بقلم: اشرف سيد
فتح الله كولن العالم التركي وزعيم الحركة الإسلامية بتركيا ومؤسس تيار «الخدمة الإيمانية»، الذي يعمل فى مجال الخدمة الاجتماعية والصحية والتوعية الدينية من خلال سلسلة من المؤسسات التعليمية التى يصل عددها إلى أكثر من 2000 مدرسة و20 جامعة متميزة في مختلف التخصصات، منتشرة في تركيا و160 دولة عبر العالم.
تحدث مؤخرا فى حوار شامل مع صحيفة “سود دويتشه زايتونج” ثاني أكبر الصحف توزيعا في ألمانيا، أجرته كريستيان سيتشلوتزر والتي عملت مراسلة في تركيا لمدة سبع سنوات أفردت له عنوانا رئيسا على صدر صفحتها الأولى ونشرته على صفحتين كاملتين ردا على الهجمة الشرسة من قبل «أردوغان» وحكومته على الحركة حيث قال بأن الناخبين داخل حركة” الخدمة” دعموا الحزب في مستهل مشواره السياسي لكنهم اتخذوا لاحقا موقفا أكثر انتقادا ضده بسبب وضوح هذا التحول الذي طرأ على الحزب وأضاف «كولن»، الذي احتل المرتبة الأولى في قائمة أهم 100عالم في الاستطلاع الذي أجرته مجلة «فورين بوليسي»، عام 2008.
وأنشأت له عدة جامعات في الولايات المتحدة، وإندونيسيا، وأستراليا، أقساماً خاصة باسمه، ومراكز علمية متخصصة إن نظام الحكم في تركيا «استغفل» شرائح كبيرة في المجتمع بعدة افتراءات، وأن التسجيلات التي نُشرت في الإنترنت كشفت عن أن حكام تركيا نحّوا مسؤولياتهم جانباً وراحوا يبذلون قصارى جهودهم لإدانة الشعب، والتدخل في عالم التجارة بطرق غير قانونية، من بينها سلب المناقصات ممن ربحوها،وأضاف «كولن»، الذي كان بدأ نشاطه الدعوي والتربوي في عدة مدن غرب تركيا بداية ستينيات القرن الماضي، وانتشرت أفكاره وأحلامه لدى كل الطبقات الاجتماعية، وكثر محبوه في أنحاء العالم.
وأنه بعد التخلص من الوصاية العسكرية مباشرة تم تشكيل وصاية حزبية أسستها الحكومة مع إلغاء استقلالية القضاء وذلك عقب ربط كل شيئ بالجهاز التنفيذي وإلغاء دور ومهام هيئات الرقابة، ونحن كما كنا نعارض الوصاية العسكرية في وقت من الأوقات نقف اليوم أيضًا ضد الوصاية الحزبية ولهذا السبب تم وصفنا بأننا خائنون،الضوء على معاداة الديمقراطية التي تشهدها تركيا في الآونة الأخيرة، وتطرقت الصحيفة في مستهل الحوار إلى ادعاءات الفساد المتورط فيها مسؤولون كبار من الحكومة والتي تكشفت وقائعها في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي. وأوضحت أن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ألقى بالمسؤولية على كولن بسبب التحقيقات التي وصفها الأول بأنها محاولة للانقلاب على الحكومة والإطاحة بها.
