بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)ــ كان الجميع -عراقيون وجنسيات أخرى- في بغداد يعيش جوا متوترا خطيرا، ومع ذلك، فلا يخلو الشوارع من المارة. لحاجات الناس ولأن ضغط الحياة أقوى من الإحساس بالخطر ومن رؤية الخطر رؤي العين أيضا.
كانت العربات المدرعة الأمريكية تجوب شوارع المدينة حاملة لافتة واضحة باللغة العربية تقول: لا تقترب لمسافة تقل عن 500 مترا. وتحت تلك العبارة الآمرة جاءت عبارة أخرى أخطر وأقصر تقول: مصرح بالقتل. والأمور في منتهى الوضوح هكذا، فحياة المرء في خطر لو اقترب بشخصه أو بسيارته من العربة العسكرية المدرعة. والحقيقة أن هذه اللافتة الخطرة ظهرت عقب وقوع سلسلة من حوادث التفجير الانتحارية التي قام بها انتحاربون فجروا أنفسهم أو سياراتهم المحملة بالمتفجرات في مبان وفي أكمنة للشرطة العراقية وغيرها من الأهداف. كما جاءت اللافتة عقب سلسلة من التفجيرات بواسطة شحنات متفجرة على ظهر حيوانات مسكينة أيضا، مما دعا كل مستهدف أو يظن نفسه مستهدفا في بغداد إلى اتخاذ احتياطاته، ليصبح المارة في الشارع في خطر ولا ذنب لهم ولا إثم. وقد حدث أن كنت مع مديري في سيارته، وقصدنا بعض متاجر أجهزة الكمبيوتر في منطقة كربلاء الشهيرة بمحلات الأجهزة الإلكترونية، لرغبة مديري في شراء جهاز حديث، لاهتمامه بالأجهزة وبالتصوير وبالكتابة. وقد كان دليلنا وقائد السيارة سائقا ثرثارا لا يكف عن الكلام ولا يكف عن الاشتراك في حديثي ومديري بين الفينة والفينة، رغم تكرار تنبيهه بلطف إلى مهمته كسائق وإلى الانتباه إلى الطريق. وفي منتصف طريق عام أردنا الانتقال إلى الجانب الآخر من الطريق والعودة إلى محل بدا كبيرا عامرا بالأجهزة، فطلبنا من السائق الالتفاف والعودة، فاذا به يغتنم أول فتحة في الجزيرة الوسطى للشارع على يسار السيارة ويسرع بالاستدارة في تلك الفتحة دون نظر أو اعتبار للسيارات القادمة في اتجاهنا على الجانب الآخر من الطريق. وفي نظرة، خاطفة وجدت ومديرى أننا عمليا قطعنا الطريق على سيارة عسكرية مدرعة وصرنا في دقيقة ودون قصد منا أمامها مباشرة، وليس على بعد 500 مترا، فألقيت ومديري نفسينا على أرض السيارة فورا، خوفا من تعرضنا لإطلاق النار. ومرت دقائق طويلة قبل أن تمر المدرعة الخطرة بجوارنا في سلام ودون أن تطلق النار على سيارتنا التي اعترضتها فجاءة. وانهلت على السائق – من غيظي – تأنيبا، فقد أوشك أن يتسبب في مقتلنا جميعا باستهتاره الجسيم، ولكن الله سلم.
–