تقرير: ياوز أجار
أنقرة (زمان التركية) – تثار ادعائات في تركيا حول تغير خارطة التحالفات السياسية، بمخطط يقوده الرئيس التركي رجب أردوغان، ربما يقضي من خلاله على أبرز حلفائه أو على الأقل إقصائه سياسيًا.
وبعد نقل رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، حليف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى المستشفى، بسبب عدوى بالجهاز التنفسي، ترددت الأنباء عن عدم قدرته على مواصلة العمل السياسي حتى ولو خرج من المستشفى.
الصحفي التركي طلعت أتيلا، نفي ما يتردد من أنباء عن وفاة الزعيم القومي، موضحًا أنه يخضع للعلاج بأنقرة، لكنه استدرك قائلاً: “ربما لن تسمح حالته الصحية باستكمال مسيرته السياسية خلال الفترة المقبلة”.
وقال أتيلا في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر، إن بهجلي، يعاني من مرض مزمن، ويخضع للعلاج بإحدى مستشفيات أنقرة، وأنه قد لا يكون قادرًا على مواصلة مسيرته السياسية.
ومن اللافت أن مرض الزعيم القومي بهجلي تزامن مع الانتقادات الموجهة إلى الرئيس أردوغان من داخل حزبه، بسبب تحالفه مع حزب الحركة القومية.
وصدرت أقوى الانتقادات في الفترة الأخيرة لأردوغان من رئيس وزراء تركيا الأسبق أحمد داود أوغلو وفريقه، متهمين إياه بجعل حزب العدالة والتنمية ذيلا للحزب القومي وأداة لتنفيذ سياساته ومشاريعه في الداخل والمنطقة، وهو الأمر الذي دفع أردوغان إلى البحث عن حليف بديل لبهجلي.
أعقب ذلك لقاءات جمعت بين أردوغان والزعيمة القومية الأخرى رئيسة حزب الخير ميرال أكشنار التي انشقت من حزب الحركة القومية، وهو الأمر الذي تسبب في ظهور ادعاءات حول تحالف أردوغان مع أكشنار في الفترة المقبلة.
وكان الصحفي المخضرم ياوز بيدار أول من تطرق إلى ذلك، مدعيًا أن أردوغان يسعى للخروج من مآزقه الحالية من خلال الاتفاق مع حزب الخير، الذي يعد أكثر محافظة من حزب الحركة القومية، وهو الأمر الذي يطمح أردوغان من حلاله جمع قاعدته المحافظة مجددًا بعد أن استاءت من ممارساته في السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الفئات المحافظة بحجة مكافحة ما يسميه منظمة فتح الله كولن.
كما أن زعيم المعارضة رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو اتهم مؤخرًا الرئيس أردوغان بالسعي لتدمير تحالف الأحزاب المعارضة المكونة من أحزاب الشعب الجمهوري و”الخير” و”السعادة” والشعوب الديمقراطي الكردي، ومن ثم جاءت زيارة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو إلى زعيمة حزب الخير مرال أكشنار خلال الأسبوع الماضي، ليؤكدا في نهاية اللقاء استمرار تحالف المعارضة.
وفي وقت سابق حذر ياوز أغير أوغلو الناطق الرسمي باسم حزب الخير، من خطوات حزب الشعب الجمهوري للتقارب مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، والذي يجمعهم مع تحالف الأمة.
ياوز أغير أوغلو أكد أن حزب الخير من المكن أن ينفصل عن تحالف الأمة إذا تحول تحالف حزب الشعب الجمهوري مع الحزب الكردي إلى تعاون مؤسسي. وقال مخاطبا قادة حزب الشعب الجمهوري: “دخولكم في علاقات مؤسسية مع الحزب الكردي سيؤدي إلى خروجنا من التحالف”.
