بقلم: حامد أوغلو
أحداث ما بعد 11 سبتمبر 2001 كانت كفيلة لتغيير وجه منطقة الشرق الأوسط إلى الأبد وتسببت في تحولات جيو استراتيجية في المنطقة نعاني منها إلى الآن. فبعد احتلال العراق وأفغانستان من قبل الولايات المتحدة أصبحت الدول العربية مكشوفة أكثر لدول الجوار غير العربي ( تركيا / إيران / إسرائيل) وأصبح لديها حماس أكبر في السيطرة على الدول العربية والعمل على تشتيت الجهود العربية، تارة بشعارات المقاومة وتارة بشعارات إرساء الحكم الرشيد والتخلص من الحكام المستبدين في العالم العربي، وتارة باستخدام الإسلام السياسي الشيعي، وتارة باستخدام الإسلام السياسي السني. وللأسف هذه التسميات تولدت نتيجة تدخلات تركيا وإيران في العالم العربي، وخلقت أقطابًا سياسية وميليشيات عسكرية داخل العالم العربي، واستغلت هذه الدول، أي دول الطوق غير العربي، تدخل الولايات المتحدة كقوة عظمى في المنطقة، وأسفر هذا التدخل عن تعاظم دور قوىً إقليمية غير عربية وهي إيران تركيا إسرائيل بعد 2003، عام احتلال العراق.
أولا: ما هو مشروع الشرق الأوسط الكبير:
الشرق الأوسط الكبير هو امتداد لمشروع ما يسمى “القرن الأميركي الجديد” الذي وضعه قادة صنع القرار في الولايات المتحدة عام 1997، ويطمح البيت الأبيض من خلاله في تحقيق حلم “الإمبراطورية الأميركية”، بإقامة نظام عالمي يشمل تغيير خريطة الأمتين العربية والإسلامية.
ظهر مشروع الشرق الأوسط الكبير كجزء من مشروع “القرن الذي لم يكن ليتحقق إلا بزيادة ميزانية الدفاع والإنفاق على التسليح، وتشجيع شعوب المنطقة على الممارسة السياسية من المنظور الغربي”.
يستهدف المخطط توثيق أميركا لعلاقاتها مع حلفائها، لتحدي الأنظمة المعادية لمصالحها، وعلى رأسها (روسيا والصين)، والتغيير السريع لجميع الأنظمة العربية والإسلامية الموالية لهما، وكان البدء بأفغانستان والعراق وسورية، وبالفعل سقط النظامان في كابول وبغداد (1)
وانطلق هذا الدور على ثلاثة محاور وهو إطلاق يد تركيا وإيران وإسرائيل في المنطقة
- إيران عبر رفع شعارات المقاومة والموت لإسرائيل والموت لأمريكا في المنطقة ودعم الحركات الشيعية في المنطقة، سعت لتقويض سلطة الدول الوطنية في المنطقة. وانطلق الدور الإيراني في المنطقة بعد احتلال العراق في 2003، ثم تعضد أكثر بتقوية حزب الله في لبنان بعد حرب تموز 2006 بين (حزب الله وإسرائيل)، وتعمق أكثر في التدخل في الحرب الأهلية في سوريا 2011 والتدخل في اليمن لاحقا في 2014.
- إسرائيل عبر تجميد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وتوقف عملية السلام نهائيا. وهذا قد ألمح به عدد من الساسة الإسرائيليين الذين دعوا لتجميد المفاوضات لمدة 10 سنوات واختصار القضية الفلسطينية وتقزيمها في سيطرة حماس الإسلامية على قطاع غزة ، مما جعل لإسرائيل اليد الطولى في خوض 4 حروب ضد لبنان وغزة في الفترة من (2006-2014) مما حقق توازن الردع لإسرائيل مكنها لاحقا من ضرب العمق السوري أكثر من مرة
- تركيا عبر حكومة العدالة والتنمية ذات التوجهات المحافظة تجمع بين الديمقراطية والإسلام والتى تتغزل ليل نهار في الدولة العثمانية والطماحة لاستعادتها قبل عام 2023، -ذكرى مائة عام على سقوط الإمبراطورية العثمانية- وسنتناول الدور التركي في المنطقة خلال العقدين الماضين بعد انطلاق خطة الشرق الأوسط الكبير.
