مائة مثقف حول العالم يتحدثون عن حركة الخدمة
هؤلاء يرون الأمل في “الخدمة”
لقد تعرّض المثقفون ورجال الدين والعلماء المسلمون على مرِّ التاريخ لشتّى صنوف التعذيب والهجوم، فمنهم من قبع في السجون، ومنهم من نُفي، ومنهم من حاول البعضُ التقليلَ من شأنه وتشويهَ صورته لدى الناس .
وتشهد تركيا هجومًا مماثلًا في الأشهر القليلة الماضية؛ إذ نجد الأستاذ “محمد فتح الله جولن” يتعرّض لحملات كراهية وافتراء وبهتان من قبل الحكومة، وذلك بالرغم من ريادته لخطوات كبيرة من أجل السلام والمصالحة العالمية، بفضل المدارس المفتوحة في شتى بقاع العالم، ومراكز الثقافة والحوار التي يتزعمها.
وجّهنا أسئلتنا إلى 100 مثقف بارز من مختلف دول العالم حول الأستاذ جولن وحركة الخدمة اللذين تعرّضا لهجمات مكثَّفة من خلال ادّعاء “الدولة الموازية” الذي ابتدعه رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” للتستّر على عمليات الفساد والرشوة ذات الصلة بشخصه وحكومته، والتي كُشف عنها يومي 17 و25 ديسمبر / كانون الأول الفائت.
لا يمكن لأي عقل سليم الاعتراض على “حركة الخدمة”
زمان س. ستانزاي – معهد سانتا باربارا باسيفيكا
إن أبرز المشاكل التي تعاني منها معظم الحركات الإسلامية هي اقتصار التديّن لديها على المظهر الخارجي فقط. وأما ما تفعله حركة الخدمة فهو تنفيذ الأشياء المهمة فعلًا عوضًا عن التركيز على الأشياء عديمة الأهمية.
يُقال إن “الكلام سهل، لكن الفعل هو الأصعب”. فنحن المسلمون نستطيع التحدث بأريحية تامة عن الأشياء التي يجب أن نفعلها. لكن عندما ينتقل الأمر إلى مرحلة التنفيذ، يمكن لمعظمنا أن يتراجع عن تحمل المسؤولية تمامًا. وهذا يعتبر نوعًا من أنواع النفاق والازدواجية. وكما أن هذا الأمر يمكن أن يكون جزءًا من شخصية فرد ما، فإنه من الممكن أن يتحوّل إلى خاصية جماعة بأكملها. وما أقصده من لفظ الجماعة هنا هو الهويّة الإسلامية.
إن حركة الخدمة تدير عملًا مهمًا للغاية، ألا وهو خدمة الإنسانية. وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حديث شريف: “خيركم أنفعكم للناس”. وإن الأعمال المفيدة تأتي بالعمل والخدمة وليس بالكلام.
وأعتقد أن حركة الخدمة تعتبر نموذجًا حيًّا على هذا، ليس فقط باسمها الذي تُذكَر به وشعارها “خدمة البشرية”، بل في الوقت نفسه بالإنجازات التي تحققها على أرض الواقع. وأنا على قناعة تامة بأن أعلى مرتبة من مراتب الفضائل لديهم هي عدم التقيُّد بتقديم خدماتهم لمجتمع ديني محدَّد؛ إذ يستوعبون العالم كله. وعليه، فيجب أن تكون نقطة تركيزنا هي أن يستوعب مجالُ خدماتنا الناس كافةً.
أرى الأمل في حركة الخدمة
أليكسي سميث – قسّ كاثوليكي
أقدّر الحركة وخدماتها. وهذه الخدمات التي تقدمها الحركة ليست قاصرة على إخوانكم المسلمين، بل هم يخدموننا جميعًا. وإن هذا الأمر يكتسي بُعدًا جديدًا بفضل فعاليات الحوار بين الأديان والتربية والتعليم.
لقد أصبحت مسألة الحوار بين الأديان من الضرورات الحتميّة في كل بقاع العالم. ومهم للغاية أن نتعرّف إلى أنفسنا عبر أنفسنا.
يقول الأستاذ فتح الله جولن في إحدى كلماته “افتح صدرك للجميع قدر المستطاع ليكن كالمحيطات”. وهذا يدل على فكرة أنني بإمكاني إثرائك، كما أنك بإمكانك إثرائي. وهذا تعريف رائع للغاية للحوار بين الأديان. وأرى أن جزءًا كبيرًا من مبادئ هذا التعريف يستند إلى هذه الفكرة.
