القاهرة (زمان عربي) – قال فقيه القانون المصري البارز الدكتور يحي الجمل إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى لأن يكون إمبراطورا لا ينازعه أحد وأنه من أجل ذلك يهدم كل تراث تركيا وحلمها الديمقراطي وحلم انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
وأضاف الجمل في مقال له بصحيفة المصري اليوم تحت عنوان :” الإمبراطور أردوغان” إن أردوغان يمضي بلاتوقف في طريق التحول لإمبراطور بلامنازع ويبني قصرا يتكلف الملايين، في مظهر من مظاهر السفه والإسراف، ويسير بخطوات واسعة للتحول عن التوجه العلماني لتركيا الحديثة، الذي وضعه مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك دون توقف.
وفيما يلي نص مقال الدكتور يحيى الجمل:
بعد أن كانت تركيا تفتخر بأنها تخلصت من أدران وأوزار الحكم العثمانى وأنها أصبحت دولة «علمانية» وفقاً لمذهب مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك وكان حلم تركيا هو أنها عن طريق توجهها العلمانى ومحاولة التحول الديمقراطى تقبلها دول أوروبا فى زمرتها. بعد هذا كله فإن رئيس تركيا الحالى رجب طيب أردوغان بدأ منذ عدد من السنين يأخذ طريقاً مغايراً تماماً لكل ما تقدم وبدأ يتجه لأن يصبح إمبراطوراً لا ينازعه أحد.
وقد نشرت فى صحافة العالم كله صور للقصر الذى بناه أردوغان ليكون مقراً لإقامة إمبراطور تركيا الجديد، والذى بلغت تكلفة بنائه كما أعلنت غرفة المهندسين «ما يقابل نقابة المهندسين عندنا» أن تكاليف القصر بلغت اثنين بليون ومائتين وخمسين مليون دولار أمريكى. هل يعقل ذلك وهل من المتصور فى دولة فيها أدنى احترام للمال العام أن يصل السفه إلى هذا الحد الذى يصل بتكلفة القصر إلى هذه البلايين من الدولارات؟ وهل يعنى هذا أن تركيا لم يبق فيها فقير واحد وأن تركيا لم تصبح مصدراً للعمالة المهاجرة إلى بعض الدول الأوروبية لكى تجد عملاً؟ هل يمكن أن يتصور هذا السفه الذى يدخل فى باب الخرافات فى بلد هذا حاله.
ولم يقتصر الأمر على هذا البذخ بل والسفه غير الطبيعى فى تكاليف قصر الإمبراطور أردوغان بل إن محاولات الارتداد بتركيا إلى الوراء والابتعاد عن الحداثة أو بعبارة أخرى عن «العلمانية» التى دعا إليها أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة بعد القضاء على الخلافة العثمانية – هذه المحاولات لا تتوقف.
لقد بدأت إدارة أردوغان فى التمهيد لفرض اللغة العثمانية – لغة الإمبراطورية العثمانية – وتعمل على عودة دروس التعليم الدينى التى كانت قد اختفت من المدارس التركية منذ مدة بل إن الأمر وصل – وأرجو أن نتذكر أننى أتكلم عن تركيا التى أسسها أتاتورك – إلى حد إقرار دورات لتحفيظ القرآن واعتبار حفظ القرآن سببا يتيح للطلاب تأجيل دراستهم العادية لمدة عامين لحفظ القرآن.
وأكرر أننى أتكلم عن «تركيا العلمانية» وأننى أنا شخصياً حفظت القرآن الكريم وأعتز بذلك وأعتبر أن حفظى للقرآن هو سر قوتى فى اللغة العربية إلى حد إننى كنت أول الناجحين فى مسابقة اللغة العربية التى كانت تعقد لطلبة التوجيهية، وكنا نحصل على مكافآت سخية عند النجاح فى هذه المسابقة وليس أقلها دخول الجامعة بمجانية التفوق فى وقت لم تكن الدراسة فيه فى الجامعات بالمجان – نظرياً – كما هى الآن.
