بقلم : حامد أوغلو
برلين (زمان التركية)ــ فاجأ ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي، الشعب المصري في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي بدعوته القاهرة لطيّ صفحة الخلاف المصري-التركي الممتد منذ 6 سنوات بسبب مواقف تركيا الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين عبر الاستضافة والدعم والتحريض على العنف والتعاون الاستخباراتي بين عناصر الجماعة وتركيا، والذي صمدت مصر في وجهه، وأحبطت كل ألاعيب جماعة الإخوان وأنقرة خلال السنوات الماضية.
قبل أن نسهب في الحديث فمن هو ياسين أقطاي؟ هو أكاديمي تركي وعضو برلماني سابق ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية سابقا ويشغل حاليا منصب مستشار أردوغان للسياسة الخارجية، بل يمكن القول إنه مسئول ملف جماعة الإخوان في العالم العربي، بل اعترف صراحة أن جماعة الإخوان المسلمين هي قوة ناعمة لتركيا في العالم العربي وتستخدم لتعظيم مكاسب تركيا في الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديدا، بل هو أيضا مفتون بجماعات الإسلام السياسي ومنظرهم الفكري سيد قطب، الذي احتفى بالذكرى الـ50 لإعدامه في عام 1966 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بل هو بمثابة رأس حربة تركية ناطقة بالعربية في وجه مصر والعالم العربي. وتجلى ذلك في دوره الواضح في أزمة الصحافي السعودي جمال خاشقجي، خاصة بعد اتصال خطيبته خديجة شانجيز به فور تغيبه في السفارة، وكان له دور بارز في التحريض الإعلامي على المملكة العربية السعودية و تسييس القضية منذ اليوم الأول.
بل هو ايضا، المايسترو الإعلامي للإعلام العربي في تركيا وهو في الأغلب إعلام معارض للانظمة العربية الحالية في ظل وجود قنوات مصرية وليبية وسورية في إسطنبول تحرض على الدول تحت عنوان المعارضة السياسية من أمور تعتبر تحريضا على الإرهاب وتخالف المواثيق الدولية والأوروبية تحديدا الموقعة من قبل تركيا، ناهيك أنه لا ينطق عن الهوى فأي مقال له بالعربية أو بالتركية هو بمثابة شرح لسياسة تركيا الخارجية ومستقبلها، فهو منظر للإسلام السياسي ومشروع الشرق الأوسط الجديد والعثمانية الجديدة ، كأنه يشبه الكاتب المصري الشهير محمد حسنين هيكل في زمن جمال عبد الناصر إبان فترة الستينات.
أولا: فحوى وأسباب المطالبة بالمصالحة
عرض ياسين أقطاي في مقال له في صحيفة يني شفق الناطقة بالعربية المصالحة مع مصر، واصفا إياها أنها “لا تقدر بثمن” في اعتراف النظام الحالي بنظام قوي استطاع أن يزود عن مصالحه بقوة في شرق المتوسط ونسج تحالفات قوية مع قبرص واليونان مما أدى لشعور تركيا بالعزلة الإقليمية وبدأ يستحضر أشياء من التاريخ ليدلل على أهمية تحسين العلاقات التركية المصرية خاصة بعد أن صعد أردوغان فوق الشجرة وبات غير قادر على النزول من عليها بعد انتقاد النظام الحالي، وتعود أسباب هذه التصريحات الوردية إلى رفض كل دول الإقليم الاصطفاف مع تركيا في ملف ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا والتى ترى فيه أنقرة طوق نجاة لها من أجل الحصول على نصيبها من كعكة الغاز.
1- من أسباب المصالحة رفض القاهرة أي دور تركي في الأزمة الليبية، خاصة أن مصر ترى أن ليبيا هي أمن قومي مصري وخط أحمر لا يمكن العبث به مطلقا.
2- خشية القاهرة من استخدام تركيا ورقة الإرهاب في مواجهة مصر عبر تصدير الإرهابيين من ليبيا إلى مصر، خاصة بعد قرار الحكومة التركية إرسال المرتزقة السوريين لدعم حكومة السراج.
