بقلم: ماهر المهدي
كان لي الحظ – قبل 15 عاما تقريبا – أن أزور العراق الشقيق وأن أقيم فيه لبضعة أشهر قاربت على العام . كان ذلك تحديدا في شهر يناير من عام 2005 .. وقد صادف قراري بالسفر إلى العراق حينها استغرابا قويا لدى البعض – لما كان الإعلام يعج به من أخبار بعضها مريب الخطورة عن العراق. حتى ليخيل إليك أن ما كان يحدث في العراق حينها لا يحدث في الأرض، ولكن يحدث في عمل من أعمال السينما أو روايات الحركة، ولما الإعلام يمتلئ بما هو حقيقي واقع احيانا، ويمتلىء بما هو إفك ومحض اختلاق أحيانا، فقد آثرت المضي قدما في رحلتي دون كثير من تردد. وكنت أعاجل من يستغرب رحلتي إلى العراق بالسؤال: ألا يقيم بالعراق شعب كبير من ملايين البشر من الوطنيين ومن ضيوف البلد؟ بلى .. ولما كانت الإجابة بالإيجاب منتظرة، كنت أتبع السؤال بسؤال آخر؛ فكيف يعيش هؤلاء البشر جميعا، لو أن ما نراه في وسائل الإعلام المختلفة ليس بتهويل ولا بمزايدة اذا؟ ولم يكن لدى أحد ممن صادقت حينها من المستغربين لفكرة السفر إلى العراق رد على تساؤلاتي المضادة لتساؤلات الاستغراب التي طرحوها على، فكانوا يلوذون بالصمت متمنيين لى التوفيق.
فقط كان من بين من قابلت قبل سفري إلى العراق ضابط متقاعد بالمعاش، وكان طيبا تملؤ عينيه نظرة عميقة كآفاق منظر في صحراء بلا حدود. فلما أكملت حديثي، قال مشجعا: توكل على الله يا بني، ولا تهب خطرا، فكل شىء نصيب. وسكت برهة قبل أن يعاود الحديث معي قائلا: أذكر حينما كنت في حرب أكتوبر عام 1973وقائعا لغارات كنا نلقي فيها بانفسنا على الأرض، أنا ورفاق آخرون، وينهض منا سليما من ينهض ويستشهد منا من يستشهد. فامض إلى طريقك لا يمنعك شىء وعد موفقا مظفرا.
اقتربت الطائرة من مطار بغداد الدولي روريدا رويدا حتى تراء مهبط الطائرة جليا للعيان وقد آذن النهار على الرحيل واقتربت ساعة المغرب، ولكن الناظر إلى مهبط الطائرة ، لم تكن عيناه لتخطىء ما تراه من ثقوب أو حفر كبيرة متناثرة على خد المهبط . ويحار المرء في هذه الثقوب أو الحفر للوهلة الأولى ويحار في أسباب وجودها حيث لا ينبغي أن تكون موجودة.
هبطت الطائرة بسلام الله في مطار بغداد الدولي وراح الجميع يتحرك في اتجاه سيور الأمتعة ثم جوازات المطار.. فكان موظفو المطار من العراقيين لطفاء ودودين يعملون في ظروف صعبة ولكنهم ينجزون مهامهم ويتعاونون مع السائل، وأن كانت نبرة صوتهم لا تخلو من ألم وحزن وانكسار.
تحصلت على أمتعتي التي صحبتها معي لتعينني في رحلتي بعد قليل من العناء، إذ كانت الطائرة صغيرة وعاقها حجمها عن اصطحاب كافة أمتعة الركاب، فتركت بعضا منها خلفها، فثار غضب البعض وحدث قليل من اضطراب لم يدم طويلا بفضل مرونة ولين مسؤولي المطار من العراقيين ولطفهم. وكان من اليسير أن يلمح المرء بعضا من أفراد أجانب مسلحين هنا وهناك دون كثرة أو ضحيج.
–