كما أن هناك أساس التعليم. وأؤمن أن الناس المنتسبين لأديان مختلفة بإمكانهم أن يتعلموا أشياءً متعددة من بعضهم البعض دائمًا. كما أن شبكة المدارس الواسعة التي تدعمها حركة الخدمة تجد مكانًا لها في وسط هذه النقطة بشكل رائع للغاية.
إذا نظرنا إلى الحركات والمؤسسات الإسلامية الأخرى، نجد أن حركة الخدمة تشكّل مثالًا حيًّا للإطار الثلاثي: المساعدات الإنسانية والحوار والتعليم. ولقد زرت بنفسي مؤسساتكم الإغاثية في تركيا، وأعجبت بها وقدّرتها كثيرًا. وإن جاز التعبير فيمكننا القول إن حركة الخدمة لم تكتفِ بالكلام فقط، واستطاعت تحويله إلى أفعال من خلال تقديم الخدمات للناس في شتّى بقاع الأرض.
فلنتطرق للحديث عن بلد كاثوليكي مثل هايتي. وقد وصلت إلى هذه الدولة مساعدات كثيرة للغاية عقب الزلزال المروِّع الذي ضربها عام 2010. وهذا يعتبر نموذجًا متميزًا لاستشعار الأشخاص المنتسبين لأديان مختلفة الاحتياجات الإنسانية الأساسية لبعضهم البعض، والتركيز على مبدأ العمل سويًا من أجل فلاح الإنسانية جمعاء، وذلك بعد تنحية الخلافات الناجمة عن الدين جانبًا.
ولننظر بعد ذلك إلى الفلبين والمدارس هناك. أحيانًا ممكن أن تقع خلافات بين المسلمين والكاثوليك في الفلبين، لكنكم عندما تجمعون كليهما في المدرسة ذاتها من أجل التعلم يبدأ كل فريق بالتعرّف إلى الفريق الآخر مباشرةً دون وسيط. وهذا يقدِّم آمالًا كبيرة من أجل المستقبل. فأنا أرى الأمل في حركة الخدمة
“ينبغي للإنسان أن يعيش الفكرة أولًا”
محمد بابكر- عضو هيئة التدريس بجامعة الجزيرة وعميد معهد الدراسات الإسلامية / السودان
على الإنسان أولًا أن يعيش الفكرة، ثم يحاول بعد ذلك أن يجعل الآخرين يعيشونها. أي أنه إذا استطاع تحويل الفكرة إلى عمل، فإن بإمكانه حينها الاتصالَ بالناس والتواصلَ معهم. ويقول الأستاذ جولن لافتًا إلى هذه النقطة: “تكون تصرفاتنا في معظم الأحيان أكثر تأثيرًا على الآخرين من كلماتنا”.
نعم، إن خدمة الأستاذ جولن تدور حول الفكرة والعمل. كما أن قوة عالم أفكاره وطاقته تُستمد من مصدر حقيقي، ألا وهو طريق الأنبياء. نعم، إن الأستاذ جولن يبني جسور الحب، ويناقش واحدة من أهم الخطوات المهمة للدخول إلى قلوب البشر، ويشير إلى أن الأنبياء لم يسمحوا بالمناقشات والجدالات. أو بتعبير يومنا الحالي، فإن الأنبياء لم يستخدموا الأسلوب الجدلي الذي استخدمه الفلاسفة أو المناقشات الشفهية التي يلجأ إليه مقدمو البرامج التليفزيونية، وابتعدوا عنها تمامًا.
وبطبيعة الحال فإن غاية أمانيهم أن يؤمن الناس لينجوا. ويقول الأستاذ جولن هو أيضًا إن أبرز ميزة لدى رجل الدعوة هو نقل البشرية إلى مرتبة الإيمان. وهذه في الواقع هي وظيفة الأنبياء والرسل.
ولقد أصبح نموذج الخدمة في طريق الوصول إلى البشرية والعيش جنبًا إلى جنب والتواصل، مثالًا تحتذي به الإنسانية بفضل الأساليب التي يتبعها. هذا إضافة إلى أن الأستاذ جولن يقول بخصوص الوصول إلى الآخرين: “سنأتي إليك مهما كانت هويتك أو شخصيتك”.
نعم، إن هذه المقولة العالمية التي قالها الأستاذ جولن جعلت من حركة الخدمة علامةً عالمية رفيعة.