآن لرؤية مولودتك التي رزقت بها قبل ساعات. وهل أنت سعيد لذلك؟ ولقد سميتها “سعادة”، فهل تشعر بالسعادة؟”. لا، لا أشعر بالسعادة ويوجد غليان بداخلي وأنا أحس بحزن شديد. لأنه كان من المفترض أن يكون صديقي العزيز وأخي مدير مجموعة قنوات سامان يولو هدايت كاراجا هنا بجانبي أيضا. فما ذنب هدايت كاراجا؟
وقد اطلعت على التهم الموجهة إلى السيد هدايت. ولكنها لايمكن أن تكون تهمًا… فإذا كانت هذه هي التهم، فعلى السلطات أن تصادر جميع المسلسلات الموجودة في تركيا! واعتقال جميع كُتَّاب السيناريو! واعتقال المنتجين للأفلام أيضًا!
فالممارسات الموجهة ضد مجموعة قنوات سامان يولو خاطئة! والممارسات الموجهة ضد جريدة” زمان” أيضًا خاطئة! واحتجاز هدايت كاراجا وإصدار أمر باعتقاله هو قرار خاطئ! فابنه الجسور هنا. هو الآن ابننا جميعًا.
وأوجه خالص شكري وتقديري للكتاب والصحفيين ومدراء الإعلام والمفكرين الذين وقفوا بجانبنا في هذه المحن وأيدونا لأنهم يرون أن القضية قضية الديمقراطية مهما كان فكرهم أو نمط حياتهم أو توجههم. فهذا يعني أن المروءة لم تمت بعد في بلادنا ولم تمت الفتوة ولا الشجاعة.
وأخاطب أيضًا بعض الزملاء الذين فضَّلوا الاختباء حتى تنتهي هذه المحنة. لا يمكنكم الاختباء طويلا! فإذا تم تسليم البلاد إلى الاستبداد، سيدفع ثمن ذلك جميع المواطنين. فلا مجال لإحناء الرؤوس أمام الاستبداد! لا مجال للانحناء أمام الطغيان! لا مجال للتراجع خطوة واحدة عن الديمقراطية! لا مجال للتراجع خطوة واحدة عن الحرية! فلا استسلام للجائرين!
ولن يستسلم أي فكر أو رأي في هذا البلد سواء كان يمينيا أو يساريا للاستبداد. وحتى وإن استسلم الجميع لن نستسلم نحن حتى آخر نفسٍ لنا!
وأوجه تقدري واحترامي لكل من جاءوا إلى هنا ورابطوا لأيام وكل من ساندونا بصبر وكل الأمهات الداعيات لنا من جميع أنحاء العالم ولأخواتنا وأخوتنا الشباب ولأصدقائنا ولكم جميعًا. نسأل الله أن يفك أسر السيد هدايت كاراجا أيضًا في أقرب وقت. واستودعكم الله…