ووصفت أردوغان قائلة: “إن رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان الذي تولى منصبه منذ مئة يوم تقريبًا يظهر في ثقة كبيرة أكثر من أي وقت مضى بالرغم من مرور عام على ادعاءات أعمال الفساد، إذ إنه يقيم في قصر ضخم “القصر الأبيض” ويجعل القوانين أكثر صرامة ويقدم الصحفيين الذين ينتقدونه ويعارضونه إلى القضاء”،وتحدثت عن إصدار أردوغان قرارات بحظر موقعي “تويتر” و”يوتيوب”، مرجعة السبب في ذلك إلى الحيلولة دون نشر التسجيلات الصوتية التي تفضحه وتكشف عن فضائح الكثير من رجال حكومته، وأوضحت أن الانتقادات الموجهة لكولن ليست جوهرية، وأشارت إلى أن مؤسسات المجتمع المدني مثل منظمة المراقبة على حقوق الإنسان إلى جانب الاتحاد الأوروبي انتقدوا أنقرة، كما سلطت الضوء على الكلمات التي ذكرها الروائي التركي أورهان باموك الحاصل على جائزة نوبل قبل عدة أيام في الصحف التركية وتذمره من جو الذعر والخوف الذي يعصف بالبلاد حيث قال “إن الأمر الأشد وطأة هو الخوف وأرى أن الجميع في حالة خوف وذعر وهذا أمرُ غير طبيعي”…. وفيما يلي نص الحوار
– كنتم تؤيدون حزب أردوغان. ما الذي تغير فيما بعد؟
– قدّم حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه في 2002 وعودًا بإحلال الديمقراطية وحقوق الإنسان وعضوية الاتحاد الأوروبي والقضاء على الفساد وإنهاء تهميش الأشخاص ذوي التوجهات والأفكار المختلفة والتنمية الاقتصادية.
وبصراحة بدأ يتخذ إجراءات تؤكد هذه الوعود وعليه قمنا بدورنا، كجماعة، بدعمه ومؤازرته،إلا أنه عقب انتخابه للمرة الثالثة في انتخابات 2011 بدأ في اتخاذ إجراءات معاكسة تماما للمكاسب الديمقراطية، فعلى سبيل المثال إذا ما فكرنا في الإجراءات التي أقدم عليها الحزب مثل ممارسة أعمال القمع ضد وسائل الإعلام ومنح جهاز المخابرات صلاحيات كبيرة وتطبيقه الأساليب الشبيهة بما كان يمارسه جهاز أمن الدولة والمخابرات في ألمانيا الشرقية القديمة (ستاسي) والتصرفات التي واجهت المتظاهرين الذين يعترضون في إطار ديمقراطي والكثير من الإجراءات المشابهة لذلك سيظهر لنا عندئذ عودتنا للوراء في المكاسب الديمقراطية،وفي نهاية المطاف أعلنتني الحكومة بأنني عدو لها؛ حتى يتم التستر على أعمال الفساد ويتم تأسيس كيان استبدادي، إلا أننا لدينا مثل تركي يقول “إن شمعة الكذاب لا تشتعل بعد وقت العشاء”(أي إن عمر الكذب قصير جدا).
– ساندتم أردوغان في تقليص نفوذ الجيش في تركيا، هل هذا أصبح من الماضي؟
– إن الطغمة العسكرية أقدمت على عمل أربعة انقلابات في أعوام 1960، 1971، 1980 و1997، وإن الحكومات التي جاءت إلى سدة الحكم عن طريق الانتخابات تم إسقاطها بتلك الانقلابات، وتمت مساءلة عشرات الآلاف من الناس والزج بهم في السجون وعُذب أغلبهم أثناء الإدارات الانقلابية، وشهدت تركيا أحداثا لا يمكن أن يصدقها العقل خلال مرحلة ترشح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، وقُدِّم موضوع محاكمة الضباط الذي تولوا الانقلابات العسكرية في محاكم مدنية عبر استفتاء في عام 2010 لإدخال تعديلات على الدستور للتمكن من القيام بذلك، وأيّد 58 في المئة من الشعب التركي هذا القرار،وبعد التخلص من الوصاية العسكرية مباشرة، تم تشكيل وصاية حزبية أسستها الحكومة مع إلغاء استقلالية القضاء وذلك عقب ربط كل شيئ بالجهاز التنفيذي وإلغاء دور ومهام هيئات الرقابة، ومثلما عارضنا الوصاية العسكرية في وقت من الأوقات فنحن نقف اليوم أيضًا ضد الوصاية الحزبية، ولهذا السبب تم وصفنا بأننا خائنون.