ثانيا: طبيعة الدور التركي في مشروع الشرق الأوسط الكبير
وصول حزب العدالة والتنمية في نهاية عام 2001 إلى الحكم كان مؤشرًا على بدء الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لجعل تركيا الدولة النموذج للاقتداء به، وهي الدولة التي تعتبر آخر محتل للدول العربية قبيل سقوط الإمبراطورية العثمانية وأيضا أدركت الولايات المتحدة حجم تأثير الدين الإسلامي في حياة الناس في منطقة الشرق الأوسط سواء كانوا سنة أو شيعة فيجب استغلاله. وتجلت هذه الفكرة بعد التحقيق مع رموز تنظيم القاعدة المتهمون في أحداث 11 سبتمبر وأكدوا أن الولايات المتحدة تدعم الأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط ولا تعطي مجالا للتعبير السياسي في داخل الدول للحركات الدينية المعتدلة فيذهب أفراد هذه الدول للتطرف الديني والعمل المسلح ضد الولايات المتحدة والمصالح الغربية بشكل عام.
وتركز طبيعة الدور التركي في ثلاث مراحل:
أولا: التدخل الناعم قبل الربيع العربي
ثانيا: دعم الربيع العربي تحت مظلة الديمقراطية
ثالثا: التدخل العسكري المباشر في الدول العربية
أولا: التدخل الناعم قبل اندلاع الربيع العربي
1- بدأت تركيا تطور علاقتها مع الولايات المتحدة وأصبحت رأس حربة للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط الكبير مع زيارات أردوغان المتعددة إلى الولايات المتحدة وظهوره شخصيا يتحدث بأنه جزء من هذا الأمر (2).
2- تبني سياسة خارجية ذات مسحة دينية في مواجهة الغرب والشرق للتأثير في ذهن المواطن العربي. وبدأ خلال العقد الأول من الألفية الثانية تهيئة مسرح منطقة الشرق الأوسط لبزوغ نجم تركيا من جديد بعد أن خفت بسقوط الدولة العثمانية.
3- تبني أجندة سياسية تنتقد إسرائيل في صراع مع الفلسطينيين من قوة العلاقات التركية الإسرائيلية وزيارة أردوغان لإسرائيل عام 2005 (3) ولعب دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل عام 2008 في مفاوضات غير مباشرة بهدف استعادة الجولان. وأيضا انتقاد شمعون بيريز في مؤتمر دافوس عام 2009 كان أحد الحيل لدغدغة عواطف المواطنين في الشرق الأوسط.
4- التقرب للنظام الرسمي العربي وتوطيد العلاقات العربية التركية (الخليج، مصر، شمال أفريقيا ) من البوابة الاقتصادية والسياحة والمراكز الثقافية وطي صفحة الإرث العثماني البغيضة التي كانت منفرة للمواطنين العرب وعالقة في أذهانهم حتى وقت قريب وكانت استراتيجة ناجعة وتهيئة لصيد شيء ثمين.
5- استخدام بعض الدول والقنوات العربية كمحطة الترويج لسياسات حكومة العدالة والتنمية كنوع من أنواع دس السم في العسل، وفي الوقت ذاته ضغطت الولايات المتحدة على دول المنطقة من أجل دمج تيارات الإسلام السياسي في السلطة وإعطاء مساحة أكبر للتعبير عن آرائهم وفي الوقت ذاته انتقاد ملف حقوق الإنسان في هذه البلاد.
ثانيا: دعم الربيع العربي تحت مظلة الديمقراطية
بعد انطلاق شرارة الربيع العربي أو بالأحرى المظاهرات المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في عدد من الدول العربية بداية من تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن وفشل الأنظمة العربية في احتواء هذه المظاهرات التى أفضت في النهاية لرحيل بعض رؤساء هذه الدول بدأت تركيا المرحلة الثانية في مشروع الشرق الأوسط الكبير.
