بقلم: هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية)- (إن أردوغان هدفه من وراء قرار تحويل متحف أيا صوفيا إلى مسجد هو ضرب عدة عصافير بحجر واحد، حيث إنه يسعى إلى التخلص من إرث الرمز التركي العلماني كمال أتاتورك، وضرب التيار العلماني المناوئ له سياسيا، وترويج نفسه كخليفة ديني يحافظ على مقدسات الإسلام والمسلمين، وتوجيه رسالة انتقام للغرب المعادي لسياسته في سوريا والعراق وليبيا والبحر المتوسط)
هذه كلمات الصحفي والأديب التركي محمد عبيد الله، التي حلل فيها القرار بموضوعية وحق بعيدا عن الانتماءات والتحزبات الشخصية، لموقع “العربية”.
إن آيا صوفيا كانت رمزا للمسيحية الأرثوذكسية في العالم، ووجودها كان قبل وجود الإسلام أصلا، وتحولت في بداية القرن العشرين إلى متحف وضع على قائمة اليونسكو كجزء من التراث العالمي.
إن هذا القرار لا علاقة له بمبادئ الإسلام الصحيح وقواعده، حيث إنه لا يجوز على الإطلاق تحويل دور عبادة غير المسلمين للمسلمين، وهنا أتذكر الواقعة التي حدثت في عهد سيدنا عمر ابن الخطاب حينما زار فلسطين وصلى حينذاك في بهو الكنيسة وحينما دُعي للصلاة داخل الكنيسة رفض وقال: أخشى أن يتخذها المسلمون مسجدا من بعدي.
إن حجج النظام التركي في تبرير وإضفاء المشروعية على هذا القرار تكمن في الحديث عن كون هذا قرارا سياديا خاصا بدولة تركيا ولا شأن لباقي الدول فيه احتراماً لمبدأ السيادة!!
والرد هو أن هذا التبرير غير صحيح، فالقول بالعمل بمبدأ السيادة على إطلاقه يتنافى والتطور الذي طرأ على العلاقات الدولية، وأن شكل العالم تغير ولم يعد العمل بمبدأ السيادة المطلقة للدولة وعدم التدخل من قبل العالم الدولي، فالآن توجد الأمم المتحدة التي تعد بمثابة حكومة العالم.
إضافة إلى أنه بوضع أيا صوفيا على قائمة اليونسكو كجزء من التراث العالمي، يترتب عليه أنه كان على الحكومة التركية قبل اتخاذ هذا القرار أن يكون هناك حوار مع اليونسكو حول ذلك، إذا افترضنا أصلا أن الحكومة التركية كان جائزا لها أن تشغل الرأي العام والمواطن التركي بمثل هذا القرار بدلا من أن تتصدى للمشاكل الحقيقية التي يعاني منها المواطن التركي..
وفي سياق الحديث عن تبرير هذا القرار يقول البعض إنه ليس عيبا أن تتخذ الحكومة التركية قرارا يتوافق مع عقيدة الأغلبية التركية، حيث إن 95% من الأتراك مسلمون!!
وهذا منطق فاسد ولا يمكن لعاقل القبول به، فضلا عن عدم إنسانيته ومخالفته للمبادئ العامة للحقوق والحريات، فالواجب على النظام الحاكم أن يحترم في كل قراراته جميع الأيديولوجيات والمعتقدات مهما كانت نسبة تمثيلها في الدولة، وأن تحضّ الدولة على المحبة والتسامح بين الأفراد لا على الفتنة والكراهية واستفزاز مشاعر الآخر مثلما جاء في كلمة الرئيس أردوغان في أنه (يأمل أن يجلب قراره هذا الخير للأمة الإنسانية والبشرية جمعاء) !!
نعم عزيزي القارئ ما قرأته صحيحا، فهل هناك عُهر سياسي يفوق مثل هذه التصريحات والقارات؟!!
ان هذا القرار يؤجج عملية صدام الحضارات، ويتعارض ووثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعت عليها شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، التي قوامها احترام التعددية والاختلاف بشتى أنواعها.
إنني أتساءل في نفسي ماذا لو اتخذ أردوغان القرار بترميم آيا صوفيا كمتحف ورمز لكل الأطياف، قطعا لم يكن سيخسر العالم الإسلامي شيئا، فحتى على مستوى الواقع في تركيا وبخاصة إسطنبول مليئة بالمساجد الضخمة.
ولا عجب اذا استمعنا للتحليلات التي تتحدث عن نوايا أردوغان وطموحاته السياسية التي يود تحقيقها من وراء مثل هذه القرارات، وتقديم نفسه كبطل خرافي وحامي حمى الإسلام.
إن البيانات الرسمية التي خرجت تهاجم هذا القرارات عديدة منها، ذلك البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي، والآخر الصادر عن اليونسكو، واليونان، وبابا الفاتيكان، فضلا عن اعتراض واستياء الكثير من أفراد الشعب التركي المثقف الواعي المضلع على ثقافة الآخر والمحترم والمتقبل لاختلافه ومعتقده.
عاشت الأمة الإنسانية بكل محبة واحترام