بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)ـــ كان أبو أركان معبًأ بالمفاجآت الصادمة المخيفة التي لا تكاد تنتهي أبدا. وعندما واجهته بهذا، ضحك قائلا: لم آت بشىء من عندي يا أستاذ، ولكنه بعض مما أعرف، ولا أقصد إفزاعك أو بث الخوف في قلبك، ولكني فقط أشاركك بقدر ما أحسك -كمصري- قريبا مني كعراقي.
لم أعلق، ولكني لاحظت خلال الأسابيع التالية أن أركان إبن جارنا وصديقنا غير موجود، فسألت أبو أركان عن ولده وعن مكانه، فعاد أبو أركان إالى مفاجآته المستمرة وقال: أستاذ، أركان تزوج. سكت الرجل قليلا احتراما للدهشة التي ظهرت على وجهي، ثم عاد إلى الحديث مرة أخرى مؤكدا على أن ابنه أركان قد تزوج. فسألت الرجل في استغراب : ولكن أركان في السادسة عشرة او الخامسة عشرة، فهل يعقل ؟ قال أبو أركان نعم يعقل، لقد تزوج والحمد لله.
باركت لأبي أركان ولأركان الغائب وأنا أحدث نفسي مبتسما بأن مفاجأة تلك المرة كانت سعيدة على كل حال ولا تشمل مقتل أحد أو اختفاء أحد.
كانت وتيرة الحياة تصبح أكثر اعتيادا بالنسبة لي كل يوم -رغم ما أسمعه وأنا أراه أحيانا من ظروف غريبة أو مخيفة – ذلك أن التعايش مع الإخوة العراقيين سهل والتآلف معهم مهمة يسيرة، خاصة وأنهم مثقفون مشغولون بالقراءة والأدب وبالاطلاع، ويمكن للمرء أن يقضى وقتا ممتعا في جلسات للحوار والنقاش مع الأصدقاء من العراقيين.
والعراق معروف بثرائه الفكري والثقافي المتعدد. كما اعتدت على عملي، وبدأ الروتين يأخذ مجراه في إقامتي بعد عدة أشهر من الحياة والعمل في بغداد.
وكنت أحب بغداد كل يوم أراها فيه قريبة الشبه في طقسها وحياتها من مصر.
كما أسعفني البعض بمدبرة عراقية للبيت، فتاتي المدبرة في الصباح قبل أن أغادر إلى عملي، وترتب البيت وتعد شيئا من طعام في غيابي، ثم تغادر البيت عقب عودتي إلى بيتي عصر اليوم.
فباتت الحياة أسهل أافضل، وإن لم تخل من مخاوف ومنغصات غريبة، فبينما كنت في بيتي يوما وقبل أن تغادر مدبرة البيت، التفتت إلى وقالت : عليك أن تكون حذرا بعض الشىء يا أستاذ، استغربت وسألتها عما تعني بتحذيرها، فقالت: كل البيوت العراقية التي حولك تراك جيدا وتتابعك بنظارات الميدان المتوفرة لدى الكل.
استغربت حقا لهذه الملاحظة أو التحذير، وإن لم يعن لي كثيرا، لأنه لم يوجد لدي ما أخفيه في بيتي أو في تصرفاتي، ولكن في الحقيقة أنه لشىء مزعج أن تعلم أن جيرانك يتابعونك بنظارات الميدان وأن حياتك وبيتك مسرح للفرجة من قبل عشاق التلصص على الناس.
تجاهلت تحذير مدبرة المنزل، ومضيت أوضب بعض الوسائل لممارسة الرياضة قليلا على سطح بيتي، وذلك باستخدام بعض الأدوات البسيطة التي استعرت بعضا منها من جيراني أصحاب البيت.
وبينما كنت أمارس رياضتي في يوم ما، فوجئت بأحد أبناء جيراني يطل على من نافذة في جدار مشترك بين بيتي وبيتهم قائلا: إنك تمارس الرياضة فعلا كما قلت لنا يا استاذ. لقد كنا نتابعك خلال الفترة الماضية، ورأينا كيف أنك صادق فيما تقول. فعلت الدهشة وجهي، ولم أجد ما أقول، ولكني أدركت أن الشك سيد الموقف في تلك الظروف في بغداد.
–