طرابلس (زمان التركية) – في الوقت الذي تتزايد فيه حدة الاشتباكات على الساحة الليبية وتتسارع التطورات، بدأت الأنظار تتجه إلى تركيا التي أرسلت آلاف الجهاديين من سوريا إلى ليبيا للقتال في صفوف حكومة الوفاق التي يترأسها فايز السراج.
جريدة “جارديان” الإنجليزية علقت على تغير المعادلة في ليبيا بعد وصول المجاهدين المدعومين من تركيا إلى الساحة الليبية، مستندة إلى حوار مع أحد المجاهدين يدعى وائل عمرو يبلغ من العمر 22 عامًا، انتقل إلى ليبيا خلال قتاله في صفوف أحد التنظيمات في إدلب السورية.
نقلت الجريدة عن وائل عمرو الحوار الذي أجرته معه قائلة: “لقد كتب اسمه في القائمة التي كان يعدها الجيش التركي لمن يريدون القتال في ليبيا، وانتقل إلى الأراضي التركية عبر الحدود مع إدلب. وكانت أول رحلة طيران له في حياته الطائرة التي استقلها من تركيا إلى ليبيا للمشاركة في القتال. ليجد نفسه في جبهة خطرة، يحارب في حرب ليست من أجل بلده”.
وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، فقد قال وائل عمرو: “لقد قيل لي إنني سأعمل لصالح الفرق الطبية أو في خط الدعم بمقابل مادي جيد. ولكن هنا الحرب أسوأ من الحرب في سوريا. هناك اشتباكات مستمرة في الأزقة. بعض السوريين يأتون إلى هنا من أجل المال، والبعض الآخر يأتي من أجل إنقاذ الليبيين من الظلم. على المستوى الشخصي، أنا لا أعرف لماذا نقلت تركيا المعارضين السوريين للحرب في ليبيا. أنا لا أعرف أي شيء عن هذا البلد سوى أنها شهدت ثورة ضد معمر القذافي فقط”.
الجارديان نقلت عن عمرو حديثه عن أنه يقاتل من أجل ما يسمى بمخطط “الوطن الأزرق” الخاص بتركيا قائلًا: “هناك مخطط لفرض سيطرة جيوسياسية تركية في منطقة شرق المتوسط. المشروع ولد قبل 14 عامًا، يشمل المقاومة في الجزيرة القبرصية التي انقسمت بين تركيا واليونان، ويشمل المشروع أيضًا الصراع على أعمال التنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في المياه الاقتصادية الخالصة التي تشهد خلافات مع كل من مصر ولبنان وسوريا وإسرائيل واليونان. المشروع وصل إلى قمته مع الحرب التي اشتعلت في ليبيا بين حفتر وحكومة طرابلس في 2014 وانضمت إليها العديد من القوى الأجنبية”.
وأوضحت الجارديان أن الصراع في ليبيا بات محاولة للإسلام السياسي والعثمانيين الجدد لفرض سيطرتهم وبسط نفوذهم، قائلة: “الحروب بين الجماعات التي تدعمها الدول المختلفة سواء في اليمن أو في سوريا مستمرة. ولكن في المنطقة التي تشهد تراجعًا للدور والتأثير الأمريكي، أصبحت ليبيا الساحة الأكثر تقديمًا للوعود بالنسبة للاعبين الإقليميين. من ناحية تهاجم تيارات الإسلام السياسي ومعهم العثمانيون الجدد الممالك القومية العربية، ومن ناحية أخرى اشتعلت صراعات عسكرية وأيدولوجية وظهرت أهداف جيوسياسية، فضلًا عن خلافات الغاز الطبيعي، وجميعها تداخل مع بعضها البعض”.
وأوضحت الجريدة أن قرار حظر السلاح على ليبيا الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة لم يعد له قيمة، مشيرة إلى أن عمليات اختطاف المدنيين وطلب الفدية التي تقوم الجماعات المسلحة زادت بصورة كبيرة خلال السنوات التسع الأخيرة.
وأشارت الجريدة إلى أن حكومة الوفاق التي تعاني من ضعف كبير على الساحة، لا تحظى بدعم كبير من الليبيين بسبب عدم ثقتهم فيها لكونها تتبع سياسات الإسلام السياسي، لافتة إلى أن مؤيدي المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، يثقون ويؤمنون أنهم يحاربون في وجه التيارات الراديكالية المتشددة.
ولفتت إلى أن أكبر داعمي حفتر هي دولة الإمارات العربية المتحدة، ومجموعة فاجنر الروسية، ومصر، والمملكة العربية السعودية، والأردن، وفرنسا.
في عام 2019 بدأ حفتر عملية عسكرية شاملة وموسعة كانت السبب في مواجهة البلاد أكثر الحروب تخريبًا بعد الحرب التي شهدتها من أجل إسقاط القذافي بدعم من قوات الناتو.
بحلول نهاية عام 2019 اقتربت قوات حفتر كثيرًا من طرابلس، وبدأت القوات تتقدَّم من أجل السيطرة على طرابلس، إلا أن الرئيس التركي أردوغان بدأ التدخل في اللعبة، وزاد حجم الدعم الذي يقدمه لحكومة طرابلس للمرة الأولى.
وفي تلك الأثناء شهدت منطقة شرق المتوسط توقيع العديد من اتفاقيات التعاون العسكري وترسيم الحدود والمناطق الاقتصادية للدول المتخاصمة.
مدير معهد “صادق” للدراسات الواقع في طرابلس، أنس الجوماتي، قال في تصريحات للجارديان: “كان الدعم العسكري والدبلوماسي لحكومة الوفاق محدود للغاية، إلا أن الإيرادات التي حصلت عليها من الغاز الطبيعي كانت في زيادة بما فيه الكفاية”.
وأضاف: “هذه الخطوة التي اتخذتها أنقرة ذكية للغاية. أنقرة من خلال دعم طرابلس، تحاول استعادة الأجور التي كان عليها أن تحصل عليها من اتفاقيات الإنشاءات التي وقعت مع القذافي بمليارات الدولارات، ولكنها علقت بعد الحرب. فبعد انتهاء الحرب بفضل هذا الدعم، ستكون تركيا أول الدول التي تدخل في مشروع إعادة إعمار ليبيا”.
الجارديان أكدت أن هذه الخطوة التي اتخذها نظام أردوغان لا تحصل على أي دعم داخلي في تركيا وتزيد من وحدة وعزل تركيا على الساحة الدولية قائلة: “المعدات العسكرية التركية وتكنولوجيا الطائرات المسيرة والمقاتلون السوريون والجنود الأتراك المشاركون في الساحة الليبية أوقفوا مكاسب قوات حفتر اعتبارًا من شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وبعدها بدأوا يلزمون قوات حفتر بالتراجع. الويوم انتقلت قاعدة عسكرية مهمة إلى الجيش التابع لحكومة طرابلس. وأعلن حفتر أن قواته انسحبت من ساحة القتال في طرابلس بشكل جزئي”.