بقلم: هيثم السحماوي
تلقيت منذ أسبوع هدية ثمينة من صديقي دمث الخلق القاضي الدكتور أحمد السيد عبدالرحمن، تتمثل في نسخة من بحثه العلمي الهام للغاية في مجال القانون الدولي العام بعنوان (مبدأ الحيطة في القانون الدولي العام)، هذا البحث كان أطروحته للدكتوراه تمت تحت إشراف الأستاذ الدكتور إبراهيم خليفة أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي العام بكلية حقوق الأسكندرية 2019، وحصل فيها الدكتور أحمد علي تقدير امتياز بأجماع لجنة المناقشة.
وتنبع أهمية هذه الرسالة من الحاجة الملحة للعالم في الأخذ والعمل بهذا المبدأ الهام (مبدأ الحيطة) حتي ينعم بحياة أكثر تطورا وعدلا وأمانا.
فلقد أدى التطور التكنولوجي والصناعي الذي تنعم به الإنسانية المعاصرة، إلى بعض من النقم والآثار السلبية السيئة حيث أنه عرض البشرية لمخاطر وتهديدات لم يكن ليتصورها أكثر الناس تشاؤما في الماضي.
ولقد جاءت هذه المخاطر من إطلاق العلماء قوي الطبيعة دون أن تقوي قواهم وعقولهم على التحكم الكامل في تلك القوي، ويعد السبيل الأمثل للوقاية من هذه المخاطر هو الأخذ (بمبدأ الحيطة)، والذي يعني التأهب واتخاذ الإجراءات الاحترازية للوقاية من أي تهديد محتمل أو مفترض وقوعه في حال غياب الأدلة العلمية القوية على وقوع هذه المخاطر.
ومبدأ الحيطة متعلق بحماية البيئة التي نعيش فيها، وهنا الأمر ليس في حاجة لبيان مدى أهميته وحاجة البشرية إليه، خاصة وأن الأنظمة البيئية القائمة والقرارات المتعلقة بها خاصة تلك القائمة على تقيم المخاطر قد فشلت في حماية البيئة والصحة العامة من العديد من الأضرار، والواقع خير شاهد على ذلك.
إن هناك أدلة دامغة على أن الإضرار التي أصابت صحة الإنسان والبيئة في جميع أنحاء العالم كانت من الضخامة والجدية بالدرجة التي جعلت من الضروري البحث عن مبادئ استباقية جديدة عند القيام بالأنشطة البشرية لتفادي الأضرار والمخاطر التي قد تنجم عنها.
ويتعلق مبدأ الحيطة أيضا بمبدأ آخر وهو التنمية المستدامة، وفي ذلك يقول القاضي الدكتور أحمد (أنه بالرغم من أن المبدئين مختلفان إلا أنهما يشتركان في وحدة الهدف، حيث يهدف كلاهما إلى حماية البيئة وعدم الاضرار بقدرة الاجيال القادمة علي تلبية احتياجاتها وذلك عن طريق التوفيق بين اعتبارات البيئة واعتبارات التنمية المستدامة الاقتصادية )
وتختتم الرسالة بأربعة عشر توصية ومقترح منها:
مناشدة الباحث جميع الدول عند تطبيقها لمبدأ الحيطة أن تأخذ بالمفهوم الواسع لهذا المبدأ، بمعني أنها تكون ملتزمة بتحقيق نتيجة وليس مجرد الالتزام ببذل عناية، وبمعني آخر التزام الدول بأن تتخذ التدابير التي من شأنها منع وقوع الاضرار المحتملة، حيث أن منع الضرر قبل وقوعه أفضل ألف مرة من الانتظار حتي يقع ثم التعامل معه.
ويوضح الباحث أن تحقيق ذلك يكون من خلال انتهاج الدول المنهج المركب الذي يبدأ بأقصى درجات التشدد، حيث يمنع إقامة هذا النشاط المحتمل أن ينتج عنه أضرارا، ثم يتحول هذا التشدد إلى درجة أقل فيسمح بإقامة هذا النشاط إذا أثبت الشخص مقترح النشاط والذي يود القيام به أنه لن يسبب هذه الإضرار.
وكانت أيضا من الحالات العملية التي طبق الباحث عليها مبدأ الحيطة (سد النهضة الاثيوبي) وطالب حينذاك الدولة الاثيوبية بتنفيذ الالتزامات المترتبة علي تطبيق هذا المبدأ والتي من أهمها الالتزام بإجراء تقيم ودراسة مسبقة حول الآثار المتوقع حدوثها نتيجة إقامة هذا السد، وأن تثبت أن إقامة هذا السد لن يضر بجمهورية مصر العربية.
وختاما: علي جميع الدول إذا ما أرادت حياة أكثر انسانية وأمنا لمواطنيها وللإنسانية جمعاء الأخذ والعمل بهذا المبدأ علي أرض الواقع وعلي أكمل وجه من منطلق الالتزام الانساني الاخلاقي والالتزام القانوني الدولي.
فالمناشدة للجميع خاصة دول العالم الثالث، أن تولي مثل هذه الابحاث أهمية.
وأن تنظر بعين الاعتبار للعلماء، وأن تهتدي بهديهم عند صناعة القرار، ولا يكون الأمر كما قال أحدهم أن العلماء في الدول النامية مثل الأطفال الصغار نداعبهم ولا نأخذ برايهم.
عاشت الأمة الانسانية بكل حب وخير