بقلم : حامد أوغلو
انقرة (زمان التركية)ــ يصر أردوغان على سياساته التوسعية الخارجية من خلال التمدد العسكري أو الغزو الاقتصادي أو الثقافي إما طمعًا في كسب مكانة دولية كبرى من خلال الهيمنة على السياسة الخارجية لهذه الدول أو الرغبة في السيطرة على مفاصل الدول في إقليم الشرق الأوسط عبر السيطرة على الثروات الطبيعية أو الاقتصاد والتجارة والتعليم والاستثمارات. وهذا عائد إلى نزعة الزعامة لدى أردوغان.
ولا شك أن أنقرة حققت نهضة اقتصادية بمساندة أوروبية خاصة بعد بدء التفاوض التركي الأوروبي حول التحاق أنقرة بالاتحاد الأوروبي والذي بدأ عام 2005، وخلال 10 سنوات مضت، وكانت تستهدف أوروبا تقليل الهجرة التركية لأوروبا عبر تحديث تركيا للعمل على نهضتها من خلال الاقتصاد والاستثمار. ونجحت بالفعل في تقليل موجات الهجرة واللجوء التركية إلى أوروبا ولكن بعد اليأس التركي من الانضمام للاتحاد الأوروبي بدأت الاستدارة الاستراتيجية لأردوغان نحو العالم العربي مستغلا ضعف الأنظمة العربية وصعود نجم جماعات الإسلام السياسي بعد الربيع العرابي أملا في استغلالهم من أجل السيطرة على الاقتصاد والقرار الاستراتيجي لهذه الدول. وتجلى ذلك في التدخل التركي في سوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان، واستفزاز القاهرة عقب رحيل الإخوان بعد 30 من يونيو.
إن حديث الرئيس التركي رجب أردوغان عن الثروات النفطية في الدول والهوس بالاستحواذ عليها أصبح أمرا مكررا ومفضوحا للجميع. تحدث أردوغان عن أن تركيا غير طامعة في النفط السوري، ثم بعد فترة أن تركيا خرجت خالية الوفاض من سوريا ولم تحصل على النفط السوري، ثم اتفاقه مع الليبيين على التنقيب في شرق المتوسط خاصة في سواحل ليبيا خاصة بعد ترسيم الحدود الليبية التركية مع حكومة الوفاق والذي لاقى رفضا دوليا وإقليميا واسعا وأصبح التنقيب التركي في شرق المتوسط أو غربه مستحيلا، تحول أن الحفار “يافوز والفاتح” سينقبون عن ثروات دولة الصومال في البحر الأحمر بعد أن طلبت الصومال من تركيا بالتنقيب في مياهها الإقليمية وفقا لتصريحات الرئيس التركي.
أولا: طبيعة العلاقات التركية الصومالية
وعلينا أن نسال هل طبيعة العلاقات التركية الصومالية تسمح بذلك؟ الإجابة نعم؛ لأن تركيا استغلت هشاشة النظام السياسي في الصومال نتيجة الحرب الأهلية التي اندلعت من التسعينيات من القرن الماضي لتعظيم نفوذها في ذاك البلد الذي لديه موقع استراتيجي ولغياب الدور العربي أو خفوته في الألفية الجديدة وانشغال الدول العربية بقضايا أخرى مثل احتلال العراق وتفاقم الأزمة الفلسطينية كانت فرصة سانحة لتركيا لدخول الصومال وأن يكون لديها تموضع جيو استراتيجي في هذا البلد.
