جوكهان باجيك
يقول رجل الأعمال: “إنني أتابع حاليا إحدى المناقصات فإن اعترضتُ سأخسر هذا العمل”.
ويقول الموظف: إذا انتقدتُ الحكومة كثيرا فسيضطرب أمر ترقيتي في الوظيفة وربما أتعرض للنفي.
وتقول ربة المنزل: حذار يا ولدي.. لا تتدخل في الأمور الخطيرة عد إلى البيت مباشرة بعد إنهاء عملك فورا.
يقول الإمام في الجامع: إذا قرأت بالخطأ آية تتحدث عن الفساد قد يهدمون قبة الجامع على رأسي.
يقول عضو هيئة التدريس: إنها فترة مضطربة والأفضل هو عدم الظهور أمام الأنظار في وسط اختلط فيه الحابل بالنابل.
يقول الفنان: إننا نحصل على أموال لا بأس بها من الحفلات الشعبية التي تقيمها البلديات فهل أحرم نفسي من هذا الكسب بمعارضتي على الحزب الحاكم؟
ويقول سائق الحفارة في البلدية: فاز الرئيس في الانتخابات للتو فإن اعترضت الآن فسوف أحرم من قوت يومي لمدة ثلاث سنوات.
ويقول رئيس غرفة التجارة: لقد تم انتخابي حديثا فعلي أن أحافظ على كرسيي في هذا المنصب. وهو إما لايظهر أمام العامة كثيرا وإما يقول إذا ظهر أمام الناس: “إن العمل جيد فالمجتهد هو الذي يكسب” ويقضي وقته هكذا.
فماذا إذن؟
كيف ستسود الديمقراطية في هذا البلد؟
ومن الذي سيأتي بالديمقراطية إلى البلاد؟
كتب العالم مارتين ليبسيت قبل سنوات عديدة مقالا وأوضح فيه أنه يجب توفر بعض العوامل الاجتماعية لتحقيق الديمقراطية.
فلا يمكن تحقيق الديمقراطية بعبارات منمقة مثل: نحن قوم شجعان، ونحن شعب عريق، وأمتنا صاحبة علم وعرفان واشتهرت بإكرام الضيف.
يقول ليبست: “لا يمكن تحقيق ذلك، من خلال مدح الذات”. الديمقراطية تحتاج إلى بعض المكاسب العرفانية المتعلقة بالتعليم والاقتصاد وغيرهما من المجالات.
لقد تم اقتحام مبنى جريدة” زمان” واعتقال رئيس تحريرها أكرم دومانلي لأسباب سياسية كما يعلم الجميع وقد زُجَّ به لساعات طويلة تحت المراقبة الأمنية.
فمن الناس من يقول: “فليتذكروا مافعلوه من الأخطاء في الماضي وإنما هم يعانون مثلما عانى الناس من قبل”.
حسنا اجلسوا الآن على كراسيكم في بيوتكم، وشاهدوا في التليفزيون لمعرفة آخر الأحداث.
واثلجوا صدوركم بقولكم في أنفسكم: “إنهم يذوقون ما كانوا يصنعون في الماضي”.
ولاحظوا مفتشي الضرائب الذين يذهبون إلى المحال التجارية لتفتيشها وتغريمها لأن أصحابها يُعرفون بأنهم مقربون من حركة الخدمة.
ولاحظوا الموظفين الذين يتم نفيهم من مكان إلى آخر لأنهم مقربون من حركة الخدمة.
ولاحظوا المراسلين الذين يتم منعهم من دخول الاجتماعات لأنهم مقربون من حركة الخدمة.
ولاحظوا الإهانات التي يوجهها السياسي لحركة الخدمة على مدار الساعة.
لكن يجب في نهاية المطاف أن تقولوا براحة ضمير: هؤلاء أيضًا عانوا.
فراحة الضمير هذه ضرورية لترسيخ الديمقراطية ومستقبلها في البلاد وليس من أجل حركة الخدمة. لأن عدم راحة الضمير عند الناس بعضهم تجاه بعض يحول دون ظهور الشجاعة التي تحتاج إليها الديمقراطية في بلادنا. ولذلك يجب أن يحظى الجميع براحة الضمير ويتخلص من الضغائن تجاه بعضهم حتى لا يعاني بلدنا من المشاجرات التي لا جدوى منها أكثر مما يعانيها الآن.
لا بد من الشجاعة ولو بأدنى قدرها من أجل ترسيخ الديمقراطية.
فالكثير من الاجتماعيين والليبراليين والمتدينين قد ذكروا ذلك القدر الأدنى من الشجاعة أحيانا. وهو ببساطة ووضوح: أن يقول كل واحد منا” يمكن لي أن أعيش بلاخبز ولكن لا يمكن لي أن أعيش بلاحرية”
وفي حال قراءتها من العكس فإذا خفت وقلت: “أنا لا أريد أن أفقد خبزي” فلن تكون هناك ديمقراطية.
وإذا قلتَ: مالي وهذا الصراع؟ فأنا أعيش مرتاحا هنا فلن تكون هناك ديمقراطية.
ولايمكن أن تتطور الديمقراطية في بلد يخاف فيه رجال الأعمال والصحفيون والموظفون على فقدان مناقصاتهم ومناصبهم وأعمالهم.
ولذلك فإن الديمقراطية تتعلق بقدر معين من الشجاعة أيضا.
إذا لم نتشجع مع الأخذ بعين الاعتبار البقاء بلاخبز فلن تكون هناك ديمقراطية.
وعلى السلبيين الذين يخافون على خبزهم ألا ينسوا أن المكان الذي لاتوجد فيه ديمقراطية سيصغر فيه أولا وقبل كل شيء حجم رغيف الخبز أكثر فأكثر.
لاداعي للاستعجال أبدا. فالمرحلة القادمة ستصبح فيها تركيا كفصل دراسي وسوف نرى ونتعلم كيف يكون دفع ثمن عدم الاكتراث بالديمقراطية والشعب كله سيتعلم ذلك من الأستاذ وهو التاريخ.