بقلم: هيثم السحماوي
إن الحرف بمحدوديته ذكـر واللغة بشمـــولها أنثى
والحب بضيق مساحته ذكـر والمحبة بشمولها أنثى
والسجن بضيق مساحته ذكر والحرية بفضائها أنثى
والبرد بلســــــعته ذكــــــــر والحرارة بدفئـــها أنثى
والجـــهـل بكـل خيبـاته ذكــر والمعرفة بعمــقها أنثى
والفقـر بكـل معانـاتـــه ذكــر والرفاهية بدلالها أنثى
والجحـــيم بنـــــاره ذكـــــر والجنة بنعيمهــــا أنثى
والظلم بحوشيتـه ذكــــــــــر والعدالـة بمميزاتها أنثى
والتخلف برجعتيـه ذكـــــــر والحضارة برقيهـــا أنثى
والمــرض بــذلـــه ذكــــــر والصحــة بعافيتها أنثى
والمـوت بحقــيــقــته ذكـــر والحيـــاة بألوانهــا أنثى
هذا ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي مبينا انحياز اللغة العربية لتاء التأنيث.
فبادئ ذي بدء في مارس شهر المرأة تحية لتاء التأنيث ولكل أنثى، فكل عام وأنتن بكل خير وحب وسعادة ونجاح سيداتي الفُضليات.
ثم رجوعا إلى عنوان المقال
فأولا: فيما يتعلق بالمرأة والدين:
فبداية أستأذن القارئ الفاضل أن أُحرر محل النزاع في المسألة بمعنى النظر في موضع الاختلاف بالتحديد، ففيما يتعلق بالدين فهو عبارة عن جزئين هما النص الديني، وتفسيره أو مفهومه.
أما فيما يتعلق بالنص فلا خلاف في أن النص الديني الصحيح دعا إلى المساواة بين الرجل والمرأة ووضع العمل كمعيار وحيد لتفضيل أحدهما على الآخر، وذلك لأن الدين إنما جاء لإسعاد الناس وتنظيم حياتهم وليس تفضيل أحدهما على الآخر، ونموذجا في ذلك الدين الإسلامي باعتباره خاتم الأديان.
ففي دستور المسلمين وهو القرآن الكريم المبدأ واضح في الآية الثالثة عشر من سورة الحجرات بقوله تعال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)).
وفي السنة النبوية الشريفة النص على ذات المبدأ بوضوح فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(النساء شقائق الرجال لهُن مثلُ الذي عليهن بالمعروف).
أما فيما يتعلق بمفهوم النص فهذا ما حدثت فيه المشكلة، ففي النصوص الدينية التي تحتاج إلى تفسير، من منطلق ميول معينة للبعض فسروا النص الديني بعيدا عن روح الدين وعدالته، هذا من جانب المفسر للنص، ومن الجانب الآخر وهو جانب المتلقي فلقد فهم البعض النص بضيق اُفق وأنها تفضيل للذكر على الأنثى، بعيدا عن الفهم الصحيح لغاية الدين وجوهر رسالته.
وللتوضيح أذكر هنا مثالا:
في مسألة الميراث في الإسلام فلقد ادعى البعض بأن الله قد فضل الذكر على الأنثى بتقرير مضاعفة الحق للرجل ضعف نصيب الأنثى، وهو الأمر الذي لم يحدث ولا يمكن أن يحدث، فعندما ندقق النظر في النصوص الواردة في هذه المسألة نجد أن معيار التفاوت وتوزيع التركة هنا لا علاقة له بجنس الوارث وإنما المعايير التي بني عليها تُوزع التركة هي:
1- درجة القرابة: بمعنى أنه كلما كانت درجة القرابة أكثر كان نصيب الوارث أكثر.
2- موقع الجيل الوارث: فكلما كان الجيل الوارث صغيرا في السن كان نصيبه أكثر .
وإنما الحالة الوحيدة التي يُطبق فيها قوله تعالى:
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ)
عندما تتوافر الحالتان المذكورتان ويكون معيار التفاضل فقط هو العبء المادي، وهنا يُقرر مضاعفة حق الذكر لأنه مكلف بالإنفاق على الأنثى سواء كان أبا أم زوجا، كما ذكر المفكر الدكتور محمد عمارة رحمه الله.
وفي الديانة المسيحية اعتبرت أن المرأة والرجل جسد واحد لا تفضيل لأحدهما على الآخر وإنما مساواة تامة في كامل الحقوق والواجبات.
ثانيا: فيما يتعلق بالمرأة والقانون:
فالقانون بصفة عامة عبارة عن القواعد العامة المجردة التي تُنظم سلوك الأفراد داخل المجتمع وتكون مصحوبة بجزاء يُوقع على من يخالفها. فأي قاعدة قانونية لابد أن تتصف بالعمومية والتجريد، ومن ثم لا يتصور بأي حال من الأحوال وجود نص قانوني يُميز أحد الجنسين على الآخر .
والقانون الدولي أكد في أكثر من موضع على مبدأ المساواة بين الجنسين ومن ثم ينبغي أن تأتي الدساتير والقوانين الوطنية متوافقة مع هذا المبدأ ولا يشوبها أي تمييز يكون على أساس الجنس.
ففي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 وتحديدا في المادة الثانية منه النص على أن لكل إنسان الحق في التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في الإعلان، دونما تمييز من أي نوع ولا سيما التمييز على أساس الجنس.
ولقد أصدرت الأمم المتحدة العديد من الاعلانات والتوصيات في مجال حقوق المرأة وتولت عقد العديد من الاتفاقيات في هذا الخصوص كالاتفاقية الدولية الخاصة والمنظمة لحقوق المرأة المعقودة عام 1979. واتفاقية الحقوق السياسية للمرأة المعقودة عام 1952 وغيرهما الكثير من الاتفاقيات والإعلانات والتوصيات الأخرى التي أتمنى أن نصل من العدالة والرقي إلى عدم الاحتياج لها لتقرير حقوق النساء في جميع أنحاء العالم، وإنما يعاملن بشكل عادي ومتساوٍ مع الذكور، ويكون المعيار دوما للتفضيل هو العمل والكفاءة واختلاف المركز القانوني للأشخاص، لأن الحق يقرر للضعيف والنساء لسن ضعفاء وإنما الواقع الذي نعيشه يشهد لهن فمعظم من تتولي منهن القيادة أو المسؤولية عن عمل معين تثبت جدارتها وأحقيتها له، وفي أحيان كثيرة تتميز على زملائها من الرجال.
وما أتمناه وما يجب أن يكون هو أن تمتثل جميع الدساتير والقوانين الوطنية والتطبيقات العملية في كل بلدان العالم مبدأ المساواة بين الجنسين وعدم التمييز.
عودة للتهنئة فتحية مائة مرة لتاء التأنيث ولكل أنثى، فكل عام وأنتن بكل خير وحب وسعادة ونجاح.
لقد استعجلتم قدوم الربيع بعيدكن سيداتي الفضليات.
دامت حياتكم نورها العلم وقوامها الحب
هيثم السحماوي باحث مصري في القانون الدولي