تقرير: ياوز أجار
إسطنبول (زمان التركية) – أجرى الكاتب والصحافي التركي المخضرم فهمي كورو مقارنة مثيرة بين ما تعرض له رئيس بلدية إسطنبول الأسبق، الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، في تسعينات القرن المنصرم وما تعرض له على يده رؤساء بلديات أكراد في الوقت الراهن.
كورو الذي كتب لعديد من الصحف اليمنية والإسلامية لسنوات طويلة، وعلى رأسها “زمان” و”يني شفق” و”ستار”، تساءل في مقال له حمل عنوان: “هل يتذكر أردوغان أيام عزله من رئاسة بلدية إسطنبول؟”، نشره موقع “أحوال تركية” قائلا: “هل تتابعون التصريحات التي يدلي بها مسؤولو حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حول إقالة رؤساء ثلاث بلديات تابعين لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي بتعليمات من وزير الداخلية سليمان صويلو، وما يكتبه أصحاب الأقلام والمحللون السياسيون القريبون من الحزب في الصحف وعلى الشاشات التلفزيونية في صدد الدفاع عن الخطوة وتبريرها؟”.
ثم أضاف كورو أنه تابع تلك التصريحات وتملّكته حيرة ودهشة تفوقان الوصف، بسبب كل من المقاربة التي يبديها أصحاب تلك التصريحات حول عزل مسؤول “منتخب” وطريقة تناولهم لأحد أكبر مشاكل تركيا المزمنة.
وأعاد كورو للأذهان أن رئيس بلدية إسطنبول الأسبق، الرئيس الحالي أردوغان، كان اضطرّ إلى ترك وظيفته قبل أكثر من عشرين عامًا بعدما تعرضت حقوقه لانتهاك صارخ أيضًا.
لفت كورو بعد ذلك إلى الفارق الأساسي بين تعرضه للعزل من رئاسة بلدية إسطنبول وعزله هو رؤساء بلديات كردية في الوقت الراهن، حيث قال: “إني أعلم أن هناك العديد من أوجه الاختلاف بين عزل أردوغان من منصبه في ذلك الوقت وبين عزل رؤساء البلديات الأكراد في الوقت الراهن بحيث يجعل المقارنة بينهما مستحيلا. فقبل كل شيء كان عزل أردوغان في ذلك الوقت بموجب قرار قضائي من المحكمة، أما اليوم فالقرار صدر من السلطة التنفيذية، وبالتحديد من وزارة الداخلية، من دون أن يكون هناك أي حكم قضائي.
ثم فصّل بقوله: “نظرا لأن رؤساء البلديات الكردية المعزولين كانوا أعضاء برلمانيين في الدورة البرلمانية السابقة، فهم أصبحوا مرشحين لرئاسة البلديات بعد الخضوع لرقابة لجنة الانتخابات العليا مرتين، بل ثلاث مرات إذا أضفنا إلى السابقين موافقة لجنة الانتخابات العليا على منحهم محاضر تنصيبهم رؤساء للبلديات التي فازوا بها. ولم يصدر أي قرار من المحاكم بشأن الادعاءات التي تسوقها الحكومة بحقهم. فليس هناك أكثر من اتهامات وادعاءات مطلقة مفتقرة إلى أدلة قانونية.”
“كان الجميع استنفر من أجل أردوغان”
وذكّر كورو بأنه لما صدر قرار بإبعاد أردوغان من رئاسة بلدية إسطنبول في الأيام التي عصفت فيها رياح الانقلاب الناعم في 28 فبراير 1997 كانت الحجةُ “مكافحةَ الرجعية الدينية”، والتهمةُ تحريضَ الشعب ضد النظام القائم في البلاد من خلال إنشاد أبيات من شعر تدغدغ المشاعر الدينية للشعب، على حد زعم السلطات القضائية حينها.