3- المناورات العسكرية المصرية في البحر المتوسط والتى أظهرت قوة وقدرة الجيش المصري ومدى كفاءته القتالية في مواجهة أي صراع محتمل في ملف غاز المتوسط، خاصة أن الترسيم الحدودي التركي مع ليبيا مجاور للترسيم الحدودي لمصر في شرق ليبيا، خاصة مناورات قادر 2020 وأيضا قاعدة برنيس العسكرية والتى حضرها الرئيس الأرميني أرمين سركيسيان في إشارة واضحة لأنقرة التى على خلاف تاريخي مع تركيا.
4- أصبحت القاهرة رأس حربة ضاربة لوأد أي تحرك تركي في الإقليم خاصة بعد التكتل المصري القبرصي اليوناني في شرق المتوسط وتشكيل منتدى الغاز في القاهرة. وهذا أخرج تركيا من اللعبة تماما بل أيضا فشلت فكرة محاصرة مصر جنوبا من خلال قاعدة سواطن العسكرية المطلة على البحر الأحمر بعد رحيل نظام الرئيس السوداني عمر البشير ووطدت القاهرة علاقتها بالنظام الجديد.
5- ظهور أصوات داخلية في تركيا من المعارضة التركية الممثلة في حزبي الشعب الجمهوري وحزب الخير التركي ينادي بإعادة العلاقات مع مصر؛ لأنها أقوى الدول العربية والخلاف معها غير مبرر. كما خرج كل من أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان المنشقين حديثا عن حزب العدالة والتنمية الحاكم ليطالبا بإعادة العلاقات مع مصر، خاصة بعد رفض نواب المعارضة التركية الاتفاقية الأمنية بين حكومة الوفاق وحكومة العدالة والتنمية .
6- ظهور نوع من أنواع اليأس السياسي لدى النخب التركية في رحيل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تولى السلطة منذ 2014 خاصة بعد التغريدة الشهيرة لياسين أقطاي التي يعترف فيها بأن المظاهرات الحاصلة في مصر في سبتمبر 2019 الماضي كان هدفها الضغط على النظام الحالي لبدء تفاهمات مع تركيا في شرق الأوسط من خلال ترسيم الحدود المصرية التركية.
7- أيضا إدراك النخب التركية أن مصر أفسدت مخطط العثمانية الجديدة عبر إسقاط حكم الإخوان المسلمين والتي راهنت عليهم بعد الربيع العربي، ولكن خسرت الرهان في ظل الرغبة التركية في تجديد اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ومصر والتى وقعت قبل 15 عاما من الآن وتنتهي في هذا العام.
8- موقف تركيا الأخير بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا خلق نوعا من التعاطف مع النظام المصري، وأظهر نوايا تركيا في محاصرة مصر والتضييق عليها عبر الغرب وبدأت تركيا تدرك أن آلتها الإعلامية لم تعد تجدي نفعا في إقناع العرب بأن تركيا تريد الخير للعرب، خاصة أن المواطن المصري البسيط غير المسيس يرى أن ليبيا عمق استراتيجي لمصر وأن كثيرا من أبناء المصريين كانوا يعملون في ليبيا بالإضافة إلى حالة الوحدة والتكاتف الليبي ضد الغزو التركي إلى ليبيا.
