تقرير: محمد عبيد الله
إسطنبول (زمان التركية) – غير آبهة باتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته تركيا، تواصل قوات جيش النظام السوري، مدعومة من روسيا، غاراتها الجوية المدمرة في إدلب وجنوب وغرب حلب، الحصن الأخير للمجموعات الجهادية المدعومة من تركيا، بالإضافة إلى إطلاقها عملية برية من أجل “تطهير الأراضي السورية من العناصر الإرهابية”؛ في حين يحاول الإعلام التركي امتصاص غضب “الإسلاميين” الذين يشكلون القاعدة الانتخابية الأساسية للحزب الحاكم من جانب، ويتستر على الإخفاق السياسي للرئيس رجب طيب أردوغان من خلال تحميل المسؤولية كلاً من روسيا وإيران من جانب آخر.
في محاولة لتهدئة الشارع الإسلامي وامتصاص غضبه بتوجيهه إلى كل من روسيا وإيران، صدرت صحيفة “يني شفق” أمس السبت بعنوان “روسيا وإيران تحرقان إدلب”، ثم أضافت قائلة: “بعد الغارات الجوية والهجمات الصاروخية التي دمرت المناطق الواقعة بين مدنتي حلب وإدلب، أطلقت قوات الأسد وروسيا وإيران عملية برية أيضًا، بينما يسعى المعارضون السوريون للتصدي للهجمات التي تتم بأسلحة مطورة”، من دون أي إشارة إلى مساهمة السياسة التركية -بالتحالف مع طهران وموسكو- في نشوء هذا المشهد.
وزعمت الصحيفة أن الهجمات التي تنفذها قوات النظام السوري المدعومة من قبل روسيا وإيران أسفرت عن مقتل حوالي ألفي مواطن سوري مدني في غضون شهرين، واحتلال أكثر من 30 قرية، مشيرة إلى أن عدد المهاجرين من مدينة إدلب إلى الجانب التركي تجاوز عن 385 ألف سوري.
ومن اللافت أن استئناف الغارات الجوية والعمليات البرية التي أطلقها الجيش السوري جاء بعد لقاء خطير جمع علنًا بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان الذي يعتبر “الصندوق الأسود” لأردوغان، ونظيره السوري اللواء علي مملوك، الذي يعتبر الذراع الأيمن لبشار الأسد.
اللقاء الذي يعدّ أول لقاء رسمي رفيع المستوى “معلن” بين تركيا وسوريا منذ اندلاع الأزمة السورية، تناول عددًا من الموضوعات، بينها وقف إطلاق النار في إدلب، والتعاون المشترك لمواجهة تنظيم وحدات حماية الشعب الكردي، وفقًا للخبر الذي نشرته وكالة رويتز. غير أن وسائل الإعلام الموالية لأردوغان بعثت رسالة إلى المليشيات والتنظيمات المسلحة التي تقاتل في وجه الجيش السوري النظامي في إدلب، وكذلك إلى قاعدته الانتخابية زاعمة أن الاجتماع تناول “سبل تعزيز السلام، وليس العلاقات مع دمشق”، وأن الطرفين لم يبحثا أي موضوعات أخرى مثل تسهيل تقدّم قوات النظام السوري إلى إدلب.
بعد توجيه غضب الإسلاميين إلى كل من روسيا وإيران، نقلت صحيفة “يني شفق” التصريحات التي أدلى بها أردوغان عقب خروجه من صلاة الجمعة قائلاً: “إن الغارات الجوية والعمليات البرية دليل بيّن على عدم التزام النظام السوري باتفاقية الهدنة. وقد سقط ثلاثة من جنودنا شهداء خلال تلك الهجمات، لن يبقى الأمر دون ردّ منا، بل سيدفعون ثمنًا باهظًا”، على حد تعيبره.
في إطار تعليقه على تناقض أفعال أردوغان مع أقواله وعنوان صحيفة يني شفق المذكور أعلاه، قال فكرت أقفرات، الكاتب الصحفي في جريدة “آيدينليك” الموالية لزعيم حزب الوطن دوغو برينجك، الذي يعتبر “الحليف المؤقّت” لأردوغان: “لا تنظروا إلى التصريحات التي يدلي بها الرئيس أردوغان على الملأ والتي تبدو مخالفة للنظام السوري وروسيا. هذه التصريحات موجهة إلى مشجعيه فقط، وإلا فإن جميع الأطراف المعنية متفقة على ضرورة تطهير الأراضي السورية من كل الإرهابيين”.