وتابع قائلا: “لم يكن تردد أحد منا وأي إنسان آمن بالديمقراطية وسيادة القانون ولو لحظة في الدفاع عن حقوق أردوغان في ذلك الوقت. أما اليوم فأنظر وأرى أن معظم الكتاب والمعلقين الذين كانوا دافعوا حينها دفاعًا مستميتًا عن أردوغان عبر شتى الصحف والقنوات التلفزيونية ينظرون إلى قضية عزل رؤساء البلديات التابعين لحزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد من زاوية مختلفة، ويبذلون كل ما بوسعهم من أجل العثور على مبررات جديدة تسوِّغ خطوة وزارة الداخلية.
وأفاد كورو أنه يتذكر اليوم جيدًا المعركة السياسية والقانونية التي كان الجميع خاضوا في غمارها من أجل الدفاع عن حقوق أردوغان كرئيس لبلدية إسطنبول، ثم أردف بقوله: “كيف لا أتذكر ولا يزال كتاب ضخم يضمّ دفاع أردوغان في ذلك الوقت، بجانب مئات المقالات التي كتبها المتخصصون في القانون في الصدد نفسه، يشغل أفضل موقع في مكتبتي. وذلك بالإضافة إلى مجموعة من الكتب الأخرى التي تمنعني من نسيان تلك الأيام السوداء التي مرت بها بلادنا في تسعينات القرن المنصرم”.
ثم كشف كورو عن ازدواجية معايير بعض الكتاب الموالين للسلطة قائلا: “إنه لمفارقة كبيرة وباعثة على التفكير أنْ أرى كثيرًا من الزملاء الكتاب والصحفيين يتخذون موقفا مختلفا من إقالة رؤساء البلديات المنتخبين بعدما أخذوا صفهم في الجبهة الديمقراطية القانونية المدافعة عن حقوق أردوغان في تسعينات القرن الماضي.”
وأكد كورو أن ما يشهده في تركيا اليوم لم يعد يثير حيرته ودهشته، مشددا على أنه لم يعد يتمالك نفسه من الحزن والأسى وواصل قائلا: ممّا يبعث على الحزن والأسى أن عددًا من الكتب التي احتفظ بها في أبرز موقع من مكتبتي، والتي تذكّرني بتلك الأيام التي عشناها أثناء انقلاب 1997 الأبيض، تعود إلى مؤلفين يكتبون اليوم المقالات التي تبرّر عزل رؤساء البلديات المنتخبين في ظل غياب أي حكم قضائي يقتضي ذلك. لو خرج أحد أيام الانقلاب الأبيض في 1997 وزعم أن مستقبل تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان سيشهد كذا وكذا وكذا لما صدقته أبدًا. ولكني اليوم فقدتُ قابلية الإحساس بالحيرة جراء الأحداث التي عاشتها تركيا حتى الخطوة الأخيرة التي أسفرت عن تعيين أوصياء على 3 بلديات كردية. لم أعد أشعر بالحيرة تجاه أي شيء بعدما شاهدنا بأم أعيننا كل الانتهاكات التي لم يكن لتخطر على بال أحد”.
واختتم الكاتب المخضرم فهمي كورو مقاله بالقول: “لا شكّ أن أيام انقلاب 1997 قد ولت دون رجعة، وهذه الأيام ستنتهي أيضًا وستصبح شريحة زمنية من الماضي بلا ريب.. أعتقد أن هذه هي النقطة التي تغيب عن بال الكثير. قد يخيّل للسياسيين أو أصحاب المبادرات السياسية أن المواقف التي يتخذونها والسياسات التي يفرضونها على الشعب ستستمر أبد الدهر، كما ظنّ الانقلابيون في عام 1997، لكن ينبغي على الذين يتابعون السياسة من مسافة معينة أن لا يقعوا في مثل هذا التفكير الخاطئ. فالتاريخ أكبر شاهد على أنه لم يُكتب لأي شخص أو سياسةٍ البقاءُ والاستمرار حتى الأبد”.