ثانيا : كيف ترى القاهرة مبادرة مستشار أردوغان ياسين أقطاي للمصالحة؟
على مدار السنوات الماضية، وتحديدا قبل اشتعال الأزمة الخليجية بين قطر والسعودية والبحرين والإمارات ومصر ضد سياسات الدوحة في الإقليم، كانت العلاقات التركية المصرية على وشك العودة من البوابة الاقتصادية، ثم تفتح طريقا لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خاصة بعد لقاءات بين وزراء الخارجية، الوزير سامح شكري والوزير مولود جاويش أوغلو على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في أعوام 2015 و2016. وكان الكل يتحدث عن قرب انفراجة في العلاقات بين البلدين ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فدخول تركيا على خط الأزمة الخليجية عطل إمكانية المصالحة الجزئية بين البلدين بل كان بداية لمزيد من التدخلات في المنطقة العربية وشحن الأجواء بين دول الخليج والترك، خاصة أن الخليج لم يقاطع تركيا عقب مواقفها من مصر عقب الإطاحة بحكم الإخوان بعد 30 من يونيو 2013 وبقيت العلاقات ودية بشكل أو بأخر بل كان هناك تسريبات تتحدث عن أن السعودية كانت ستبادر بتقريب وجهات النظر بين البلدين ولكن أتى انحياز أردوغان للدوحة واصطفافها معها إلى توحيد الموقف الخليجي والمصري ضد تركيا وأيضا ضد قطر.
فالقاهرة لديها تحفظات عدة على سياسة تركيا نحوها وفي الإقليم.
(أ): ضرب الاقتصاد الوطني من خلال المضاربة في العملة في الأسواق السوداء للعملة بهدف إظهار سعر حقيقي على عكس الواقع الاقتصادي له من خلال عناصر جماعة الإخوان المسلمين المدعومين من المخابرات التركية، كما قالت وزارة الداخلية المصرية صراحة في أكثر من بيان إخباري أمني.
(ب): التحريض الإعلامي ضد كيان الدولة المصرية من قلب إسطنبول من خلال القنوات الإعلامية هناك عبر مجموعة من الإعلاميين الموالين لجماعة الإخوان، خاصة أن هذه القنوات حرضت على قتل عناصر الجيش والشرطة وأعضاء الهيئات القضائية، واتهامات بالتخوين والتكفير عبر شيوخ موالين لجماعة الإخوان في مشهد مؤسف عانت القاهرة بسبب هذه الممارسات.
(ج): التصريحات السلبية المناهضة لمصر ورئيسها والتى تصدر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي لم يترك مناسبة إلا وانتقد فيها مصر ونظامها السياسي ليس من أجل عيون جماعة الإخوان كما يظن البعض ولكن من أجل كسب التعاطف من الناخبين الأتراك خشية من رحيله بانقلاب عسكري من وجهة نظره، كما حدث مع الرئيس الراحل محمد مرسي في مصر. بمعنى أخر أن ورقة الانقلاب العسكري في مصر كما يزعم هي ورقة سياسية يتاجر بها في الداخل لكسب أصوات انتخابية في انتخابات البرلمان أو المحليات ودلالة ذلك هو تشبيه أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية اسطنبول الحالي، قبل انتخابه، بأنه انقلابي مثل الرئيس المصري فلا تنتخبوه.
(د): التحريض الدبلوماسي دوليا؛ فتركيا لم تترك محفلا دوليا وإلا انتقدت فيه النظام المصري ورئيسه بشكل سافر، وخاصة من على منصة الأمم المتحدة من خلال الخطاب السنوي للرئيس التركي في سبتمبر من كل عام، كما كشف موقع نورداك السويدي أن تركيا طلبت في 2015 صراحة من الناتو وقف المناورات مع الجيش المصري على كافة المستويات سواء كانت بحرية أو جوية أو برية، هذا جعل جرحا غائرًا لدى القاهرة في التعامل مع تركيا في أي ملف.
(ع): رغم أن عجلة الاقتصاد بين القاهرة وأنقرة خاصة دارت لفترة بعد قرار الحكومة المصرية تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016 فأصبحت الحكومة المصرية مرحبة بالتعاون الاقتصادي مع تركيا لخدمة الاقتصاد الوطني بشكل كبير ولكن مازال هناك آفاق أرحب في العلاقات بين البلدين خاصة في ظل فرص الاستثمارات الهائلة في البنى التحتية التي توفرها القاهرة من خلال بناء العاصمة الإدارية وهذا مجال الاستثمار المقرب للقاهرة.