نطلقت العلاقات التركية الصومالية بشكل قوي وفعال مع بداية عام 2011 عندما قرر الرئيس التركي أنذاك زيارة العاصمة مقديشو في زيارة وصفت بالتاريخية وكانت الصومال البداية الأردوغانية لمشروعه السياسي في العالم العربي عبر دغدغة العواطف السياسية والتجارة بالأزمات الإنسانية، خاصة أن حكومة مقديشو في ذلك الوقت موالية لتيارات الإسلام السياسي، وبدأت تركيا بدعم الصومال سياسيا وعسكريا واقتصاديا وإغاثيا في منطقة استراتيجية جاذبة للقواعد العسكرية من دول عظمي روسيا والصين والولايات المتحدة وإيران عبر الحوثي في اليمن. لأن مضيق باب المندب ومنطقة القرن الأفريقي منطقة استراتيجية قوية، حيث أسست تركيا قاعدتها العسكرية في الصومال في ،2017 وهي نفس السنة التى اختارت جزيرة سواكن السودانية لتحويلها لقاعدة عسكرية على البحر الأحمر وكأنه عام التمدد التركي في القارة الأفريقية وتم اتخاذ السودان والصومال كمحطة استراتيجية لتركيا لغزو أفريقيا سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
طبيعة الدور التركي في الصومال
حزب العدالة والتنمية أخذ على عاتقه بناء الصومال وأيضا تدريب القوات العسكرية وقوى الأمن الداخلي بهدف استعادة شعب دولة الصومال زمام الأمور وبناء دولتهم مستقبلا، وذلك من خلال دعم الحكومة المركزية في مقديشو ولعب دور الوساطة بين الحكومة المركزية والانفصاليين في الصومال، أخذت تركيا من الصومال حقل تجارب لتنفيذ أجندتها السياسية المستقبلية فاستاطعت تركيا كيفية التعامل مع الحرب الأهلية في الصومال التي ستكرر التجربة بشكل أو بآخر في الأزمة السورية التي اندلعت في 2011 وتنوعت المساعدات التركية من خلال:
1- إعادة تأهيل مطار مقديشو من خلال الدعم التركي وتسيير ألاف الرحلات السنوية بين مقديشو إسطنبول في خطوة جعلت الصومال تعود للتواصل مع العالم مرة أخرى.
2- دعم المؤسسات الإنسانية التركية الصومال من خلال المعدات الطبية والمستشفيات الميدانية والأطباء الأكفاء خاصة في ظل وجود جماعات إرهابية عدة تستهدف الصومال مثل حركة الشباب الصوالي.
3- حفر الآبار المائية وتوفير المياه لأكثر من 126 ألف مواطن في بلد يعاني من الجفاف من خلال الوكالة الإغاثية “تيكا” والتى أساسها أردوغان لكي تكون قوى ناعمة لتركيا في إغاثة الدول وقت الأزمات.
4- فتح مدارس زراعة وفلاحة من أجل مساعدة الزراع في الصومال على تنمية البيئة الزراعية في بلادهم وأن تكون سلة غذائية بديلة لتركيا وشرائها بأسعار تفضيلية لرجال الأعمال الأتراك.
ثانيا: أنماط الدعم السياسي والدبلوماسي التركي
استطاعت أنقرة إحياء الأزمة الصومالية وإعادتها إلى المحافل الدولية وأن تضع أوراق الأزمة على طاولة المنظمات الإنسانية، وذلك عبر الدبلوماسية التركية والتذكير بالقضية الصومالية في المحافل الدولية والعربية والإسلامية. وجاء الدعم التركي عبر المؤتمرات الدولية السياسية والاقتصادية والتنموية والإنسانية وتجلى ذلك في عدة نقاط:
1- استضافة تركيا مؤتمرا إنسانيا لدعم السلام والتنمية في الصومال في مايو 2010 حضره أكثر من 55 دولة بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة 54 رئيسا ورئيس وزراء، جاء ذلك بالتوازي مع عملية السلام التي تقودها واشنطن مع الفصائل الصومالية في دولة جيبوتي.
2- زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان التاريخية إلى الصومال كأول زعيم غير إفريقي يزور مقديشو منذ أكثر من عقدين وقام بافتتاح السفارة التركية في الصومال.
3- وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أزمة المجاعة والجفاف في الصومال بأنها عار على الإنسانية وذلك أثناء إلقاء كلمته من على منصة الأمم المتحدة في عام 2011.
4- استقبال رئيس الجمهورية عبد الله جول رئيس الوزراء في الحكومة المركزية الصومالية حسن شيخ محمود وذلك في أبريل 2013 وتناول اللقاء تعزيز دور الوساطة التركية بين الفرقاء الصوماليين وذلك من أجل تسوية النزاع وخلق بيئة ملائمة للحوار وذلك من خلال استضافة إسطنبول لتلك الجولات التفاوضية وكان آخرها في ربيع عام 2014.
5- قدمت تركيا بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي (228 مليون ليرة) ما يقدر بـ5 ملايين دولار أمريكي من أجل القضاء على المجاعة والجفاف في الصومال.
6- عقد مؤتمر آخر حول دعم وتنمية الصومال بعنوان: المستقبل والأهداف والمستهدف حتى عام 2015، وعقد أيضا في تركيا في يونيو 2012، وكان هذا المؤتمر استكمالا للمؤتمر الأول الذي عقد في عام 2010.