1- دعمت تركيا منذ اليوم الأول المظاهرات المناهضة للحكومات في بعض الدول مما أثار غضب الدول العربية من هذا الموقف المفاجئ لدولة تركيا.
2- شجعت تركيا ودعمت صعود تيارات الإسلام السياسي في المنطقة العربية بعد سقوط النظام في تونس وليبيا ومصر تحديدا، وبدأت تدعم هذه الكوادر السياسية وتنسق معها المواقف وتروج لهذا الصعود في المحافل الدولية كأنه المسار الأفضل لقيادة المنطقة بعد المظاهرات التي أطاحت بالحكومات واعتبرت أنقرة نفسها ضامنا لهم عند الولايات المتحدة وأيضا عند الاتحاد الأوروبي.
3- اتباع تركيا سياسة أكثر انفتاحا ومغامرة في المنطقة العربية حيث راهنت بكل ثقلها السياسي على تيارات الإسلام السياسي في المنطقة واعتبرته حجر زاوية لتنفيذ رؤيتها في الإقليم. وهذا يتسق مع مشروع الشرق الأوسط الكبير باستبدال الأنظمة العربية بحركات وتيارات دينية هدفها تقويض قدرة الدولة وتهديد أمنها القومي فتتحول لدولة فاشلة قزمية مسيطر عليها من قبل ميليشيات مسلحة لا جيوش وطنية.
4- بل تحولت تركيا بعد المظاهرات السلمية إلى انتفاضات عسكرية مسلحة مثلما حدث في الأزمة السورية، وأيضا التدخل في الشأن العراقي واستغلال هشاشة الحكم الطائفي هناك ليفتح الباب أمام ظهور داعش وسيطرته على إحدى أكبر المدن العراقية وهي الموصل واتهمت تركيا في أكثر من مناسبة بتقديم الدعم العسكري واللوجستي لداعش وهذا اتهام واضح من قبل الأمم المتحدة.
5- استخدمت التيارات الدينية المعتدلة والمتطرفة منها لتحقيق أجندتها ظنا منها أن الإرهاب لن ينتقل إليها بل إن تركيا عانت من هجمات إرهابية في أعوام 2015 حادثة “سروج” التي نفذها داعش وأسفرت عن مقتل 34 شابًا كرديًّا، وفي 2016 اغتيال السفير الروسي، وتفجير الملهي الليلي في ليلة رأس السنة في 2017.
ثالثا: التدخل العسكري التركي في الشرق الأوسط
ضمن إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أصبح العدالة والتنمية جزء لا يتجزأ منه أن تتحول تركيا شرطي المنطقة وإحدى أهم الوسائل للضغط على دول المنطقة. فى الدول التى لا تتماشى مع سياساتها بالدبلوماسية والقوى الناعمة فورا تتحول سياساتها إلى سياسة خشنة عبر إرسال قوات عسكرية أو عبر بناء قواعد عسكرية. وتجلت هذه السياسة بعد الربيع العربي وبعد المرحلة التمهيدية لبناء الدور التركي بعد أحداث 11 سبتمبر.
(أ) الصومال: ففي عام 2011، استغل أردوغان فراغ مؤسسات الدولة في الصومال وأخذ على عاتقه مهمة إعادة بناء الدولة الصومالية ومستغلا ترحيب تيارات الإسلام السياسي هناك ليبني أول قاعدة عسكرية لتركيا في أفريقيا وفي منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية لكي تخدم على التجارة التركية في أفريقيا واستغل أردوغان الدبلوماسية الإغاثية التى تتبعها تركيا لدعم الدول الفقيرة أو المنكوبة في أفريقيا لكي يرسخ دورا جديدا لتركيا حول العالم وفي تركيا تحديدا.