(ل): كما أن القاهرة ترفض سياسات تركيا في الإقليم ككل وليس ضدها فقط، وتعدها سياسة متهورة ومتشنجة للغاية ضد الأنظمة السياسية في المنطقة خاصة ضد دول الاعتدال العربي مصر والأردن والسعودية والإمارات والبحرين. وبعد انتشار القوات التركية في أكثر من بلد عربي كثل سوريا والعراق وقطر والصومال والسودان قبل سقوط نظام البشير وأخيرا الاتفاق الأمني مع حكومة الوفاق الليبية.
(و): القاهرة تجد مثل هذه المبادرة اعترافا من النظام التركي بهزيمته في معركته ضد النظام المصري التى بدأت كما ذكرت منذ عام 2013 لذا فالقاهرة ستضع سلة من الشروط والقيود لإعادة العلاقات.
ثالثا: هل تبيع تركيا تنظيم الإخوان من أجل مصالحة مصر؟
من الواضح أن مصالح تركيا أصبحت متداخلة بل متطابقة مع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين بل أصبحت تركيا الضامن الإقليمي والدولي لهم في المحافل والمنظمات الدولية بل صوتهم الدبلوماسي في كل مكان حيث:
1- دعمت تركيا قيادات الإخوان المسلمين الهاربين من مصر وأكثر من بلد عربي عبر منح الجنسية التركية والإقامات والاستضافة وتوفير الملاذ والمنصات الإعلامية لهم وأيضا رد التنظيم الدولي عبر تكثيف الاستثمارات الإخوانية في تركيا والمساهمة في رفعة الاقتصاد التركي بشكل كبير، واليوم أصبحت مصر أكثر الدول محاربة لتنطيم الإخوان المسلمين.
2- تحمي تركيا جماعة الإخوان المسلمين من تصنيفها كجماعة إرهابية من خلال الضغط المصري على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلال دعم لوبيات في الداخل الأمريكي واستغلال قوة العلاقات التركية الأمريكية.
3- تركيا تمسك بورقة ثبات التنظيم الإخواني كورقة ضغط على القاهرة على منهجه دون تغيير حيث سعت القاهرة لتفكيك التنظيم داخل مصر عبر الملاحقات القضائية والأمنية ومحاولة النظام المصري تفكيك التنظيم داخليا بل طلب ذلك من قيادات الإخوان في السجون.
4- أصبح الصراع حول غاز المتوسط ورغبة تركيا في أن يكون له نصيب في كعكة الغاز ورقة أكثر أهمية من ورقة تنظيم الإخوان كورقة سياسية في يدها لمساومة الأنظمة العربية والتى استخدمتها لمدة 9 سنوات منذ اندلاع الربيع العربي، وخاصة مصر التي لم تعد تخشى من ورقة الإخوان والمستقبل في غاز المتوسط. فتركيا حاليا ترغب في السيطرة على الموارد النفطية وهذا يتجلى في اتفاق الترسيم الحدودي مع حكومة الوفاق الليبية وأيضا إعلان أردوغان أن حكومة الصومال اتفقت مع تركيا من أجل استخراج النفط من قاع البحر الأحمر في تأكيد أن عين تركيا على النفط وليس على تغيير الأنظمة السياسية.
4- القاهرة ترى أنه على أنقرة تسليم عدد من الإرهابيين المسجلين على قوائم الإنتربول الدولي ونشراتها الحمراء مثل الإرهابي عاصم عبد الماجد، والإرهابي طارق الزمر، والإرهابي وجدي غنيم.
5- من الصعب أن تقدم تركيا على مثل هذه الخطوة خاصة عقب مقاطعة قطر فأصبحت تركيا مرغمة على الاستمرار في التحالف مع تنظيم الإخوان المسلمين فأصبح تحالف الإخوان وقطر وتركيا في مواجهة محور مصر الإمارات الذي دشن عقب الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، وهنا حدث تعارض الإرادات بين البلدين في كل منهما في اتجاه عكس الآخر وتعودنا من تركيا على التراجعات في مواقفها بعد الخلاف مع إسرائيل تصالح معها كما فعل روسيا والعراق واليوم يتحدث سرَا مع النظام السوري عبر بوابة المخابرات والخارجية برعاية روسية، والسياسة لا تعرف الثوابت فكل الأمور واردة.