– يرددون الانتقادات التي وجهتموها إلى حكومة نجم الدين أربكان وطريقة تسييرها لأزمة 28 فبراير 1997 ويدّعون أنكم آزرتم الانقلاب حينئذ؟
– عندما خرج حزب الرفاة، من الانتخابات كحزب أول في ذلك الوقت، بدأت بعض التحركات المناوئة داخل القوات المسلحة التركية بشكل واضح، والجميع لاحظ ذلك، وأخذت غيوم سوداء تتجمع في سماء تركيا، لكنها لم تتحول إلى عاصفة، وإثر فضيحة «سوسرلك»، استغلت الطغمة العسكرية ردود أفعال المجتمع لحسابها، وهيئت المناخ لانقلاب عسكري، وعندما شرعوا في تفعيل خطة الانقلاب كان الأوان لإيقافها قد فات، ثم فجأة أضافوا في اللحظة الأخيرة اسم هذا الفقير إلى التقرير الذي أعدته المخابرات التركية حول الفضيحة، فيما بعد علمتُ مَن فعل ذلك، إلا أني لم أفش أسماء أهل الإيمان هؤلاء، ولم أطعن فيهم أبدا، وفضلت أن أدفنها في أعماق قلبي ثم جاءت قرارات 28 فبراير،وكانت المادة الثانية من بيان تلك القرارات تنص على ضرورة تأميم المدارس وفق قانون توحيد التعليم، وعندما بلغ التوتر في البلد حدا خطيرا طرحت، ككثير من الناس، فكرة الذهاب إلى انتخابات مبكرة كحل للخروج من هذه الأزمة بأقل أضرار ممكنة. كما أكّدتُ ضرورة إصدار قانون انتخابات جديد ينقل البلدَ إلى انتخابات مبكرة، ولستُ أنا الفقير فقط مَن قال ذلك، إنما كثير من الأسماء أيضاً وعلى رأسهم تورجوت أوزال، شاركوني في رأيي حتى أن بعض وسائل الإعلام الموالية للحكومة، أيدت هذه الفكرة ونقلتها إلى مانشيتاتها، وإذا رجعتم إلى الأرشيف سترون كل ما كُتِب وقيل في تلك الأيام.
– إلى أين تسير تركيا؟
– إن الجمهورية التركية أصبحت في الآونة الأخيرة دولة حزبية تتخلف عن أن تكون دولة ديمقراطية وعلمانية ودولة قوانين اجتماعية لدرجة أنها تعطي انطباعا بأنها آلت إلى وضعية دولة يحكمها رجل واحد، إن تركيا اليوم تشهد حالة من الاستقطاب على الصعيد الداخلي وعزلة وفقدان اعتبار على الصعيد العالمي وأنا أشعر بحزن بالغ لهذا الموقف الذي آلت إليه بلادي.
– أردوغان يقول إنه يرغب في تنشئة جيل ذو طابع متدين… ألا تريدون أنتم أيضًا الشيء نفسه؟
– لا يمكن أن تكون مهمة الدولة هي تنشئة جيل يحمل طابعا متدينا لأن ذلك يحمل في طياته إجبار وإكراه الذين يفكرون عكس ذلك، كما أن الحرية الدينية تدخل ضمن الحقوق الإنسانية الأساسية، وأرى أن الحكومة عليها أن تمهد أرضية ملائمة لجميع المواطنين أيّا كان دينهم ليمارسوا معتقداتهم ويعلموها لأبنائهم،والذي كان يأمل الناس من أردوغان هو حمايته لهذه الحقوق من خلال تعديلات قانونية من أجل المجتمعات التي تمثل أقليات دينية كرئيس السلطة التنفيذية وذلك أثناء فترة حكمه البالغة 12 عاما التي سيطرت فيها السلطة التنفيذية.
والمناقشة مفتوحة أمام القيام بذلك أو عدمه، وعلى الإنسان المتدين ألا يتنازل عن الحقوق والعدالة، وأنا أود أن يكون هناك جيل متدين وفقا لهذا المعنى، لكن إذا كان المقصود هو جيل ليس له دراية بدينه ويسعى لبث الفتنة بين طبقات المجتمع وتفرقته ونثر بذور الفتنة بينهم بكل سهولة ستكون إجابتي على هذا صريحة وواضحة..لا وكلا.