(ب) سوريا: استغل أردوغان اندلاع الحرب الأهلية السورية واتبع سياسة الباب المفتوح مع اللاجئين السوريين وأيضا سياسة الباب المفتوح مع المجاهدين القادمين من كافة أصقاع الأرض لمحاربة نظام الرئيس بشار الأسد، مما أدى لأفغنة الدولة السورية من خلال وجود أكثر من مائة جنسية تحارب على أرض سوريا تحت دعوى الجهاد في سبيل الله. ووفرت تركيا لهم الدعم اللوجستي والغطاء السياسي والاستراتيجي عبر السماح لهم بدخول سوريا عبر حدودها. تذرع أردوغان بقبر سليمان شاه، الجد الأول لمؤسس الدولة العثمانية الموجود في حلب ليبدأ بقضم الأراضي السورية تحت شعار حماية الأمن القومي مستغلا وجود ما يعرف الجيش الحر، وهو منتمٍ أيدلوجيا لتيارات الإسلام السياسي. وهذا فتح الباب واسعا لكي تبسط تركيا سيطرتها على أراضي الشمال السوري بحجة محاربة الجماعات الكردية وبحجة محاربة داعش. وهذا على غير الحقيقة حيث خاضت تركيا ثلاث معارك كبرى لدخول الشمال السوري في أغسطس 2016 وهي عملية درع الفرات والثانية غصن الزيتون في 2018، والتى أدت لاحتلال مدينة عفرين وتهجير مئات الآلاف من العرب والأكراد وعمليات سلب ونهب بحقهم والثالثة عملية نبع السلام التركية في 2019، والتى كان هدفه قضم مزيد من الأراضي السورية وبذلك تكون تركيا تدخلت في البلد العربي الثاني وهو سوريا.
(ج) العراق: منذ عام 1994، وتتواجد القوات التركية (4) في قاعدة بعشيقة العراقية وتقدر بـ 1000 جندي تركي، بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني وهو حزب معادٍ لتركيا ومدافع عن القومية الكردية، هذا إبان وجود الرئيس الراحل صدام حسين. وبعد سقوط نظامه أصبحت تتواجد هذه القوات تحت مظلة تدريب القوات العراقية على مكافحة الارهاب وطلب العراق أكثر من مرة تركيا إجلاء قواتها ولكن لم تستجب تركيا، كان آخرها في عام 2016. ويبدو ان التفاهمات الأمريكية تحكم هذا الملف، وتفاقم هذا الأمر بسبب تصريحات تركيا من وقت لآخر حول أحقيتها في الموصل العراقية وأنها كانت تحت سيادة الدولة العثمانية من قبل. وهذا ما قاله رجب طيب أردوغان بالفعل، وأيضا عن الدور الخبيث الذي لعبته تركيا في دعم داعش في 2014 مما أدى لسقوط مدينة الموصل أكبر المدن العراقية في يد داعش واتهمت تركيا حينها بتوفير الدعم اللوجستي لهم كما ذكرنا من قبل.
(د) قطر:
1- تعتبر الدوحة جزءا من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي خطط له في عهد بوش الابن وتناغمت مع الدور التركي بالكامل، ولعبت قطر الدور العربي المزايد على الدول العربية المؤثرة أو دول النظام الإقليمي العربي مصر والسعودية وسوريا من خلال تبني سياسات مناكفة ومزايدة على الأدوار العربية التاريخية في الملف الفلسطيني بالنسبة لمصر والملف اللبناني بالنسبة للسعودية، وأيضا عبر استضافة المعارضين السياسيين للدول وتوفير الملاذ والدعم لهم، مما أثار غضب الدول الخليجية تحديدا والعربية بشكل عام. وأيضا لعب الدوحة دورا عبر استغلال قناة الجزيرة القطرية كمنصة للتحريض على الأنظمة العربية الرسمية وتبنى أجندات دول أخرى وجماعات أخرى وتلميع دور الفواعل من غير الدول مثل القاعدة وداعش والنصرة وحزب الله وحماس على حساب الدول الوطنية والأنظمة الرسمية العربية، أو بالأحرى كان داعما لحركات الإسلام السني المعتدل منها والمتطرف. أيضا تبني حركات الإسلام السياسي الشيعي (حزب الله) وكان في جوهر كل هذا تلميع الدور التركي في المنطقة على حساب الأنظمة العربية الوطنية. وتجلى ذلك بعد المظاهرات المطالبة بالإصلاح في عدد من الدول العربية فيما عرف لاحقا (الربيع العربي). كل هذه الممارسات القطرية دفعت 4 دول عربية رئيسية (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) لمقاطعة قطر في 5 يونيو 2017 عبر منع تحليق الطيران القطري في أجواء هذه الدول قطع العلاقات التجارية مع الدوحة وإغلاق الحدود البرية بين السعودية والدوحة حيث رفضت هذه الدول السياسات القطرية المحرضة على الأنظمة العربية ومقوضة لاستقرار الدول وداعمة للفواعل من غير الدول كما ذكرنا.