رابعا: هل الأزمة الليبية تفتح طريقا للمصالحة التركية المصرية؟
اعتبرت مصر التدخل التركي خطوة استفزازية من قبل أردوغان وحزب العدالة والتنمية ضد مصالح مصر العليا في شمال أفريقيا ظنا منه أن القاهرة دولة يمكن ابتلاعها والضغط عليها من خلال ورقة الإخوان أو عبر تصدير المرتزقة السوريين لإغراق ليبيا، لذا كثفت مصر دعهما للمشير خليفة حفتر خلال الأسابيع الماضية بهدف الضغط على حكومة الوفاق المدعومة من تركيا وعملت القاهرة على توحيد الصفوف الليبية في مواجهة التحركات التركية ونجحت في ذلك عندما عبر دخول قوات الجيش الوطني الليبي مدينة سرت الاستراتيجية دون قتال في إشارة إلى حجم التكاتف الليبي لمواجهة الغزو التركي.
ونتج عن التدخل التركي في ليبيا:
1- شد العصب القومي المصري في الداخل ضد التدخلات التركية في المنطقة حيث تكون نوعا من التعاطف الكبير مع الحكومة المصرية ومناخ طارد للنفوذ التركي.
2- ازدياد الوعي العربي بحجم التدخلات التركية، خاصة أنها تستند للإرث العثماني والذي احتل العالم العربي لأكثر من 400 سنة، وأصبح يرى المواطن العربي خطورة المشروع التركي تشبه المشروع الإيراني في المنطقة.
2- إعادة مصر لحملتها الدبلوماسية الداعية لمكافحة الدول الراعية للإرهاب عبر التمويل أو الاستضافة أو الدعم اللوجستي، حيث ترى القاهرة أن تركيا تمسك بورقة الإرهاب في يدها منذ أن اتبعت سياسة الباب المفتوح في حدودها مع سوريا مما أدى لجعل سوريا منطقة جاذبة للجهاديين وهذا موثق في تقارير الأمم المتحدة التي حققت في اندلاع الأزمة السورية.
3- ترى مصر أن التدخل التركي في ليبيا هو إحياء للتنظيمات الإرهابية التى خفتت قليلا بعد القضاء على “داعش” في العراق ومقتل قائد التنظيم في إدلب السورية العام الماضي ولا تنسى القاهرة تصريح أردوغان قبل عامين بعد دخول روسيا إلى حلب أن المقاتلين السوريين سينتقلون إلى صحراء سيناء في إشارة لنية أردوغان المبيتة لضرب استقرار القاهرة التى جاهدت من أجل تثبيته خلال الفترة الماضية بعد أن واجهت تنظيمات إرهابية عنقودية معقدة مثل أجناد مصر ولواء الثورة وحركة حسم. وهذه الحركات تمخضت عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة بقيادة القيادي الإخواني محمد كمال الذي قتل من قبل الأجهزة الأمنية قبل أعوام واتهم النظام المصري المخابرات التركية بقيادة هاكان فيدان بتحريك كل هذه التنظيمات ضد مصر.
4- عودة الحس القومي العربي ونزعة عرقية ضد الجنس التركي بشكل عام وضد الغزو التركي في ليبيا خاصة في تونس حيث انتفضت القوى الشعبية لرفض زيارة أردوغان لتونس في ديسمبر الماضي وأيضا اتهام حركة النهضة بالموالاة لتركيا وتأييد عزوها للأراضي الليبية.
5- تعتقد القاهرة أن جوهر التدخل التركي في ليبيا هو الضعط على مصر من أجل ترسيم الحدود البحرية معها خاصة أن الترسيم الليبي التركي جاء في مصلحة القاهرة لأنه أعطى مناطق اقتصادية أكبر على حساب اليونان أملا في أن تصطف القاهرة معها ضد اليونان وقبرص خصومها.
