بولنت كوروجو
تم التأكد من أن الغاية الحقيقية من حملة الانقلاب على الإعلام هو النيل من الأستاذ فتح الله كولن بعد إصدار المحكمة قرارا باعتقاله.
نتحدث عن شخص حوكم بنفس التهمة مرات عديدة وانتهت كل واحدة منها ببراءته. وتم تأكيد براءته من قبل دائرة العقوبات في مجلس القضاء الأعلى واللجنة العامة سنة 2008. وإن إعادة فتح هذه الدعوى عبر التعليمات والإملاءات هي فضيحة أخرى.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن محاكمة كولن عبارة عن ضغوط نفسية تستهدف ليَّ الذراع ومحاولة إظهاره كمجرم لدى الرأي العام. إلا أنه دافع عن نفسه أمام المحكمة وأمام ضمير المجتمع. ولم يتمكنوا من سجنه بسبب تبرئته أمام ضمير الرأي العام. فقد رد على الادعاءات السرية واللاشرعية دون أن يحيد عن الشفافية والمشروعية. ولا شك في أنه لم يقدم أدنى تنازل قط في هذه الدعاوي تحسبا لما قد يواجهه في يوم من الأيام.[/box][/one_third]وليست هناك أهمية إذا كان من يتدخل في شؤون القضاء ويحاول أن يؤثر فيها مدنيا أو عسكريا في المعايير القانونية الدولية. وتنص المادة 138 من الدستور على أنه: “لايمكن لأية جهة أو منصب أو مرجع أو شخص أن يوجه الأوامر والتعليمات للمحاكم والقضاة بشأن استخدام الصلاحية القضائية. كما لايحق إرسال التعميمات والتوصيات والإملاءات”. إذن فليس هناك فرق بين تعاليم انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997 وتعليمات رجب طيب أردوغان من الناحية القانونية والديمقراطية.
جيمس هارينجتون محام أمريكي منذ أكثر من 40 سنة ويدرِّس في الجامعة منذ 25 عاما. وهو فضلا عن ذلك ناشط في مجال حقوق الإنسان. واليوم نعيش مرة أخرى بعض الأمور التي ذكرها في كتابه “المغامرة القضائية لفتح الله كولن” وكأننا في عالم ديجا فو Déjà vu (إعادة ما عشناه من قبل)، حيث نشاهد الأشياء نفسها مرارا وتكرارا.
وقدم هارينجتون تشبيها جميلا في كتابه إذ وصف القضاء كعجلة احتياطية للجيش. لايزال القضاء يلعب دور العجلة الاحتياطية ولكن صاحب السلطة هو الذي تغير فقط. وقد أكد هارينجتون أن كولن حوكم في 12مارس/ آذار1971 و12سبتمبر/ أيلول 1980 و28 فبراير/ شباط1997، ولو أننا ذكرنا له المحاكمة الأخيرة ربما يسألنا مندهشا “هل حدث انقلاب مجددا”.
التحالف بين الإعلام والقضاء والعسكر كان يظهر في قضية كولن خاصة كما كان ظاهرا في عموم انقلاب 28 فبراير/ شباط. وفي كل مرحلة يظهر فيها هذا التحالف تكون قوته الدافعة هو الطغمة التي لا تود أن تخسر امتيازاتها غير المستحقة. وتكون هذه الطغمة على رأس التحالف.
وقد نوه هارينجتون إلى توقيت دعاوي كولن. إذ حدث في تلك الأيام نفسها اختلاس نحو 60 أو 70 مليار دولار من البنوك، وذلك لم يكن من قبيل الصدفة. ولذلك قد يتساءل هارينجتون إذا سمع قرار الاعتقال الجديد في حق كولن: “هل هناك عمليات فساد جديدة أيضا” في جدول الأعمال؟
وأود أن أقتبس اقتباسا طويلا من مقالي السابق هنا الذي تحدثت فيه عن كتاب هارينجتون. وسترون مشاهد شبيهة بدرجة كبيرة بين ما حدث عقب 28 فبراير/ شباط ومايحدث اليوم:
“من الصعوبة بمكان أن نتحدث عن مرحلة قانونية بالمعنى التقني في دعاوي الأستاذ كولن. فالتحقيق والمحاكمة وحتى مراحل التمييز كلها أمثلة صارخة لانتهاك القانون. فالمدعي العام نفسه هو الذي انتهك السرية. فقد عرض الادعاء على الصحافة قبل أن يعرضه على المحكمة. ولم يراعِ حقه في الدفاع عن نفسه ولم يستمع للشهود ورفض طلبه بتدقيق الأدلة من قبل خبير والقائمة تطول. والمحاولة في انقضاء المدة الزمنية تضع الكثير من إشارات الاستفهام حول حسن نوايا النيابة العامة. علما بأن المدعين العموم الذين شعروا بأن الدعوى ستنتهي بالبراءة حاولوا انقضاء المدة الزمنية في المحكمة الابتدائية وفي مرحلة