بقلم : ياوز أجار
نيويورك (زمان التركية) – هاجم الرئيس التركي رجب أردوغان الجماعات الإرهابية واصفا إياهم بـ “قطعان القتلة” في ظل اتهمات لتركيا بتوظيف التنظيمات والجماعات الإرهابية في سوريا والمنطقة عموما.
على هامش زيارته الولايات المتحدة الأمريكية لحضور اجتماعات قمة منظمة الأمم المتحدة، شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ندوة مع عدد من ممثلي الدول الإسلامية، ضمن فعالية نظمتها لجنة التوجيه الوطنية التركية الأمريكية (TASC) وقال أردوغان إن هناك ممثلين عن الدول الإسلامية من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية جاءوا خصيصًا لحضور الندوة.
في كلمته خلال الندوة، وصف أردوغان تنظيمات القاعدة وداعش وبوكو حرام والشباب الصومالية بأنها “قطعان من القتلة”، موضحًا أنهم يقومون بخدمة أعداء الإسلام.
وقال: “نحن نعلم جيدًا أن من يرسلون شاحنات محملة بالسلاح إلى التنظيمات الإرهابية في سبيل حماية مصالحهم، متورطون فيما سال من دماء المسلمين”.
تأتي تلك التصريحات في الوقت الذي تتعرض الحكومة التركية لاتهامات محليا ودوليا بتوظيف التنظيمات والجماعات الإرهابية في سوريا والمنطقة عموما.
علاقة مع داعش
مجلة “هوم لاند سيكيوريتي توداي” الأميركية كانت كشفت في مارس/ آذار الماضي عن اتصالات بين أفراد من تنظيم داعش الإرهابي مع مسئولين كبار بالحكومة التركية، وكشفت خلال مقابلة أجرتها مع مهندس “مغربي” يدعى “أبو منصور المغربي” الذي انضم إلى داعش في سوريا عام 2013، أن هذا الرجل كان يعمل كسفير لداعش في تركيا حيث التقى بمسؤولين رفيعي المستوى في جميع الفروع الأمنية.
وقال أبو منصور: “كانت مهمتي هي توجيه العملاء لاستقبال المقاتلين الأجانب في تركيا”، مشيرًا إلى أن شبكة من الأشخاص ممولين من قبل داعش سهّلوا سفر المقاتلين الأجانب من إسطنبول إلى المناطق الحدودية مع سوريا، مثل غازي عنتاب وأنطاكيا وشانلي أورفة.
وأشار أبو منصور إلى أن من كان يتعامل معهم من المسئولين الأتراك كان منهم من يمثل المخابرات التركية، ومنهم قيادات بالجيش التركي وجهاز المخابرات، وكانت معظم الاجتماعات في تركيا تكون بمواقع عسكرية قريبة من الحدود التركية السورية.
وامتد التمثيل “الدبلوماسي” لأبي منصور، نيابة عن التنظيم، ليصل إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان نفسه، على حد زعمه، حيث قال: “كنت على وشك مقابلته لكنني لم أفعل. قال أحد ضباط مخابراته إن أردوغان يريد أن يراك على انفراد، لكن هذا لم يحدث”.
وأوضح أنه في عام 2014، كانت تركيا تحاول لعب لعبة مزدوجة مع الغرب، من خلال السماح للمقاتلين الأجانب بالدخول إلى سوريا، مع إعطاء مظهر أنهم كانوا يتخذون تدابير لمنعهم،كما فتحت تركيا بعض بوابات العبور القانونية تحت أعين الاستخبارات التركية والتي استخدمها أعضاء تنظيم داعش للدخول والخروج من وإلى سوريا، وأضاف: “لكن الدخول إلى سوريا كان أسهل من العودة إلى تركيا، فتركيا تسيطر على حركة العبور”.