7- كما أصبحت الصومال هي عين تركيا في الجامعة العربية من خلال دعم القرارات أو رفع الفيتو أمام القرارات التى تتعارض مع مصالح تركيا من خلال تعطيل عمل منظمة إقليمية دولية مثل الجامعة العربية.
8- الاستحواذ على موانئ ومشاريع البنى التحتية للدولة الصومالية بمساعدة الدوحة مع محاولات عزل أي دور عربي في الصومال في مقابل تقوية شوكة تيار الإسلام السياسي ومناصريه كما فعل في ليبيا وسوريا و مصر.
9- أخيرا أعلن الرئيس التركي أن الصومال قررت منح تركيا حق التنقيب عن الثروات الطبيعية في ساحل الصومال في البحر الأحمر في تتويج للدور التركي وأهدافه من الأساس، الطمع في ثروات الصومال كما ظهر في طبيعة الدور التركي في سوريا وليبيا وأخيرا الصومال الطمع في الثروات الطبيعة وتطويع وإخضاع قرار الدولة التركية.
ثالثا: أسباب وتداعيات التدخل التركي في القرن الأفريقي:
كما ذكرنا أن التواجد التركي في منطقة القرن الأفريقي هدفه مزاحمة الأدوار الإقليمية العربية والإسرائيلية والإيرانية والأدوار الدولية للصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتعتبر الصومال الحلقة الأضعف في دول شرق أفريقيا حيث أريتريا والصومال وجيبوتي وإثيوبيا
إن عمليات التنقيب عن النفط في الصومال ستزيد الطين بلة وتجعل الإقليم أكثر توترًا لأن الصومال لم يهنأ بالاستقرار بعد مازال لديه مشكلات أمنية وسياسية واقتصادية ويقع في منطقة حيوية في العالم والتواجد التركي عبر التنقيب والحماية العسكرية التركية قد يتولد من عمليات إرهابية من جماعات إرهابية في الصومال أو اليمن متعشطة للمال قد تنفذ عمليات إرهابية ضد تركيا. وتجلى ذلك في الضربة الإرهابية لحركة الشباب الصومالي ضد التواجد التركي في مدينة أفجوي من خلال سيارة ملغومة والذي استهدف مجموعة من المهندسين الأتراك. قد يتكرر هذا الأمر عبر عمليات بحرية ضد التواجد التركي بهدف التنقيب عن النفط.
الأسباب
(أ): أن يكون لتركيا موطئ قدم في هذه المنطقة الاستراتيجية والتي يمر منها النفط والتجارة الدولية والسيطرة على الموانئ في هذا البلد مؤثر للغاية، دول الخليج إلى أوروبا عبر مضيق باب المندب وقناة السويس.
(ب): بهدف مواجهة النفوذ العربي في هذه المنطقة الاستراتيجية خاصة بعد اندلاع حرب اليمن في 2015 وحدوث صراع سعودي إيراني على شواطئ اليمن فأردات تركيا أن يكون لها دور في هذه المنطقة والتي تستثمر فيه منذ 2011 من أجل محاصرة النفوذ العربي من خلال القاعدة العسكرية في الصومال والتى أسست في 2017، حيث يتنافس على المنطقة كل من الصين والولايات المتحدة وفرنسا والتي لكل منهما قاعدة عسكرية في جيبوتي من خلال توقيع اتفاقيات مع الرئيس الجبوتي إبراهيم جيلية، وأيضا كانت جزيرة سواكن في السودان المطلة على البحر الأحمر محاولة لضرب ميناء جدة الاستراتيجي من خلال تأسيس قاعدة عسكرية تركية وميناء تركي لنقل الحجاج كما قال أردوغان في تصريحات عبر الاتفاق مع الخرطوم على تأسيس القاعدة.
(ج): ضرب نفوذ القاهرة التاريخي في هذه المنطقة والضغط عليها من الجنوب من خلال توطيد علاقتها بأثيوبيا في ظل الخلاف المصري الإثيوبي حول سد النهضة مما يعد مكايدة القاهرة واستفزازا لها عبر الغزو الاقتصادي حيث بلغت الاستثمارات التركية في إثيوبيا ثلاث مليارات. وأيضا عبر الغزو التجاري لبلد مستهلك يبلغ عدده 106 ملايين مواطن وأيضا هناك تعاون عسكري تركي أثيوبي ولكن ليس بالكبير، وكانت القاهرة تسيطر على مضيق باب المندب حتى أوائل الثمانيات، كما أن القاهرة كانت تساند دول القرن الأفريقي تاريخيا في أزماتهم ولكن قل نفوذ القاهرة في أواخر عهد مبارك وبعد ثورة يناير 2011.