التمييز (حتى يلغى الملف بهذا السبب). وبذلك كان من السهل أن تحوم الشبهات حول الشيخ كولن لجعله يجلس على كرسي الاتهام مرة أخرى عن طريق استغلال الإعلام. فالمدعي العام بدأ يتصرف بشكل متناقض رغم علمه بذلك. حيث إن الاداعاءت التي برَّأه المدعي العام منها سنة 1995 وأوقف ملاحقته بعد تلك التبرئة أصبح يردد نفس الاتهامات معتبرا إياها جرائم من جديد. كما أن كتاب “مدارس الأستاذ كولن” دخل مجددا في قائمة الأدلة على الرغم من تكذيب محتواه من قبل مؤلفيه وحكم المحكمة ببطلانه. نعم إن محاكمة كولن عبارة عن ضغوط نفسية تستهدف ليَّ الذراع ومحاولة إظهاره كمجرم لدى الرأي العام. إلا أنه دافع عن نفسه أمام المحكمة وأمام ضمير المجتمع. ولم يتمكنوا من سجنه بسبب تبرئته أمام ضمير الرأي العام. فقد رد على الادعاءات السرية واللاشرعية دون أن يحيد عن الشفافية والمشروعية. ولا شك في أنه لم يقدم أدنى تنازل قط في هذه الدعاوي تحسبا لما قد يواجهه في يوم من الأيام”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن وضع الأستاذ كولن لهو مثال يجب أن يدرج ضمن أدبيات القضاء في العالم. فمن المعيب أن يحاكمه القضاء مجددا في نفس القضية التي اتُّهم بها وتبرأ منها مرات عديدة؛ خصوصا بوجود قرار مجلس القضاء الأعلى سنة 2008. وإن التحقيق الذي أُعيد فتحه على الرغم من مصادقة دائرة العقوبات والهيئة العامة على براءته وصمة عار في تاريخ القضاء.[/box][/one_third]ويمكن لنا أن نعدد الخصائص العامة للدعاوي التي رفعت بحق كولن على النحو التالي:
1- تم التحقيق معه في حقب جميع الانقلابات: 12مارس/آذار. 12سبتمبر/أيلول. 28 فبراير/شباط.
2- حاولوا محاكمته على نواياه إذ لم يجدوا جريمة في أعماله وأفعاله.
3- كانوا يسوقون أولا حملة إعلامية لتشويه سمعته لدى الرأي العام، ثم يرفعون ضده الدعاوي.
4- عندما لم يجدوا جريمة في أعماله ولم يستطيعوا إصدار الحكم عليه حاولوا عدم تبرئته، عن طريق ترك الملف مفتوحا لجعله شخصا مشتبها به دائما. حيث كانوا يتمنون أن يكون شخصا مشتبها به في وجهة نظر المجتمع وإن لم يكن مشتبها به بالمعنى القانوني. ورد كولن على هذه المحاولات بالهجوم المعاكس حتى تخلص منها بمتابعته مسيرة المحاكمة بصبر إلى أن يصدر الحكم ببراءته. فإنه ذهب إلى محكمة أمن الدولة بشكل غير متوقع منه إثر صدور مذكرة البحث بحقه عقب انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول1980، وطالب بإصدار الحكم ضمن مرحلة التمييز حين رفض تأجيل الحكم سنة 2008. وهذا التصرف لا يقوم به إلا الواثقون بأنفسهم وببراءتهم.
وكانت هذه الدعاوي تستهدف إحباط المنتسبين لحركة الخدمة التي كان الأستاذ كولن هو مصدر الإلهام لها، وقطع الدعم الشعبي عنها أكثر من محاكمة كولن ذاته. وهنا تكمن الهزيمة الحقيقية للمعادين له ولحركته لأن كولن كان لا يخرج من تلك الدعاوي إلا وقد ازدادت شعبيته بين الناس”.
أما اليوم فإن محاكم الصلح والجزاء التي لاشك في مخالفتها للقانون تصدر قرارات غريبة. فهي توافق على ادعاء بأن الأشخاص الذين ما زالت محاكمتم مستمرة في محاكم أخرى بأنهم كانوا أبرياء وتعرضوا للظلم. فهذه قلة احترام للمحكمة التي تجري محاكمة أولئك المتهمين. والأهم من ذلك أنها فضيحة قانونية بحد ذاتها. فالقاضي بكير ألطون (الحالي) وضع نفسه إلى جانب نوح مته يوكسيل (المدعي العام إبان انقلاب 28 فبراير 1997).
وإن وضع الأستاذ كولن لهو مثال يجب أن يدرج ضمن أدبيات القضاء في العالم. فمن المعيب أن يحاكمه القضاء مجددا في نفس القضية التي اتُّهم بها وتبرأ منها مرات عديدة؛ خصوصا بوجود قرار مجلس القضاء الأعلى سنة 2008. وإن التحقيق الذي أُعيد فتحه على الرغم من مصادقة دائرة العقوبات والهيئة العامة على براءته وصمة عار في تاريخ القضاء.