بقلم: لاله كمال
كان مدوّن، أو مدوّنون، معروفون على موقع التواصل الاجتماعي” تويتر” يحمل اسم فؤاد عوني يعرف مسبقًا بعمليات تغيير الإدراك المستمرة ضد معارضي حكومة حزب العدالة والتنمية. وكان ذلك المدون قد نشر ادعاءات مفادها أن السلطات التركية تعتزم اعتقال 400 شخص من بينهم صحفيون وإعلاميون اعتبارًا من صباح يوم الجمعة الماضي الأمر الذي قلب الأوضاع في تركيا رأسًا على عقب.
بيد أن نائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش وصف هذه الادعاءات بعبارة ” الوخيم والخطير”. ولاريب في أن صمت الحكومة أمام هذه الادعاءات يزيد من الشكوك التي تحوم حول تخطيطها لتنفيذ عملية “مطاردة ساحرات” جديدة واسعة النطاق غير أنها أرجأتها إلى “إشعار لاحق” عندما جرى الكشف عن نواياها.
لقد صمتت وسائل الإعلام غير المتضررة من الحملة الشرسة الجديدة التي تستعد السلطات التركية لشنّها على الصحفيين المعارضين للحكومة وذلك في مواجهة الادعاءات التي نشرها المدوّن الشهير فؤاد عوني على تويتر بشأن قائمة تضم إعلاميين مدرجين على لائحة الاعتقال تضم ما يقرب من 150 صحفيًا. وفي الواقع، كان قسمًا من هؤلاء الإعلاميين الصامتين، بحسب تغريدات عوني، ضمن الذين كانوا سيعتقَلون بسبب الدور الذي يدعى أنهم نفذوه إبان انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997. وبهذه الطريقة كانت السلطة الحاكمة في تركيا ستسيطر على الإعلام المركزي دون قيد أو شرط.
يتصرف الإعلام التركي بشكل انتقائي بدلًا عن أن يهبّ في خطوة مشتركة لمعارضة الممارسات المخالفة للديمقراطية مثل انتهاكات حقوق الإنسان وتنفيذ العقوبات دون محاكمات عادلة، حيث تعكس مشاعر اللامبالاة الموجودة في أصل هذا النوع من الإعلام حالته المزاجية إذ إن هذه المشاعر سائدة لدى المواطن في تركيا فهو لا يبالي بما لايهواه وبما لا يضره.
وعلى سبيل المثال، كانت البرامج الحوارية التي تذيعها القنوات التليفزيونية المعارضة للحكومة أو تلك المؤيدة لها– ولو خفية – تستضيف محاميي وأقارب المتهمين الذين بدأت محاكمتهم من جديد تحت مسمى ادعاءات محاولتهم إسقاط الحكومة عن طريق اللجوء إلى العنف وهي جريمة دستورية يعاقب عليها القانون وذلك تقريبًا كل يوم من الأيام التي تكون فيها القضية مثارة على مستوى الرأي العام.
حسنا، لماذا تصمت وسائل الإعلام نفسها أمام عمليات الاعتقال والتشويه غير الخاضعة لأية إجراءات قضائية نزيهة التي تشنّها السلطات ضد المسؤولين الأمنيين الذين تولوا التحقيق في فضيحة الفساد والرشوة الكبرى تنفيذًا لتعليمات النيابة العامة أو أولئك الذين لم يكونوا ضمن هذا التحقيق من الأساس؟
ولماذا لاتصدر ردود فعل أقوى في المجتمع ووسائل الإعلام في الوقت الذي يتهَم فيه مسؤولو السلك القضائي باتهامات خطيرة بعدما أصدروا تعليمات التعقب الفني لجهاز الشرطة من أجل الكشف عن تفاصيل فضيحة الفساد وكذلك نقلهم ليعيَّنوا في وظائف ثانوية غير فاعلة؟
لقد أضحت تركيا مثالًا للدولة التي يذكَر تاريخها القريب بالانقلابات العسكرية غير أن مجتمعها لم يحاكم ولم يعاقب منفذي هذه الانقلابات. وبالتالي فإن هذا المجتمع قد تعرض لعملية القمع والتخويف. فالشعب التركي يتعرض لحملة إسكات عبر إشاعة الخوف والهلع بين صفوفه.
لسنا قادرين على أن نوحّد أصواتنا ونقاوم الضغوط وأن تكون لنا شجاعة كبيرة تمكّننا من نزع سلاح الخوف من أيدي من يهددوننا به. ومن ناحية أخرى، ندرك أن صبر الناس كاد أن ينفد ولذلك نرى هناك مساعى ترمي لجرّ تركيا إلى حالة من الفوضى، وأن الذين يفترض أن يحاسَبوا على ذلك يومًا ولكنهم لايحاسَبون في الواقع. وبما أن تركيا محرومة من ثقافة أخذ عبرة ودرس من الماضي فإن وسائل الإعلام تأخذ نصيبها هي الأخرى من ذلك الحرمان.
لعلكم تذكرون أنه حتى قبل بضعة أعوام مضت كان رجال الدولة العميقة لا يتورّعون عن تنظيم وقفات احتجاجية أمام المحاكم التي يحاكَم بها بعض المثقفين وذلك بغية تشويه صورتهم أمام الرأي العام.
ألم نشهد في الماضي إقدام عوامل مختلفة على تنفيذ مثل هذا النوع من حملات التشويه المغرضة؟
لقد أحيل نائب سابق في البرلمان التركي، بشكل سريع، إلى المحكمة واعتُقل بحجة توجيه الإساءة لمسؤول كبير بالدولة عبر موقع من مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت. فهبّ أنصار الحكومة إلى إطلاق حملة تشويه ضد ذلك النائب. فمَن نشر خبر إحالة النائب إلى المحكمة ياترى؟ فلا يمكن بأي حال من الأحوال استخدام عبارات مسيئة بحق أي شخص بغض النظر عمَن يكون. كما لا يمكن تشويه صورة شخص بدعوى أنه أساء لشخص آخر. أوليس من المثير ألا نشاهد أي رد فعل قوي من عموم الإعلام أمام محاولة التشويه هذه؟
على أية حال، نشر النائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري المعارض محمود طانال بيانًا ينتقد فيه المعاملة التي عومل بها زميله السابق بالبرلمان، مؤكدًا أن هذه الواقعة ما هي إلا عملية ترهيب يقوم بها من يمتلكون السلطة في البلاد.
حسنًا، إلى متى ستستمر عمليات الترهيب هذه؟ ألن نشهد ظهور شخصيات شجاعة تقف في وجه هذه العمليات غير القانونية؟