(د): أن يكون لتركيا نفوذ في هذه المنطقة يمهد لبناء نفوذ كبير في القارة السمراء ووجدنا أن أردوغان يترك في أفريقيا في دول أفريقية عدة مثل نيجيريا والسنغال وجنوب أفريقيا بهدف ضرب نفوذ حركة الخدمة وأتباع الشيخ الجليل فتح الله جولن والتى لديها نفوذ كبير هناك عبر التعليم والعمل الإغاثي والتثقيف الديني وهو ما يريد القضاء أردوغان واستبداله بالمدراس الحكومية التركية في إطار حربه الواضحة على حركة الخدمة والتى يبتز الدول الأفريقية بالعلاقات التجارية والاقتصادية في مقابل ذلك إغلاق أنشطة حركة فتح الله جولن.
تداعيات التدخل التركي في الصومال والقرن الأفريقي
1- إنشاء القاهرة لقاعدة برنيس العسكرية في مياه البحر الأحمر وهي أكبر قاعدة بحرية في أفريقيا ولأول مرة منذ تأسيس الجيش المصري الحديث أن يكون هناك أسطول مصر الجنوبي للدفاع عن مقدرات مصر الاستراتيجية وحدودها وهذه القاعدة موجهة للنفوذ غير العربي المستشري في منطقة القرن الأفريقي.
2- قرار مصر والسعودية بتأسيس الدول المشاطئة لمياه البحر الأحمر في 2019 والذي ضم مصر والسعودية والسودان والصومال وجيبوتي وإريتريا بهدف مواجهة التدخلات غير العربية، منها التدخلات التركية والإيرانية والإسرائيلية، خاصة بعد التدخل التركي في الصومال عبر القاعدة العسكرية. وأيضا قاعدة سواكن في السودان التى أسست في عهد الرئيس الأسبق الرئيس عمر البشير، وأيضا الدور السعودي في إعادة العلاقات الإثيوبية الإريترية من خلال اتفاق سلام بين البلدين.
رابعا: على غرار الصومال لماذا تدخلت تركيا في سوريا وليبيا
بعد اكتشاف الاحتياطات الهائلة للنفط في منطقة شرق المتوسط والتي جاءت بناءًا على دراسات أمريكية أن هذه المنطقة تعوم على بحر من الثروات الطبيعية والتي من الممكن أن يولد صراعا في إقليم حوض البحر المتوسط بين الدول المشاطئة لبعضها البعض. وتأكدت تركيا أنها لن يكون لها نصيب في هذه الثروة بسبب معاهدة لوزان التي قيدت الحدود التركية البحرية بشكل أو بآخر على الرغم من أنها أطول السواحل المطلة على البحر المتوسط. عجز تركيا عن دخول الاتحاد الأوروبي وخلافها التاريخي مع قبرص واحتلالها لشمال جزيرة قبرص في السبعينيات من القرن الماضي، وخلافها أيضا من اليونان وهي عضو مؤثر في الاتحاد الأوروبي وبالتأكيد سيتم تفضيله على تركيا خاصة أن تركيا لا تنسى الاحتلال اليوناني لمدينة إزمير قبيل الاستقلال التركي الذي قاده الزعيم التاريخي لتركيا كمال أتاتورك، وأيضا اليونان لا تنسى إسقاط الدولة البيزنطية على يد القائد محمد الفاتح.
فوجدت تركيا ضالتها في العبث بالأنظمة العربية والعمل على تغييرها تحت راية الديمقراطية والحكم الرشيد من خلال دعم جماعات الإسلام السياسي، خاصة المطلة على البحر المتوسط فبدأت بسوريا ثم ليبيا ثم مصر وتجلى في النهاية أن الهدف مصلحة تركيا وليس مصلحة الدول أو الشعوب العربية وهو ترسيم الحدود البحرية مع تركيا وخلق تحالفات واصطفافات ضد اليونان وقبرص والاتحاد الأوروبي وتكون تركيا هنا تحتمي وتحتضن بالدول التي ذكرت تحت مظلة الوحدة الإسلامية التى يتاجر بها أردوغان دائما في المحافل الدولية حيث ظهر وجه أردوغان الحقيقي وهو الرغبة في السيطرة والزعامة واستعادة الأمجاد العثمانية.