– ما تعليقكم على قصر رئاسة الجمهورية الجديد لأردوغان “القصر الأبيض”؟
– كل دولة لديها الحاجة إلى مباني لتمثيلها إلا أنه كان يمكن توسيع المباني الموجودة حاليا بدلا عن تشييد قصر يضم ألف غرفة وكانت المحكمة ستوقف تشييد القصر لولا تدخل أردوغان في هذا الموضوع والحيلولة دون هذا القرار، وإن مثل هذه الإجراءات تنقص احترام المواطن للقوانين والعدالة، وبالمناسبة فإن أبهى وأترف قصور العثمانيين شُيّدت في فترة تدهور وسقوط الدولة، واليوم نرى أن الكثير من مكاتب رؤساء الجمهوريات في العالم تقع في مبان متواضعة للغاية.
– أردوغان يزعم أنكم كجماعة الخدمة تسربتم إلى مؤسسات الدولة، ما تعليقكم على ذلك؟
– إن مواطن بلد ما لا يتسرب إلى مؤسسات بلده هذا وصف خاطئ لكنه يدخلها ويقدم خدمتها لبلده، ويمكن لكل من يتوفر فيه الشروط المطلوبة أن يصبح موظفا في الدولة، لكن هل الذي يزعجهم في ذلك هو عدم مبايعة هؤلاء لهم وعدم انصياعهم لقراراتهم الشخصية؟!……لكن النظام السياسي الحالي لم يصنف فقط المحبين من الموظفين لحركة الخدمة ضمن الفئات التي يزعمون أنها تضر بالدولة بل طال هذا التصنيف كل من يقف بعيدًا عن الحكومة أو يرغب في عدم المشاركة في أي من فعالياتها. وهذا ما سمّي بـ “مطاردة الساحرات”.
– بم ترد على اتهام حركة الخدمة بتنفيذ عمليات الفساد في الـ17 من ديسمبر العام الماضي؟
– البعض يصرّ على اتهام الخدمة في هذا الصدد، على الرغم من أننا نشرنا مراراً العديد من البيانات للتكذيب والتوضيح والتصحيح، وكما قلتُ سابقاً، فإن بعض النوابِ العامّين وقواتِ الشرطة المكلفة بتنفيذ القانون التابعةِ لهم قد أدّوا المهمة التي يطلبها القانونُ منهم دون أن يعلموا أن ترصّد ومطاردة المجرمين صار يُعتبر جريمة، أي إن الناس لم يتخيّلوا أن أضراراً ستلحق بهم جراء أداء وظائفهم، والذين أشرفوا على تحقيقات 17 ديسمبر، بل الآلاف من الناس الذين لم يكن لهم أي صلة بتلك التحقيقات تعرّضوا للنفي والتشريد دون مراعاة حقوقهم وحقوق أفراد عائلاتهم أبداً، ثم بادروا إلى اتهام الخدمة وكأن شيئاً لم يحدث وكأن جريمة لم تقع. وعمدوا إلى اختلاق أكاذيبَ ونشرها، واحدة تلو الأخرى، وما زالوا يفعلون ذلك. قبل كلّ شيء، فإن تحقيقات الفساد والرشوة ليست جديدة، فجهاز المخابرات أعدّ قبل نحو 8 أو 9 أشهر تقريراً أكد فيه على أن بعضا ممن يحتمل أن يكونوا جواسيس لإيران قد سيطروا على وزراء في الدولة وبعضا من أبناء الوزراء، بل حتى تسلّلوا إلى مجلس الوزراء للقيام ببعض الأشغال الغامضة، ولكنه تم التجاهل والتغاضي عن هذا التقرير.
– كم هي نسبة الموظفين المفصولين من وظائفهم الذين ينتمون إلى حركة الخدمة؟
– أنا لا أعرف حتى 10 في المائة من الأشخاص الذين ينتمون لحركة الخدمة، ومع مرور الوقت سيعرف الجميع أن معظم رجال القضاء والأمن والمعلمين ليسوا على علاقة بالحركة، ومن المحتمل أن يكونوا قد فعلوا كل ذلك لدافعين مختلفين. أولهما: أنهم يحاولون إظهار حركة الخدمة على أنها تهديد كبير وذلك من خلال تصنيف شخصيات عديدة لانتمائها للحركة، وثانيهما: رغبتهم في القضاء على كل من لم يقدم البيعة لهم كما اعترف بذلك أحد الشخصيات البارزة داخل حزب العدالة والتنمية في الفترة الأخيرة.
