علي بولاج
أدلى زعيم حزب الوسط ( مركز) التركي الدكتور عبد الرحين قارصلي في وقت سابق بتصريحات صادمة خلال برنامج أذيع على قناة (+1 TV) التركية؛ حيث نقل عن عبد الرحمن ديليباك الكاتب المعروف والمقرّب من الرئيس رجب طيب أردوغان قوله: “إن حزب العدالة والتنمية أسّسته الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل كمشروع سياسي”.
وقال إن القوى التي تدعم هذا التأسيس قدّمت ثلاثة وعود، هي:
1. نمكنكم من الحكم في تركيا.
2. نزيح عن طريقكم كل من يسبب لكم مشاكل خلال توليكم للحكم ونقضي عليهم.
3. نقدم لكم ما تحتاجون من الدعم المالي.
كل ذلك كان في سبيل عمل الآتي:
أ. تعزيز أمن إسرائيل وإزالة العوائق التي تعترضها.
ب. تنفيذ أهداف “مشروع الشرق الأوسط الكبير” أي تغيير الحدود وإعادة بلورة الشرق الأوسط عن طريق إعادة رسم الخريطة السياسية تعززها الأحداث والصراعات التي تمر بها المناطق.
ج. ستساعدوننا في إعادة تفسير الدين الإسلامي في المنطقة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يمكن القول إن الأمريكيين كانوا يخططون في عرض وتنفيذ هذا المشروع مع الراحل نجم الدين أربكان أثناء توليه رئاسة الوزراء لو نجحوا في إقناعه إلا أنه رفض ذلك. وأسهب أربكان في اللقاء قبل الأخير قبل وفاته في الحديث عن كيفية تأسيس حزب العدالة والتنمية. وأبرز لي بعض الوثائق الموجودة لديه والسيد أرتان يوليك -أحد نواب حزب السعادة-أيضا كان هناك وهو شاهد على ذلك.[/box][/one_third]والحقيقة أن ثمة سببين رئيسيين وراء كتابتي في هذا الموضوع؛ أمّا السبب الأول فيتمثل في أن السيد قارصلي أشار علي شاهد في هذا الموضوع، حيث تلقيت عشرات الرسائل بالبريد الإليكتروني التي تستفسر عما إذا كان الموضوع صحيحا أم لا بعد تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الحقيقة كنت أنوي عدم الكتابة لكن عندما أكّد ديليباك -بذاته- صحة التصريحات المثيرة التي نقلها عنه قارصلي وذلك في اتصال هاتفي جرى بينه وبين الكاتب الصحفي المعروف أونال طانيق، رئيس تحرير موقع “روتا خبر” Rotahaber الإخباري. قررت بعدها مباشرة الشروع في الكتابة عن ملابسات الموضوع. والسبب الثاني هو الضرورة التي تمليها علينا الكتابة من أجل الوقوف على أسباب التخبط والسجال الحادث بين حكومة حزب العدالة والتنمية والغرب متمثلا في دول الاتحاد الأوروبي. نعم! كنتُ حاضرًا في ذلك الاجتماع. وتحدث عبد الرحمن ديليباك -الذي تربطني به صداقة منذ 40 عامًا- عما يُقال بشأن هذا المشروع، حتى وإن كان هناك بعض التعديلات في معرض حديثه. والمشكلة كالآتي:
بدأ الأمريكيون- بداية من عام 1998- بالتباحث معنا على نحو مكثف (وذلك في عهد حكومة زعيم حزب الرفاه نجم الدين أربكان (رحمه الله)، الذي خرج حزب العدالة والتنمية من عباءته). فكان يذهب واحد منهم ويأتي ثلاثة آخرون.
وكانوا يسألون : “هل يمكن أن يكون هناك حزب حاكم لديه أرضية دينية قوية في تركيا؟”. وبدوري، كنت أقول ما خلاصته كفكرة رئيسية: “نحن ندخل في مرحلة تلعب فيها العناصر الإسلاميّة والمحافظة دورًا حاسمًا في تركيا. ولايمكن أن نحل مشكلاتنا المزمنة بعقلية قديمة. وفي حال إعادة بلورة تركيا مثل باقي دول المنطقة، فعلى الغرب أن يحترم الإسلام ونمط حياة المسلمين وثرواتهم. إننا لسنا مضطرين لخوض حرب مع الغرب، بيد أنه لايمكن للشرق الأوسط أن يستمر هكذا تحت هيمنة وسيطرة الغرب الموجودة حاليًا. ويجب أن يتم التقليص من نفوذ إسرائيل وأن تصبح الأنظمة الحاكمة ديمقراطية وأن توزع الثروات بصورة عادلة وألا يعرقل السياسات التي يجيزها الإسلام”.