وأردف أقفرات في برنامج على قناة “أولوسال تي في” ليلة أمس السبت أن العمليات التي تجريها قوات الأسد شرعية تستهدف تحرير أراضي دولة سوريا من المحتلين الإرهابيين، وتابع: “تركيا وافقت على هذا الأمر في الاجتماع المنعقد بين رئيسي مخابرات البلدين في العاصمة الروسية موسكو. لذا فإن التصريحات المخالفة لهذا الموقف موجهة إلى مؤيدي حزب العدالة والتنمية الحاكم فقط”.
من جانبه، تطرق الكاتب والصحفي أحمد تاشجتيران المنتمي إلى التيار الإسلامي في تركيا، والذي سبق أن كتب في أكثر من صحف موالية لأردوغان لسنوات طويلة، إلى الأخبار المؤسفة التي تتحدث عن سقوط أتراك ضحايا الحرب الأهلية في سوريا حتى في المنطقة الآمنة تل الأبيض، مؤكدًا أن تركيا بمقدورها ممارسة الضغوط على النظام السوري من خلال استثمار علاقاتها مع روسيا من أجل التوصل إلى تسوية سلمية في سوريا.
لكن الكاتب عاد وتساءل قائلاً في مقاله بصحيفة قرار: “إلا أن روسيا لا تحرك ساكنًا في منطقة إدلب التي تحولت إلى مسرح جريمة. فهل تقول روسيا لبشار الأسد: واصل عملياتك في إدلب، يجب علينا إخضاع هذه المدينة لنا في نهاية المطاف. ذلك لأن جزءًا من المقيمين في إدلب هم إرهابيون في الأصل، وينبغي سحقهم. أنا سأتغاضى عما ستفعله بهم، بينما سأسعى لمماطلة تركيا في هذا الصدد”.
واستمر الكاتب بتوجيه الانتقادات إلى سياسية أردوغان حول الأزمة السورية قائلاً: “ما هي النتائج التي أسفرت عنها عملياتنا على الأراضي السورية يا ترى؟ نزعم أننا قمنا بتطهير المناطق الحدودية مع سوريا من الإرهابيين (قوات حماية الشعب الكردي) وحولناها إلى منطقة آمنة. لكننا لن نبقى في هذه المنطقة بصورة دائمة، حيث نعلن في كل مناسبة أننا ندعم وحدة الأراضي السورية. وهذا يعني أننا سنخرج يومًا من هذه المنطقة، وعندها سيعود عناصر هذا التنظيم الإرهابي إلى هذه المنطقة مجددًا، وسنضطر إلى الجلوس مع النظام السوري أيضًا من أجل منع تكوناتهم الجديدة المحتملة في الجانب الآخر من حدودنا. وفي هذه الحالة ألن نصبح قد عدنا إلى ما قبل 8 سنوات مجددًا؟ ما الذي حققناه إذن منذ 8 سنوات؟”.
يذكر أن أنصار أردوغان يدَّعون أن زعيمهم يتبع سياسة مستقلة عن القوى الكبرى، ويطبق أجندته الذاتية في الداخل والمنطقة، إلا أن كثيرًا من المحللين يرون أن كل خطوة خطاها في المنطقة، خاصة في سوريا، صبّت في مصلحة روسيا ورئيسها فلاديمر بوتين.
الباحث الأكاديمي والكاتب التركي الخبير في العلاقات الدولية غوكهان باجيك أكد في مقال نشره موقع “أحوال تركية” في سبتمبر/ أيلول 2019، أن تركيا بقيادة أردوغان دخلت تحت الوصاية الروسية منذ أن أسقطت طائرة حربية روسية فوق الحدود السورية في عام 2015. ووصف العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا بـ”شراكة غير متكافئة”، لافتًا إلى أبعاد الوصاية الروسية على الحكومة التركية بقوله: “هذه الوصاية تؤثر حتى على السياسة الداخلية في تركيا”.
ونعت الكاتب تحوّل تركيا من حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودخوله في شبكة معقدة من العلاقات تُعد فيها روسيا القوة المهيمنة بـ”المفارقة الكبرى في سياسة أردوغان الخارجية”، موضحًا ذلك بأن أردوغان تحالف مع زعيمٍ (بوتين) دمر حلمه الخاص بالإطاحة بحكومة الأسد.
ثم أعرب باجيك عن دهشته إزاء سكوت أو تغاضي حكومة “إسلامية” مع حليفها “القومي” (حزب الحركة القومية) عن تزايد نفوذ دولة أجنبية في تركيا قائلاً: “لكن من المدهش أنه على الرغم من الموجة القومية في الداخل، فإن أردوغان لا يشعر بالقلق من نفوذ روسيا المتزايد في تركيا. ومن المثير للاهتمام، أن المشاعر القومية الإسلامية في تركيا إما صامتة بشأن روسيا، أو إيجابية. ولا ينتقد أردوغان أو حلفاؤه المتطرفون في حزب الحركة القومية روسيا”.
–