– ما تعليقكم على أعمال الفساد؟
– لم يعرف أحد حقيقة الأمر بسبب عدم تفعيل العملية القانونية والحيلولة دون مواصلة التحقيق في القضية. ولو حدث مثل هذا في الغرب لانقلبت الحكومات إزاء هذه الاتهامات. إلا أن أنقرة وصفت هذه التحقيقات على أنها مؤامرة دولية ضدها وهي العادة المتبعة دائمًا لدى الأنظمة الاستبدادية.
– هل تعرضت حركة الخدمة لفقد في قوتها؟
– لا يمكن أن ننكر أن مفهوم حركة الخدمة مسّه الضرر لدى المجتمع بشكل عام نتيجة حملات التشويه والافتراءات الموجهة ضد الحركة عبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. إذ إنهم يرعبون الناس من إرسال أولادهم إلى مدارس الخدمة المعروفة بجودتها وكفاءتها وعدم تقديم التبرعات لجمعيات المساعدة التابعة للحركة.
وأرى أنه لاشك في أن تأثير هذه الحملات السوداء المبنيّة على أكاذيب وافتراءات على المجتمع سينقلب ضدهم عمّا قريب بمجرد الكشف عن أكاذيبهم.
– عند النظر من الخارج، يبدو وكأن ثمة صراعا بين الحكومة والجماعة ؟
– المسألة ليست صراعًا بين حزب العدالة والتنمية، والجماعة، ففي السنوات الأخيرة بدأ موضوع الحقوق والحريات الأساسية يتقلص بشكل خطير. فلغة السياسة الهادمة المفتِّتة باتت تهدد وحدة المجتمع وتدفعه نحو الاستقطاب بكل حدّة. وخلال أحداث كيزي اعترضتُ على تسمية المتظاهرين بـ«الأوباش»، وقلتُ ينبغي ألا يُتلفَّظ بذلك، ونفس الشيء ينطبق على العلويين أيضاً، وهذا طبيعي في ظل عدم السعي إلى إيجاد حلول ديمقراطية تدافع عن حقوقهم الطبيعية، بل وربما عدم الرغبة في إيجاد تلك الحقوق، لقد أيّدنا مشروع المسجد وبيت الجَمْع، لكنه لاقى انتقادات حادة مِن جهات غير متوقَّعة. ونحن لسنا حزباً سياسياً ولن نكون أبداً، وبناء على ذلك فلسنا بصدد منافسةٍ مع أي حزب، ونقف من الجميع على مسافة واحدة.
ورغم ذلك نتشاطر مع الرأي العام قلقَنا وآمالنا فيما يتعلق بمستقبل بلادنا، وأعتقد أن هذا أمر طبيعي نمارسه بموجب حقوقنا الطبيعية والديمقراطية، ولذلك أجد غرابة فيمن ينزعجون من ذلك، فهل صار القول لحكام الدولة “لديّ فكرة كذا تهمة، الأفراد في الديمقراطيات المتقدمة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني التي تتشكل من هؤلاء الأفراد، يحق لهم توجيه الانتقادات وإبداء الآراء وتبادلها مع الرأي العام دون أن يسبب ذلك إزعاجا لأي أحد أريد أن أضيف أيضاً أن كل المؤسسات التي أقامها إخواننا تعمل وفق القوانين، وهي خاضعة لرقابة الدولة وتفتيشها، ما يعني أننا نتحدث عن عمل شفاف بكل معنى الكلمة، فنحن لا نعمل في الجحور، أو في السر أما المؤسسات غير الشفافة أساساً، فهي التي ظهرت وبكل وضوح من خلال بعض الأكاذيب التي قيلت في الأشهر الأخيرة. حركة الخدمة عمادها التطوع، وإنّ اتهام أناس لم يؤذوا في حياتهم أحدا ولو نملة واحدة، ويراعون تطبيقا لقوانين رعاية كاملة، بـأنهم”منظمة سرية” أمر باعث للأسف، ولا يخفى عليكم أن مؤسسات الدولة فيها كل الأطياف والأفكار، يميني، يساري، علوي، سني، غير مسلم، كردي، تركي، كلٌّ يقوم بوظيفته التي كُلّف بها من قِبل الدولة، والأصل في ذلك أن يؤدي الموظفُ مهامه في إطار القانون،وأيًّا كانت الأفكار التي يعتنقونها، فإن تصنيف هؤلاء الموظفين أثناء عملهم في مؤسسة الدولة حسب أفكارهم وانتماءاتهم، واتهامهم دون دليل، يمثل تجاوزا في حقهم واعتداء على حقوقهم. وفي حال عدم وجود أي جريمة ثابتة وادعائكم وجود دولة موازية، فإن أوهامكم هذه ستضع أمامكم ألف دولة موازية، وفي هذه الحال ستعرّضون كثيرا من الأبرياء للظلم.