من المؤسف أن تكون تركيا بلدا مسلما طامعا في ثروات العالم العربي المسلم أيضا، بل تفعل كل شيء من أجل اختراق الأنظمة العربية بهدف السيطرة على الدول وتطويع خيراتها لصالح تركيا من خلال تحالفها مع تيارات الإسلام السياسي، ووجدنا الصومال نموذجا لذلك ولكن تجلى خلال السنوات الأخيرة أن الدور التركي دور غير بريء ويسعى لجعل العالم العربي يدور في فلك تركيا.
1- ليبيا:
كانت تركيا عضوًا في تحالف الناتو الذي أسقط حكم القذافي وكان تترقب الفرصة للقفز على الدولة الليبية من أجل تطويع إرادتها لكي تخدم على مصالح أنقرة الاستراتيجية ووصلت لهذا الهدف في النهاية، ففي نوفمبر من العام الماضي وقع أردوغان اتفاقا مثيرا للجدل بين حكومة السراج والحكومة التركية يهدف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وإرسال قوات عسكرية تركية إلى هناك. وهذا الاتفاق المثير للجدل أثار استفزاز الدول العربية وأيضا الاتحاد الأوروبي، وهو باطل وفق القانون الدولي؛ لأن حكومة السراج حكومة غير مكتملة الشرعية وهي حكومة انتقالية إطارية لا أكثر كان هدفها إجراء انتخابات ديمقراطية وهو ما لم يحدث حتى الآن. واتضح من هذا التدخل التركي أن الهدف هو السيطرة على النفط الليبي سواء في الساحل على البحر المتوسط أو في منطقة الهلال النفطي في داخل ليبيا، وهنا يتضح هوس أردوغان بالنفط أو السيطرة على إرادات الدول في جنوب المتوسط بهدف حشدها ضد اليونان وقبرص في ملف غاز المتوسط وهذا اتضح من خلال ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا والذي اقتطع أجزاء كبيرة من المناطق البحرية لليونان لصالح تركيا ومصر والتى مازالت تتفاوض مع أثينا حول طبيعة ترسيم الحدود، وأيضا الهدف التركي كسر العزلة التى فرضت عليها من تلك الدول وضرب أي مشاريع دولية تهدف لتصدير النفط إلى أوروبا.
2- سوريا:
منذ ضعفت قبضة الحكومة السورية على لبحدود الشمالية مع تركيا واتباع أنقرة سياسة الباب المفتوح مع الإرهابيين الذين أمطرت بهم سوريا مما جعلها دولة جاذبة للإرهابيين من أنحاء العالم على غرار أفغانستان في حربها مع السوفيت في الثمانينات من القرن الماضي، استغلت تركيا تلك الفوضى واتجرت بالنفط مع تنظيم الدولة أو التنظيم الإرهابي، ذلك عبر وكلاء لتركيا في سوريا لتسد عجزها من النفط. وهذا ما قالته روسيا بعد أن أسقطت تركيا طائرة روسيا في 2015 وأيضا موثق في الأمم المتحدة أن تركيا وداعش تمتعتا بعلاقات قوية للغاية وتبادلتا الدعم المادي والمعنوي واللوجستي. فداعش ضرب كل الدول إلا تركيا واستخدت تركيا داعش لضرب استقرار سوريا والعراق وتقليم أظافر الأكراد، بل كانت داعش مخلبا لتركيا لضرب خصومها في الإقليم إلى أن ظهر التحالف الدولي لمحاربة داعش في عام 2014.
تركيا التى أخذت على عاتقها تسليح الثورة السورية بهدف محاربة القوات الحكومية التابعة لنظام الرئيس بشار الأسد، وبعد أن تدخلت تركيا في الشمال السوري في ثلاث حروب وهي عملية درع الفرات في أغسطس 2016 وعملية غصن الزيتون في 2018 ونبع السلام في 2019 بحجة محاربة التمدد الكردي في هذه المنطقة. ولكن جوهر التدخل كان السيطرة على آبار النفط السورية في شرق سوريا ولكن الولايات المتحدة في النهاية هي التي فازت بكعكة الغاز في صحراء سوريا، وروسيا وشراكتها العملاقة التى استحوذت على الغاز السوري في ساحل البحر المتوسط بعد أن كان يسعى لسيطرة حكومة سورية موالية لها أيدلوجيا من جماعات الإسلام السياسي فيتمكن من التحكم في النفط السوري في البحر المتوسط تحديدا ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فتركيا خرجت خالية الوفاض من سوريا فلم تتحقق أي من أهدفها هناك سوى تحجيم التواجد الكردي قليلا ولكن لم تحصل على النفط السوري كما كانت تلبي نفسها ولم تزرع الديمقراطية أو تثبت نظاما موال لها في دمشق.
