بقلم هيثم السمحاوي
القاهرة (زمان التركية) – لم يعش العالم الإسلامي منذ نشأته وفي أي عهد من عهوده، وضعًا مزريًا كالذي يعيشه اليوم، ولم تصبه حالة من ضيق الأفق كالتي تعتريه الآن.. والأدهى من ذلك افتقاده القدرة التي تؤهله لإدراك البون الشاسع بين موقعه الحالي وما ينبغي أن يكون عليه، بَلْهَ أن يُقوّم هذا الفرق أو يبحث عن أسبابه.
إنه يعيش حالة من الكسل وراحة البال، لا يؤرقه فيها مخاض فكري، ولا يقدِّم رؤية بنّاءة، وليس لديه مشروع ينهض به من كبوته تلك، ولا تَهيج في صدره مشاعر للتغيير.. قد خبا في قلبه شوقُ الحياة ونبضُها، كأن طبقة ضبابية كثيفة من الغفلة واللامبالاة قد أحاطت به من كل جانب.. لا يملك -إن استثنينا رغباته الجسدية- أيَّ أمل أو تطلع إلى المستقبل. أصبح أحيانًا حارسًا للجبارين، وأحيانًا أخرى متسوِّلاً على الطراز الحديث، أو متلوّيًا في قبضة الفقر والحاجة، أو في حالة يُرثى لها من الجهل والتعصب.
هذا توصيف دقيق لواقع العالم الإسلامي للعالم المجدد محمد فتح الله كولن لا تحتاج إلى إيضاح أكثر وفي غنى عن أي تعليق.
وفي رأيي إذا أردنا إعادة الإحياء لعالمنا ونهضة حقيقية أول الطريق لذلك هو بناء قلب وعقل جديدين، هذا لا بد أن يكون أساس التغير ونقطة الانطلاق وقبل أي شيء آخر من قيام بأي نوع من عبادات أو طقوس دينية، نحتاج إلى قلب حي، أساسه الرحمة، وبنيانه قائم على الحب، وتعامله مع الغير من منطلق أن يحب الإنسان للغير ما يحب لنفسه. قلوبا ليس فيها غل ولا حقد ولا حسد ولا كره ولا غيرها من أمراض القلوب تجاه أحد. قلوب تربت على الجمال والنقاء.
إننا نحتاج إلى عقل جديد، عقل أساسه التفكير
والتفكير فريضة إسلامية من قبيل فرض العين الواجب على كل مسلم القيام بها.وفي هذا الشأن كتب المفكر الأستاذ عباس محمود العقاد كتابا بعنوان التفكير فريضة إسلامية.
نحتاج إلى عقل جديد يتعامل في عباداته من منطلق فقه الأولويات.
يذكر المفكر الدكتور مصطفى سرتش مفتي البوسنة السابق، حينما كانت تعاني جمهورية البوسنة والهرسك من حرب قاسية مروعة في النصف الأول من التسعينات، وفي وسط وقوع آلاف القتلى والجرحى وحالات الاغتصاب والدمار جاء للدكتور سرتش شاب مسلم يساله قائلا أي طول مناسب شرعا لإطلاق اللحية، فرد عليه في انزعاج تام قائلا: إذا أردت أن تحافظ على لحيتك فاحمِ رأسك أولا.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوجد مسلم يحب الله، ويفهم مضمون خطابه للبشر، وأساس بعثة النبي محمد صلي الله عليه وسلم إنها تتلخص في إتمام الأخلاق، ويقوم بالحج وجاره أو أخيه جائعا او مقيدا في السجن لدين لا يستطيع سداده أو ملقى في الشارع عاريا بلا مأوى أو مأكل.
أو يتم التفكير في بناء المساجد على أحدث الطراز المعماري والأمة تحتاج لبناء المدارس والجامعات.
إنني أرى أن الاستطاعة وتوفر القدرة المالية للمسلم ليست مرتبطة بشخصه وذاته وإنما مرتبطة بالأمة الإنسانية
عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله:
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
أن نفهم جيدا أن العمل ينبغي أن يكون أساس حياة الأفراد والمجتمعات، وهو الأساس لتغير حالنا وإصلاح مجتمعاتنا،
فالعمل العمل العمل .
إن الحاجة ملحة لأن نفهم أن قيمتنا ومكانتنا بين الأمم وقبلها عند الله
ليست من منطلق كثرة العدد وإنما بمدى قدرتنا على الإنتاج والعمل ومستوى أخلاقنا ودرجة رقينا.
نحن نحتاج أن ندرك مدى حاجتنا إلى حماية حرية الفكر والمعتقد ولا حجة مقبولة في الانتقاص أو الحد من أيهما بأي حجة أو علة.
أتذكر هنا مقولة الفيلسوف الفرنسي فولتير حيث قال إن الرقي إذا طرق باب أمة نظر ما إذا كان لديها حرية فكر أم لا فإذا وجد أن لديها حرية فكر دخل وإذا لم يجد حرية الفكر أبى الدخول.
إننا نحتاج أن ندرك أن الانتماء الأول هو انتمائنا للأمة الإنسانية.
لا نجد غضاضة ولا نحمل في قلوبنا شيئا ممن لا يدينون بديننا، لا نحكم عليهم في دنياهم أو آخرتهم، نترك ذلك لمالك الملك الذي لا شريك له ولا نائب ولا وكيل وهو وحده مالك يوم الدين.
وختاماً أهنئ أشقائنا المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد.
عاشت الأمة الإنسانية بكل حب وخير