وتتأكد رغبة إمبراطور تركيا الجديد فى الاستمرار هو وحزبه فى الحكم إصراره على النظام المعروف بالعتبة البرلمانية التى تفرض على أى حزب لدخول البرلمان الحصول على عشرة فى المائة من مجموعة أصوات الناخبين المقيدين جميعاً وليس مجرد أصوات الذين شاركوا فى العملية الانتخابية وهذا بطبيعة الأحوال يؤدى إلى حرمان معظم الأحزاب التركية إن لم يكن كلها من دخول البرلمان ليبقى حزب الحرية والعدالة وحده هو المسيطر على البرلمان وتتأكد إمبراطورية رجب طيب أردوغان.
ليس هذا كله فحسب وإنما رغبة هذا الأحمق الذى يقف فى مواجهة تيار التاريخ العالمى الذى يتجه نحو الديمقراطية وثورة المعلومات امتدت رغبته إلى تحطيم القضاء بحسبان أن القضاء يحدّ من سلطات السيد الإمبراطور.
فى عام 2008 رفعت قضية ضد حزب الحرية والعدالة على اعتبار أن توجه الحزب تحت رئاسة أردوغان بدأ يأخذ اتجاها لا علمانيا وأنه بدأ يأخذ اتجاها يقترب من الإسلام السياسى وأوشكت المحكمة العليا فى تركيا أن تحكم بوضع نهاية لحزب الحرية والعدالة ولكن رئيس المحكمة العليا آنذاك – هاشك كيليش – استطاع أن يناور وأن يكسب بعض أعضاء المحكمة واستعمل حقه فى أن يكون صوته مرجحا لكى يحول دون الحزب وهذه الضربة القاضية.
وكان معروفا أن هناك صداقة قوية بين أردوغان ورئيس المحكمة العليا وشاع فى الأوساط التركية أن الحكم كان سياسياً أكثر من اعتماده على الاعتبارات القانونية البحتة.
وأخيراً والإمبراطور الجديد يحاول أن يفرّغ تركيا من كل صوت قوى أو معارض فإنه بدأ فى تخوين كل من يخالفه الرأى باعتبار أنه وحده الذى يملك الحقيقة.
وأخيراً فإن أردوغان نسى موقف «هاشم كيليش» رئيس المحكمة العليا فى عام 2008 واتهمه أخيراً بأنه انقلابى ويسعى لإسقاط حكومة أردوغان، وذلك فى أعقاب رفض المحكمة العليا القوانين التى فرضت منع ما يعرف فى هذه الأيام باسم تويتر ويوتيوب أى وسائل الاتصال الإلكترونى التى تربط الناس ببعضها فى كل أنحاء العالم الآن.
لأن المحكمة العليا برئاسة الصديق القديم – هاشم كيلتيش – حكمت بعدم دستورية هذه القوانين، كما أنها وهذا هو الأخطر بالنسبة لأردوغان أصبح اتجاهها واضحا نحو إلغاء نظام «العتبة البرلمانية» الذى يحمى حزب أردوغان من أى معارضة حقيقية فى البرلمان.
وهكذا يريد أردوغان أن يجمع كل السلطات فى يده وأن يعيد الإمبراطورية العثمانية ويتربع هو على عرشها.
ولست أريد هنا أن أتحدث عن مواقف أردوغان الرخيصة من مصر ورئيسها، خاصة بعد ثورة 30 يونيو التى أطاحت بحكم الإخوان وبالإسلام السياسى الذى يتعارض مع صحيح الدين، وكذلك احتضانه للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية. لست أريد أن أتحدث عن ذلك كله وأكتفى بأن أذكّره بقول الشاعر «وإذا أتتك مذمتى من ناقص فهى الشهادة لى بأنى كامل»، على كل حال أنا هنا حديثى ينصرف فقط عن سياسته داخل تركيا التى حولها من دولة علمانية واعدة إلى دولة رجعية مستبدة متخلفة.
وهكذا يفعل الطغاة.
إن الدكتاتورية لا تأتى بخير قط كما كنت أقول دائماً.
والله المستعان.