علي أونال
علم الأستاذ فتح الله كولن أن شخصاً أخذ كتابا من مكتبته ليقرأه دون إذن منه قبل 5 سنوات. والذي أخذ الكتاب هو محط احترام كبير من قبل الجميع. وقال الأستاذ كولن: “كيف لمؤمن أن يأخذ شيئا دون إذن صاحبه؟ وكيف يمكن التجرؤ على حقوق العباد وحقوق العامة؟”.
ظل الأستاذ كولن يتحدث أياما حول هذا الموضوع. وذات مرة قلت له وكأني أعزيه وأهدئه: “يا شيخي. كان أبي رحمه الله كلما يرانا نخل بشيء من آداب الصلاة ينبهنا ويذكرنا دون كلل أو ملل. وكنتُ أجده مبالغا في ذلك. ولكنني أفهم الآن أن المشاعر تتوسع مع مرور الزمن وأن أصغر الأخطاء تثير تلك المشاعر”. إلا أن الأستاذ كولن لم يقل شيئا حينها. ولكن بعد أيام عدة قال منبها ومعاتبا بشدة: “أنتم اعتبرتم سلوكي بشأن استعارة كتاب بغير إذن صاحبه حساسية مفرطة، فإن كنتم تنظرون إلى المسألة من هذا الجانب فأن أنزعج من هذه النظرة فقد أردت أن أشير إلى حقوق العباد وحقوق العامة على المؤمن. وهذا أقل ما يمكن أن يفعله أيّ مؤمن في هذا المجال”.
سمعت الأستاذ كولن وهو يمتدح أحد طلابه وهو أستاذنا (إسماعيل بيوك جلبي): “السيد إسماعيل لا يضع الأموال التي تودع أمانة لديه من أجل التبرع في المحفظة التي يضع فيها أمواله الخاصة حتى لا تختلط”. وكانت أختُ محمد بن المنكدر الملقب بالبكَّاء قد سألت سفيان الثوري: “يا إمام، عندما أغزل الصوف على سطح بيتي ويمر رجال الحسبة من الطريق أستنير بعض الثواني بنور المصباح الذي يحملونه. فهل هذا حرام”؟ فبكى سفيان الثوري وقال: “حتى هذه الشبهة الصغيرة يجب ألا تدخل بيت ابن المنكدر”.
والقرآن الكريم يقدم لنا إشارات مهمة إلى الإيمان والعلاقة العضوية بين الإيمان والعمل. فقد كان الفاسقون من اليهود يستهزئون بصلاة المؤمنين وأذانهم. فلم يكونوا يتحملون الإيمان بالنبي محمد (ص) إلى جانب بقية الأنبياء. أما المنافقون فقد كانوا يميلون إليهم تحسبًا لاحتمال أن تنقلب الأحداث عليهم. وقد وصفم الله تعالى في ذلك العهد كما ورد في القرآن الكريم: “قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ”. فهم يتصرفون بنفاق دائما ويخفون الحقائق. ويتنافسون فيما بينهم في ارتكاب المعاصي والعداوة والحرام ولا سيما أكل الرشوة.
وكما يقول ألماليلي حمدي يازر في تفسيره التركي للقرآن الكريم حين يأتي على الشرح المستفيض للآيات المتعلقة بذلك: “إنهم يشمئزون من قول الحق ويستمتعون بسماع الكذب ويتلذذون بتجريم الأبرياء ومدح البعض. يقلبون الحقائق ويستمعون للكذب مع علمهم بأنه كذب فيبنون عليه الأحكام أو يحاولون أن يبنوا عليه الأحكام. وينشرون الأكاذيب من أجل مصالح خسيسة ويسارعون إلى تجريم الأبرياء وإغفال الناس. ويشهدون الزور ويستمعون لشهود الزور وينشرون أكاذيب الكاذبين ويلفقون الأكاذيب ليربحوا الأموال. وعبوديتهم للطاغوت الذي يتزعمهم وللطغاة المتجبرين هي التي تجعلهم على هذه الحالة. أما المرشدون والعلماء في المجتمع فواجبهم يحتِّم عليهم بالدرجة الأولى أن يمنعوهم مما يرتكبونه من الأمور المنكرة، فسكوتهم يعني رضاهم عن أفاعيلهم وأكاذيبهم ويشجعهم على أفعالهم.
ولذلك فإن هؤلاء قد لُعنوا من النبيين داود وعيسى عليهما السلام: “لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون”(78سورة المائدة) . فما أسوأ سلوكهم وتصرفهم هذا! فقد انغمسوا في لعبة السياسة القذرة. إنهم يفسدون أخلاق الشعب ودينه.
وقد وصف القرآن الكريم هؤلاء الذين يدعون أنهم مؤمنون ولكن أعمالهم وتصرفاتهم تشير إلى الكفر حين قال تعالى: “قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”. أفلا ترون أيامنا هذه مرآة صادقة لهذه الآية الكريمة.