خامسا: مستقبل المصالحة بين مصر وتركيا
(أ): السيناريو الأول:
قد ترعى الولايات المتحدة حوارا بين تركيا ومصر من أجل ملف الغاز وترسيم الحدود المصرية التركية إذا ظلت مصر ترفض أي حوار مع أنقرة على غرار عرض الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية بين الدولة العبرية ولبنان، خاصة أن الولايات المتحدة على علاقة جيدة بين أنقرة والقاهرة، فهم حلفاء لواشنطن خاصة أن القاهرة طلبت وساطة الولايات المتحدة في ملف سد النهضة سواء كان حوارا مباشرًا أو غير مباشر بهدف تهيئة الأجواء بين البلدين خاصة بعد طلب واشنطن للانضمام لمنتدى الغاز الذي أسس في القاهرة، ويضم مصر وقبرص وإسرائيل واليونان والأردن والدولة الفلسطينية.
(ب): السيناريو الثاني:
قد ترعى روسيا الاتحادية بقيادة بوتين الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس رجب طيب أردوغان، حوارات غير مباشرة بين القاهرة وأنقرة حول ترسيم الحدود البحرية وملف الغاز بشكل عام خاصة أن الرئيس المصري طلب من بوتين من قبل وساطته في ملف سد النهضة مع رئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد، في القمة الأفريقية الروسية في نوفمبر من العام الماضي ويمكن هنا ترعي روسيا الحوار على غرار الحوار بين دمشق وأنقرة عبر روسيا في الملف الأمني وملف السياسة الخارجية والذي بدأ عقب عملية نبع السلام الأخيرة والتى أعادت النظام السوري لأول مرة منذ تسع سنوات إلى المعابر الحدودية مع تركيا.
(ج): السيناريو الثالث:
حدوث حوار مباشر بين البلدين عبر تقديم مبادرة تركية من عدة نقاط لإنهاء الخلاف بين البلدين وقد تخرج هذه المبادرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كما فعل مع المصالحة التركية الروسية بعد إسقاط الطائرة الروسية في عام 2015 أو المصالحة التركية الإسرائيلية في قضية سفينة مرمرة عبر تعويضات إسرائيلية لأهالي الضحايا فقد تسير المصالحة المصرية التركية من خلال مبادرة تركية لتصفية الأجواء وفق ضمانات محددة ترسم العلاقة بين البلدين.
سادسا: الخلاصة :
لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، فمصر ترى في مبادرة مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي مبادرة سياسية مفخخة تهدف للإيقاع بالقاهرة مجددا في خيوط النفوذ التركي بشكل أو بآخر، خاصة أن القاهرة رحبت بتركيا من قبل وطوت صفحة الإرث العثماني بالكامل من أجل التواصل الحضاري بين الشعبين ولكن سرعان ما قلبت الطاولة حكومة أردوغان عبر الاطصفاف مع التنظيمات الإرهابية والدينية لا مع الحكومات والأنظمة السياسية لذا جعل كثير من النخب السياسية في العالم العربي الترحم على أيام حكم أربكان الذي نسج علاقات معتدلة مع دول العالم الإسلامي وكان يكن الاحترام والود للقاهرة والرياض لا يقفز على شرعية الحكم في هذين البلدين.
ولا يبدو في الأفق أن القاهرة قد تستجيب لمبادرة ياسين أقطاي الداعية لتلطيف الأجواء بين البلدين، خاصة بعد إعلان القاهرة عن إغلاق مكتب وكالة (الأناضول) الرسمية التركية في مصرهذا الشهر، متهمة الصحفيين في الوكالة بكتابة تقارير ضد مصر/ مما فسر أنه رد مصري على مبادرة ياسين أقطاي أن الأمور مازالت أعمق من ذلك وما زال الخلاف والشرخ متسعا لا يمكن ترميمه بسهولة أو بين ليلة وضحاها.
–