3- إيران:
من أحد الأسباب الجوهرية لهرولة تركيا أردوغان نحو النفط هو عودة إيران للساحة الدولية عقب الاتفاق النووي الذي وقع في عام 2015 بين إيران والقوى الدولية وتركيا تعاني من ملف النفط والمحروقات الذي يلتهم الموازنة التركية، بمعنى أخر تركيا كانت مستفيدة من العقوبات الدولية على إيران لأنها اتبعت معها نظاما للمقايضة في مقابل شراء النفط الإيراني، ولكن بعد الانفراجة الأخيرة لإيران تضررت تركيا لأن إيران طالبت بدفع ثمن النفط بالدولار أو اليورو مما دفع تركيا للبحث عن بدائل أخرى.
ولكن سرعان ما تبخرت أحلام إيران بعد أن أتى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي عقب وصوله لسدة الحكم وإعادة لحزمة العقوبات الدولية بل تشديدها أكثر وأكثر بضرر بالغ على تركيا حيث ألزمت العقوبات الدولية الجديدة تركيا بوقف استيراد النفط الإيراني وإلا واجهت عقوبات أمريكية صارمة ولم تعد أنقرة قادرة على التحايل على العقوبات الدولية كما فعلت في الفترة من عام 2007 إلى عام 2012 وأيضا أصبحت لا تريد أن تغضب إدارة ترامب المتشددة نحو إيران والتى هددت أكثر من مرة بتدمير الاقتصاد التركي عبر تويتر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وسعي أردوغان في أكثر مرة استثناء تركيا من هذه العقوبات ولكنه فشل فأصبح أمام لحظة الحقيقة عليك الاستغناء عن النفط الايراني نهائيا وتوقف عن التحايل وابحث عن بديل، لذا قرر البحث عن بدائل أخرى للنفط الإيراني لذا يشتبك هنا وهناك تارة في سوريا وأخرى في ليبيا وأخرى في الصومال.
خامسا: الخلاصة
إن هوس أردوغان بالزعامة السياسية واستعادة حلم الخلافة العثمانية وتزايد شعوره القومي الشعبوي يجعله يمسك بورقة الإرهاب لابتزاز دول المنطقة ثم أضيف لهوس الزعامة الهوس بالثروات الطبيعية مثل النفط والغاز وأصبح يسخر كل إمكانيات تركيا للسيطرة على الغاز والنفط في المنطقة العربية، فوجدنا أن التدخلات العسكرية في سوريا وليبيا والصومال بهدف استغلال تلك الثروات لصالح تركيا أو بهدف تطويع الدولة من أجل خلق محاور سياسية ودولية تخدم على رؤية أنقرة أجندتها في السياسة الخارجية وتجلي ذلك في ملف غاز المتوسط وأيضا أصبحت الصومال وقطر عين تركيا في الجماعة العربية والناطقين باسمها في الأزمات العربية، مثلما تفعل لبنان والعراق وسوريا في القضايا العربية المهمة فتخدم على الاجندة الايرانية في المنطقة إن غياب دور عربي حقيقي فاعل في المنطقة يسمح بمزيد بالتمدد الغير عربي سواء كان تركيا أو إيرانيا أو اسرائيليا لذا هناك محاولات لبلورة دور عربي من خلال دور مصر والسعودية والامارات والاردن والبحرين بهدف حماية الأمن القومي العربي .
فأردوغان مثل الساحر الذي لا تفرغ ألاعيبه فإذا فشلت ورقة الديمقراطية تظهر ورقة الإسلام السياسي والأخوة والوحدة الإسلامية وإذا فشلت يخرج ورقة الاستثمارات والتبادل التجاري والتنقيب عن النفط وإذا تعذرت فتلك البلاد كان تحت حكم العثمانيين يجب استعادتها بأي طريقة حتى إذا وصلت للغزو فحجج أردوغان لا تنتهي.
–