فضيحة شاحنات الأسلحة
عام 2014 شهد فضيحة كبيرة تكشف الدعم الحكومي التركي للمجموعات المسلحة في سوريا، حيث كانت قوات الدرك التركية استوقفت شاحنات تابعة للمخابرات التركية في طريقها إلى الجماعات الجهادية المقاتلة في سوريا.
أردوغان لم يجد مخرجا من هذه الأزمة إلا الادعاء بأن مدعي العموم المنتمين لما سماه “الكيان الموازي” دبروا للحكومة هذا الأمر وأن الشاحنات كانت على عكس مما ظهر مملوءة بالمساعدات إلى توركمان سوريا.
وكان مسؤولون أتراك أدلوا بتصريحات متناقضة حول هذه الشاحنات وما إذا كانت تحمل أسلحة إلى التنظيمات الراديكالية أو مساعدات غذائية إلى تركمان سوريا. ولا يزال الرأي العام ينتظر جوابا واضحا في هذا الصدد. حيث اتهم مسؤولو الحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان أعضاء “الكيان الموازي” بمنع وصول المساعدات المقدمة إلى التركمان تارة وتدبير انقلاب ضد الحكومة تارة أخرى.
بعد أن كشف أحد الصحفيين التصريحات المتضاربة بشأن شاحنات المخابرات، قال وزير الداخلية التركي الأسبق أفكان علاء في 2 يناير/ كانون الثاني 2014: “ليست هناك تصريحات متضاربة؟ وليس هناك شيء نقوم به. فهناك تركمان، وهذه المساعدات مقدمة لهم. وعلى الجميع أن يلتزم بعمله دون التدخل في شؤون أخرى”.
وادعى الرئيس التركي الحالي رئيس الوزراء في تلك الفترة أردوغان في 24 يوليو 2014 أن الشاحنات كانت تحمل مساعدات إلى التركمان قائلا: “انظروا.. إن هذه الشاحنات كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى تركمان سوريا. وتعرفون من الذين عرقلوا ذلك. ونحن نقدم مساعداتنا على نفس المنوال إلى الإخوة التركمان في العراق أيضاً. إنهم يعرفون كل الحقائق الخاصة بهذا الموضوع. نحن نقدم هذه المساعدات وسنستمر في ذلك.” وكذلك ادعى رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أن هذه المساعدات كانت ترسل إلى تركمان “بايير بوجاق” (جبل التركمان) في سوريا.
أسلحة لدعم الجيش السوري الحر
لكن ياسين أقطاي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية وأحد مستشاري أردوغان سابقاً صرّح بأن شاحنات المخابرات الوطنية كانت محملة بالأسلحة ومتجهة إلى الجيش السوري الحر.
أما إبراهيم كالين كبير مستشاري الرئيس أردوغان أنكر هذا الزعم وأكّد أن المخابرات التركية لم ترسل أبداً شحنات أسلحة إلى أي مجموعة من المجموعات المعارضة المقاتلة ضد النظام السوري.
لم ترسَل إلى التركمان
بينما نفى عضو حزب الحركة القومية السابق نائب رئيس الوزراء الأسبق في حكومة أردوغان طغرل توركيش كل هذه المزاعم وأكّد مقسماً: “والله إن تلك الشاحنات لم تكن ترسَل إلى التركمان أبداً.”
ثم خرج نائب رئيس المجلس التركماني السوري حسين العبد الله لينفي صحة مزاعم أردوغان وداود أوغلو وأفكان علاء في تصريحات أدلى بها في 4 يناير 2014: “ليست هناك أية شاحنة مساعدات مقدمة للتركمان من أنقرة. فقد وصلت الأسبوع الماضي شاحنة من سويسرا محملة بالملابس. ولم نحصل من حكومة أنقرة على أي مساعدات مسلحة أو أي شكل من أشكال المساعدات”.