2- كانت الدوحة وأنقرة قد وقعتا اتفاقية لبناء قواعد عسكرية مشتركة في 2015، ومنها بناء قاعدة عسكرية تركية في الدوحة وتتضمن إرسال قوات عسكرية وعقب المقاطعة الخليجية وجدنا أن الدوحة تلجأ لتركيا لتفعيل هذه الاتفاقية الاستراتيجية. وفي نفس الشهر الذي تمت المقاطعة أرسلت تركيا أكثر من 35 ألف جندي تركي إلى قطر بهدف حماية قطر من جيرانها العرب حسب وجهة النظر القطرية. ولكن وفقا لرؤية العدالة والتنمية كان الهدف هو تجديد الحلم العثماني أو إحراز نجاح لسياسات العثمانية الجديدة المتبعة من قبل رجب طيب أردوغان وتموضع تركيا على بعد أمتار من الحرم المكي الذي كانت تسيطر عليه الدولة العثمانية، مما يؤثر سلبًا على الأمن القومي الخليجي المتضرر من الاستفزازات الإيرانية، وربحت هنا تركيا انتشارا جديدا في الأراضي العربية وبرضاء الدولة تحت مظلة اتفاق أمني، ويظهر جليا الدور التركي في مشروع الشرق الأوسط الكبير بإعادة انتشار تركيا في الأراضي العربية من المحيط إلى الخليج.
(ع) السودان: وفي نفس العام 2017 اتجهت تركيا إلى جزيرة سواكن السودانية المطلة على البحر الأحمر بهدف تطويرها وإقامة قاعدة عسكرية تركية، بمساعدة نظام الرئيس السابق عمر البشير المنتمي فكريا لتيار الإخوان المسلمين، لكي تكون هذه القاعدة بمثابة أول قاعدة عسكرية تركية في البحر الأحمر مما يضر بمصالح مصر ويؤثر سلبا على أمنها القومي، وقد ألمح أردوغان أيضا أن جزيرة سواكن السودانية كانت تحت سيطرة العثمانيين وكانت تستخدم في التجارة والحج إلى المملكة العربية السعودية مما يدلل مجددا على طبيعة الدور التركي الرامي على إعادة انتشار القوات التركية في الشرق الأوسط وتنفيذ خطة الشرق الأوسط الكبير سواء عبر دخول تركيا عن طريق التراضي والاتفاق مع الدول أو عن طريق سياسة الأمر الواقع مثلما حدث في الصومال وسوريا والعراق بسبب ضعف سلطة الدول هناك، ولكن سرعان ما تبخرت أحلام حزب أردوغان مع الثورة الشعبية السودانية والتى أدت إلى سقوط نظام البشير وتجمد مشروع جزيرة سواكن لتحويلها لقاعدة عسكرية تركية في البحر الأحمر
(ل) ليبيا: أخيرا وقبل نهاية عام 2019 قرر حزب العدالة والتنمية الاستمرار في خطته التوسعية لقضم مزيد من الأراضي العربية عبر التدخل في ليبيا تحت ذريعة دعم حكومة الوفاق الليبية، ليبيا التى تعاني من حرب أهلية منذ 9 سنوات عقب إسقاط النظام الليبي بعد رحيل معمر القذافي، وتحت مظلة اتفاق أمني وقعته تركيا مع حكومة الوفاق، يتيح بارسال قوات تركية إلى ليبيا في مغامرة جديدة من رجب طيب أردوغان. وقال أردوغان “الأجداد العثمانيين كانوا هنا قبل الغزو الإيطالي ولدينا نفوذ هناك ومصالح علينا العودة لحمايته مرة أخرى”. وعلى الرغم من رفض المعارضة التركية لهذه الممارسات مخافة أن يعيد التاريخ نفسه ويتسبب إعادة إرسال القوات التركية إلى العالم العربي في سقوط الدولة التركية كما أدى سابقا لسقوط الدولة العثمانية.