إلا أنني ما كنت ناشطًا سياسيًّا ولا لدي ولعٌ بحقل السياسة. أمّا ديليباك فهو زميل معروف عنه أنه كثير الحركة والأنشطة. ومَن يعرفه يعلم جيدًا أن لديه مشروعات في كل المواضيع. وقد أعدّ مشروعا سياسيا يمكن تنفيذه في تركيا في عهدها الجديد، وذكر فيه أناسا على درجة من الاحترام، كل منهم مشهود له بحنكته. وحسب قوله، فإنه عندما قدّم الملف الذي كان يعمل عليه لأحد المسؤولين في أنقرة تغيرت وجهة تحرك الأمريكيين في المباحثات. وبعد فترة رأى ديليباك أن مشروعه ظهر إلى النور كحزب العدالة والتنمية مع بعض التعديلات. وما حدث بعد ذلك نعلمه جميعًا.
ويمكن القول إن الأمريكيين كانوا يخططون في عرض وتنفيذ هذا المشروع مع الراحل نجم الدين أربكان أثناء توليه رئاسة الوزراء لو نجحوا في إقناعه إلا أنه رفض ذلك. وأسهب أربكان في اللقاء قبل الأخير قبل وفاته في الحديث عن كيفية تأسيس حزب العدالة والتنمية. وأبرز لي بعض الوثائق الموجودة لديه والسيد أرتان يوليك -أحد نواب حزب السعادة-أيضا كان هناك وهو شاهد على ذلك.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن القرّاء الذين يتابعون مقالاتي في صحيفة “زمان” يعرفون جيّدًا أنني أعارض من اليوم الأول سياسة حزب العدالة والتنمية القائمة على مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأنني كتبت أن الوعود الممنوحة– عند تأسيس الحزب- للأمريكيين والغرب– باسم المنطقة وإسرائيل- ثقيلة وصعبة للغاية. كما دافعت عن أنه يمكن انتهاج سياسة إقليميّة دون تقديم أية وعود أو مواقف. بالطبع، لايمكن أن نبقى تابعين للغرب إلى يوم القيامة لكن لم يكن هذا هو طريق التخلص من هذه التبعيّة.[/box][/one_third]وقال ديليباك في أحد أحاديثه عندما كنّا في منزل قارصلي: “لقد تأسس حزب العدالة والتنمية بهذا الشكل لكن أردوغان بدأ يتحرك بشكل مُستقل دون مشاورة الآخرين”.
إن القرّاء الذين يتابعون مقالاتي في صحيفة “زمان” يعرفون جيّدًا أنني أعارض من اليوم الأول سياسة حزب العدالة والتنمية القائمة على مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأنني كتبت أن الوعود الممنوحة– عند تأسيس الحزب- للأمريكيين والغرب– باسم المنطقة وإسرائيل- ثقيلة وصعبة للغاية. كما دافعت عن أنه يمكن انتهاج سياسة إقليميّة دون تقديم أية وعود أو مواقف. بالطبع، لايمكن أن نبقى تابعين للغرب إلى يوم القيامة لكن لم يكن هذا هو طريق التخلص من هذه التبعيّة.
ووفقا لما كتبه الكاتب محمد علي بولوط؛ تم عرض هذا المشروع أيضًا على رئيس حزب الوحدة الكبرى محسن يازجي أوغلو الذي لقي مصرعه في حادث طائرة مروحية أثناء الحملة الانتخابية للانتخابات المحلية في 2009 وهناك شكوك قوية في أن ذلك الحادث مدبر لقتله. وقال يازجي أوغلو لأردوغان: “أخي! تعلمتُ مع مرور الوقت ومن الأحداث أنّه لايمكن مزاولة خدمة سياسة مدعومة من قبل الأمريكيين. إذا كنت ستقوم بعمل سياسة تستند على الشعب فأنا معك. وإلا فالأمريكيون لايفعلون شيئا إلا لخدمة أنفسهم”. وعندما رد السيد أردوغان عليه قائلا: “نقوم بعمل ما تطلبه أمريكا لفترة ما ثمّ نقوم بخدمة شعبنا. وإذا حاولوا منعنا ندفعهم بعيدا ونمضي في طريقنا”. وقال يازجي أوغلو: “إن أمريكا ليست قوّة يمكن دفعها والإفلات منها بهذه السهولة. ولا تنسى أن مَن يدخل الحلبة مع الفيل يخرج منها مسحوقا”. ورفض عرضه بلطف. (انظر موقع Haber 7، 11 يناير/ كانون الثناي 2014).
وهو (أردوغان) أراد أن يحصل على موافقة النظام العالمي ويستخدم إمكانياته ثمّ أن يقول معارضا “أنا لست معكم”! وبعد كل ذلك أعلن عن مطالبته بقلب النظام الحاكم والتدخل بقوة السلاح في سوريا التي تذكرنا باحتلال صدام حسين للكويت عقب حربه مع إيران باسم الغرب ثم قال بملء فيه: “إن سوريا قضيتنا الداخلية وسنصلي بعد بضعة أسابيع في الجامع الأموي في دمشق”. إن هذا التصرف كان خطأ من يومه الأول. واليوم ندفع جميعا (الشعب التركي) ثمن هذه الخطوات الخاطئة.
صحيفة” زمان التركية”