وفي الوقت ذاته أشار إلى أن الرئيس أردوغان سيكون سعيدا بخروج حزب الخير أو حزب الشعب الجمهوري من تحالف الأمة المعارض الذي صمد أمام تحالف الشعب الذي دشنه حزب العدالة والتنمية الحاكم مع حزب الحركة القومية، لخوض الانتخابات.
كان من المثير أن زعيمة حزب الخير هي الأخرى نقلت إلى المستشفى في نهاية الشهر الماضي إثر إصابتها بوعكة صحية شديدة، وكشفت التقارير الطبية أنها تعاني من نوبة إسهال شديدة، دون التوصل إلى السبب وراء ذلك.
والذي يضفي على كل هذه التطورات لغزًا هو أن المستشفى الذي يخضع بهجلي فيه للعلاج هو مستشفى جامعة “باشكنت” في العاصمة أنقرة، بنفس المكان الذي خضع فيه للعلاج بولنت أجاويد، رئيس الوزراء التركي من 11 يناير/كانون الثاني 1999 حتى 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2002، وتحت إشراف الطبيب ذاته محمد خبرال عميد الجامعة.
وتبين من خلال تحقيقات قضية أرجنكون الانقلابية التي انطلقت عام 2007 أن تنظيم أرجنكون الحليف حاليا مع أردوغان، أحاط أجاويد برجاله، وعمل على تدهور حالته الصحية من خلال الأدوية التي قدمها له أطباؤه. فقد ورد بين الاتهامات الموجهة إلى الطبيب محمد خبرال في إطار قضية أرجنكون، منع معالجة أجاويد، عندما تلقى علاجًا في هذا المستشفى.
وهذا ما أكده رئيس حرس أجاويد الشخصي “رجائي بيرجون” الذي أصبح عضوًا برلمانيًّا فيما بعد. فقد قال عندما أدلى بإفادته كشاهدٍ في إطار قضية أرجنكون في 21 مايو/أيار 2012: “وإذا نظرنا إلى الأحداث التي عاشتها تركيا في تلك الفترة من تقسيم حزب أجاويد إلى قسمين وغير ذلك، بالاستفادة من مرضه، فإن ما تعرض له أجاويد كان شبيهًا بانقلاب 1997 الناعم”.
وأضاف: “لقد مكث أجاويد في المستشفى (مستشفى جامعة باشكنت المذكور) عشرة أيام. وأكد مسؤولو المستشفى ضرورة بقائه تحت الرقابة في المستشفى لمدة 8 أشهر، وإلا قد يؤدي مرضه إلى شلل كلي أو الموت. غير أننا قررنا نقل أجاويد إلى منزله رغم كل شيء، فبدأ عندها تتحسن حالته الصحية. إن هذا الكيان (أرجنكون) كان يريد الحصول على تقرير من إدارة مستشفى يفيد بعدم صلاحية أجاويد لرئاسة الوزراء في ظل ظروفه الصحية لإسقاط حكومته”.
وفي نهاية المطاف اضطر أجاويد تحت وطأة الضغوط السياسية والعسكرية في ذلك الوقت (فترة انقلاب 1997 الناعم التي استمر حتى عام 2002) إلى اتخاذ قرار بتقديم موعد الانتخابات النيابية لتجرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 وينهزم حزبه “اليسار الديمقراطي” أمام حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، ويعتزل الحياة السياسية حتى وافته المنية في 2006.
وهناك تشابه مثير بين الصورة التي جمعت أجاويد مع خبرال في بدايات الألفية الثالثة أمام مستشفى باشكنت وبين الصورة التي جمت بهجلي وخبرال أيضًا أمام المستشفى ذاته في هذه الأيام، حيث كان الزعيمان لا يستطيعان القيام إلا بمساعدة الآخرين.
كل هذه التطورات تثير تساؤلات حول ما إذا كانت بعض القوى السياسية المختفية خلف الستار تحركت من أجل إعادة تصميم السياسة والأحزاب السياسية مجددًا في تركيا.
–