(زمان التركية )- حلو وحار، حياة ودمار يدورون معا في نهار بغداد وليلها. هكذا كنت أفكر، وأنا آخذ طريقي – برفقة صديق عراقي يدعي علي – إلى منطقة الأعظمية التي تضج بالحياة والناس والمحال والبضائع والشمس الملتهبة. وقد راح علي يشق بنا الطرق هنا وهناك مستهدفا المحال طيبة السمعة جيدة البضاعة، لعلي أجد ما يرضيني، ولعلي أجد هناك من المشتريات ضالتي.
بينما كنت أعبر طريقا مع صديقي، رأيت ذلك القط الجميل حبيس قفص ضيق لا يكاد يحتويه، وقد وضعه صاحب المكان على رأس مجموعة من الاقفاص المكتنزة بحيوانات أخرى وتحت عين الشمس الحارقة في ركن من الشارع. فلما اقتربت أكثر، اقشعر بدني، إذ بدا القط – على جماله – نحيفا كهيكل على عظم بلا طعام ولا شراب، إلا من علبة معدنية قاطعة الأطراف كالسكين وبها بعض ماء قد لا يستطيع القط الوصول إليه لو أراد أن يشرب في هذا الحر الحارق.
اقتربت من صاحب المكان وقد بدا منهكا تعبا من كد يديه وشقاء حياته، ورجوته أن يضع بعضا من طعام للقط المسكين، فأجاب الرجل بأن علي أن اشتري القط وأطعمه بنفسي اذا أردت، فاشتريت القط الذي قفز سريعا من ذلك قفص، قفص العذاب إلى يدي سعيدًا، ليعود معي إلى بيتي. وفي بيتي اعتنيت بصديقي القط وأطلقت عليه اسم نور. فأكل نور وشرب معي وكبر ونما شعره تدريجيا وصار نور أسما على مسمى، وانطلق يرتع ويلعب في بيتي ويؤنس وحدتي بلطفه وجماله ووده، وصارت بغداد أكثر جمالا في عيني.
صار نور معجبًا ببيتي وببيوت الجيران أيضا، فكان يقفز إلى أعلى سور بيتي أو فيلتي الصغيرة وينتقل من سطح بيتي إلى أسطح بيوت الجيران متفقدا للأحوال مستطلعا للأمور، حتى أناديه إلى أو ألوح له بيديا من بعيد أن ارجع إلى بيتك فيرجع مطمئنا. وأحبت مدبرة البيت نور أيضا، فكانت تراعيه وتعتني به عن طيب خاطر.
كان قد مضى على وجودي في العراق حوالي ستة أشهر، ورأيت أنه قد حان الوقت – بعد كل ما شهدته من أحداث وحكايات ساخنة خلال تلك الشهور الماضية – أن أرجع إلى مصر في إجازة قصيرة أعود بها إلى العراق وأواصل عملي. ولم يكن خيار السفر بالطائرة إلا مغامرة كبيرة، في الوقت الذي أحببت فيه أن أسافر بالطريق البري، فأرى الطريق وما عليه في هدوء وروية وأمان، لأصل الى عمان الأردن في سلام خلال ساعات.