ورغم هذه التصريحات المتضاربة التي أدلى بها المسؤولون رفيعو المستوى إلا أن إعلام أردوغان يواصل شنّ حرب ضد ما أسماه بـ”الكيان الموازي” ويدعي أن أعضاءه في السلك العسكري هم الذين خططوا للانقلاب ضد الحكومة عبر استيقاف شاحنات المخابرات “مجهولة الحمولة” وكذلك استهدفوا منع الأسلحة أو المساعدات المرسلة إلى المعارضة السورية أو التركمان.
خلق ذريعة للتدخل في سوريا
في 24 من مارس/آذار عام 2014 اهتزت تركيا أيضًا إثر تسريب تسجيل صوتي رُفع على موقع يوتيوب من حسابٍ بعنوان “@secimgudumu”، تضمن المحادثات التي جرت في اجتماعٍ حضره كلٌّ من وزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو ومستشار وزارة الخارجية فريدون سنرلي أوغلو ورئيس المخابرات هاكان فيدان والقائد الثاني للأركان فريق أول ياشار جولر.
ورغم الفضيحة التي شكلتها إمكانية تعرض اجتماع مهم وسري للتنصت وتسريبه إلى الإعلام الاجتماعي فإن محتوى المحادثات التي تضمنها هذا الاجتماع كان أفدح وأخطر، وقدم هاكان فيدان مقترحا جاء فيه: “من الممكن أن نرسل أربعة من رجالنا إلى الجانب السوري، ليقوموا بإلقاء صواريخ على الجانب التركي من هناك، من أجل خلق ذريعة لازمة للتدخل العسكري في سوريا إن تطلب الأمر ذلك”.
وأكد أن الحدود التركية – السورية لا تفرض عليها رقابة صارمة، وأن تركيا من الممكن أن تشهد تفجيرات في أي مكان؛ فيما كان الجنرال جولر يلفت الانتباه إلى ضرورة نقل أسلحة وذخائر إلى المعارضة السورية تحت إشراف المخابرات، وأوضح أن القطريين يبحثون عن ذخائر مقابل أموال، وأنه في حال إصدار وزراء معنيين تعليمات يمكنهم أن يطلبوا من مؤسسة الصناعات الميكانيكية والكيميائية التابعة للجيش تصنيع أسلحة. بالإضافة إلى ذلك، فقد اعترف رئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان بإرسال نحو ألفي شاحنة من الذخيرة إلى سوريا. وفي إطار بحثهم عن “ذريعة” للتدخل العسكري في سوريا، اقترح فيدان أيضًا “شنّ هجوم على ضريح سليمان شاه”؛ جد أول سلطان للدولة العثمانية، الموجود على الأراضي السورية، وهو ما تم لاحقا، ثم نقل الضريح إلى مكان قرب الحدود التركية.
هذا التسجيل الصوتي يحتوي على معطيات رائعة لتحليل “العقلية” التي كان أردوغان وفريقه يديرون بها تركيا وكيف يتعاملون مع القضايا الداخلية والخارجية، بمنطق افتعال الأزمات.
ومع عدم وجود أدلة قاطعة على الجهة التي سربت هذا التسجيل، لكن من المرجح أن تكون القيادة العسكرية العليا التي كانت على خلاف مع أردوغان بشأن التدخل العسكري في سوريا هي من سربت مقطع الفيديو الخاص بشاحنات المخابرات وهذا الاجتماع السري لتشكيل رأي عام معارض. لكن أردوغان كعادته اتهم أردوغان حركة الخدمة بالوقوف وراء هاتين الحادثتين ووظفهما في تعزيز مصطلح “الكيان الموازي” الوهمي وتضخيمه لتهيئة الأرضية للتصفيات التي يعتزم إجراءها في صفوف الجيش والتي خطط لها مع حلفائه من عصابة أرجنكون، والإسلاميين الذين كانوا يسعون إلى توجيه أردوغان من المعسكر الأطلسي إلى المعسكر الأوراسي.