– وصفكم سفير أمريكي سابق بـ “الشخصية الثانية الأكثر أهمية في تركيا”، ما تعليقكم على هذا؟
– إن الذين يعرفونني من قريب أو بعيد يعرفون شخصيتي جيدًا إذ إنني لم أرغب في أي فترة من فترات حياتي أن أكون رجلا ذائع الصيت ويلهث وراء الشهرة. ولم أحاول قط أن أحصل على مصلحة شخصية سواء كانت ماديةً أو معنوية. وحياتي البالغة 76 عاما خير شاهد ودليل على ذلك. وإذا كانت هناك نجاحات لهذه الحركة يمكن التصفيق لها فيجب أن تنسب إلى هؤلاء الناس الذين أخلصوا في حبهم ورسالتهم في الحركة.
– هل ستستمر حركة الخدمة بعدكم؟
– حتى الناس الذين لا يتشارطون معنا ولو بنسبة واحد في المائة وجهة نظرنا في الحياة قاموا بدعمنا. ذلك لأن الفكرة المشتركة بيننا كانت ولا تزال هي القيم الإنسانية. فهناك أناس لم أتعرف عليهم قط في إفريقيا قدموا مساعدات مادية لمدارسنا ومستشفياتنا وهم أناس أغنياء لا ننتظر منهم أي شيء، وكلما ولجت فراشي سرعان ما أفكر في أنني قد لا أستيقظ مرة أخرى، إلا أنني لا يراودني أدنى خوف أو قلق فيما يتعلق بمستقبل هذه الحركة.
– هل تفكرون في العودة إلى تركيا؟
– أتحرق شوقًا لبلدي فأنا إنسان عاطفي إن أهلي وأقاربي وأصدقائي في تركيا وأنا لم أنعزل أصلا عن أصولي وجوهري، وقد توفي أخي قبل أسبوعين وللأسف الشديد لم أتمكن من حضور جنازته، ولم أحضر جنازة أحد أقاربي من قبل أمضيت 60 عاما من عمري في تركيا، وأنا كإنسان عاطفي ذي مشاعر جيّاشة لدي تعلق قوي بالأماكن والمناظر والأشياء، وعندما تلوح أمام عيني مشاهد لقريتي” كوروجوك” حيث قبر أبي وجدي وجدتي ومنزلي الذي أقمت فيه سنين طويلة وفي كل زاوية من زواياه ألف ذكرى وذكرى تخصني لا أتمالك نفسي من سكب العبرات علّها تهوّن علي غربتي وحزني، لكن إن عُدت إلى تركيا في هذه الفترة قد يستخدمني بعض الناس من الرتب العالية الموجودة في الدولة من أجل نواياهم السيئة.
– هل تفكرون في المصالحة مع أردوغان؟
– لسنا نحن من بدأ هذه الخصومة لذا ينبغي عليهم أن يتخذوا الخطوة الأولى للمصالحة، وإذا قال أردوغان يوما إن ما قاله عن حركة الخدمة في جميع اجتماعاته عبارة عن أكاذيب وافتراءات سأجنح أنا أيضًا إلى السلم والمصالحة.
– هل هناك شيء يسعدكم بالرغم من كل ما يحدث؟
– أنا لم أشعر قط بسعادة طويلة الأمد إذ تمت متابعتي في تركيا عقب كل انقلاب عسكري، إلا أن ما أشعر به الآن أكثر وطأة بالرغم من كل شيء. لكن الطرف الرائع والجميل فيما يحدث هو أن الألماس بدأ ينفصل عن الفحم شيئًا فشيئا وبات العالم يعي ويدرك جيدًا حقيقة حركة الخدمة.