ثالثا: مستقبل الدور التركي في ظل مشروع الشرق الأوسط الكبير
لا يمكن إنكار أن مشروع الشرق الأوسط الكبير حقق كثيرا من أهدافه في المنطقة فدول الطوق غير العربي ( إيران / تركيا / إسرائيل) أصبحت مؤثرة في المنطقة العربية أكثر من أي وقت مضى ولكن أيضا لا يمكن إنكار أن هذا المشروع واجه مقاومة كبيرة من بعض الدول العربية خاصة في سياسات فرض الأمر الواقع وكسر هيبة الدول الوطنية وتعظيم دور الفواعل من غير الدول وجد مقاومة في مصر والخليج وشمال أفريقيا (تونس، الجزائر، المغرب)
السيناريو الأول: سقوط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة، خاصة أن المواطن التركي أصبح يعاني من مثل المغامرات الخارجية لرئيس البلاد والفشل الكبير في معالجة ملف الاقتصاد ونزيف الاستثمارات وهروب رؤوس الأموال وتجلي ذلك في خسارة العدالة والتنمية للمدن الكبرى في انتخابات المحليات لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض.
السيناريو الثاني: تغير سياسات الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، مما يؤدي لتوقف مشروع الشرق الأوسط الكبير والتى كانت إملائية في حقبة بوش الأب وأوباما حيث فرضت على دول المنطقة السماح بمزيد من الممارسات الديمقراطية على غرار الديمقراطية الغربية والسماح لتمكين التيارات الدينية من السلطة ودمجهم في الحياة السياسية ، ولكن ادارة ترامب تعهدت بالتوقف عن مثل هذه السياسات في خطاب مايك بومبيو في القاهرة العام الماضي الذي أكد قائلا: “إننا لن نفرض على الدول سياسات محددة كما فعلت إدارة أوباما وجورج بوش”.
السيناريو الثالث : المقاومة الشعبية لمثل هذا المشروع، الرامي لإعادة انتشار القوات التركية في الشرق الأوسط عبر تكبيدها أكبر خسائر ممكنة مما يدفعها للرحيل وهذا السيناريو قد يحدث بعد أن تدخلت تركيا في الأزمة الليبية. وهذا التدخل يواجه رفضا شعبيا كبيرا قد يؤدي لمقاومة التدخل التركي هناك أو عبر دعم الملف الكردي المؤرق للامن القومي التركي خاصة في ظل تعاظم دور المنظمات الكردية في سوريا والعراق مما يؤثر سلبا على استراتيجة تركيا الدفاعية وقد يكون محفزا لدول المنطقة لدعم الكرد في مواجهة تركيا
رابعا: الخلاصة
للأسف ينتهج حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم سياسة خاطئة نحو العرب. سياسة تذكي الصراع العرقي بين العرب والأتراك وتخلق نوعا من العداوة والكراهية كما حدث إبان الثورة العربية الكبرى في أول القرن العشرين ضد التواجد العثماني. ويبدو أن الأمر يتكرر مرة أخرى بسبب هذه السياسات، مما يؤثر سلبا على علاقة الشعوب العربية بالشعب التركي الصديق. سياسات العدالة والتنمية تهدف لإلهاء الجيش التركي عن مهامه بإرساله في بعثات عسكرية في أكثر من منطقة لانهاكه وتشتيته عن مهامه الرئيسية في الدولة التركية.
المراجع :
1- موقع عثمانلي أكتوبر 2018
2- يوتيوب أردوغان يتعرف بأنه جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير سبتمبر 2018
3- يوتيوب زيارة أردوغان لإسرائيل ديسمبر 2018
4- موقع تي آر تي التركي قاعدة بعشيقة التركية في العراق يناير 2019