طالما عزمت على ارتداء الزي العسكري فكان أولى بك تَعلُم أداء التحية العسكرية
“تحية رئيس أهان بها العسكرية التركية”
بقلم: مايسترو
في 15 يوليو 2016 شهدت تركيا محاولة انقلابية فاشلة قام بها ضباط من القوات المسلحة التركية، وحسب مصادر عسكرية تركية فإن قائدي القوات الجوية والبرية هما من أهم قادة الانقلاب، وأن المستشار القانوني لرئيس الأركان هو من خطط للانقلاب، وبعد فشله فقد تم عزل الآلاف من المسئولين، ووجد أردغان الفرصة مواتية للتخلص من أكثر الأشخاص شعبية في تركيا، فادعى زوراً أن الأستاذ فتح الله كولن زعيم حركة الخدمة هو الأب الروحي لهذا الانقلاب.. وتغيرت استراتيجية أردوغان عقب فشل هذا الانقلاب فيما يتعلق بالقوات المسلحة التركية، فقد رأى أنه من الأصوب لاستقرار حكمه أن يُشغل الجيش التركي في مهام خارجية يتم من خلالها استغراق قادته وضباطه وجنوده، وإبعادهم عن السياسة الداخلية.. ولعل أهم مظاهر هذه السياسة :
* اتخاذ القرار السياسي لبدأ العملية العسكرية التركية ” درع الفرات” ودخول قوات الجيش التركي لاحتلال مساحات شاسعة من الشمال السوري بدعوى إقامة منطقة آمنة، أملاً في أن يحول هذا وتطلعات الأكراد بإقامة دولتهم المستقلة، وحارب الجيش التركي متعاوناً مع الجماعات الانفصالية التي انشقت عن الجيش السوري؛ والذين أطلقوا على أنفسهم ” الجيش السوري الحر” وادعو أنهم يحاربون ضد التنظيم الإرهابي “داعش”، وهم في الحقيقة خونة للوطن السوري، حيث ساهموا في تدمير وطنهم، وتم توظيفهم من قبل أعداء الدولة السورية.. وفي 29 مارس 2017 أعلنت تركيا نجاح عملية “درع الفرات”.
* وفي ديسمبر 2017 صرح الرئيس التركي أردوغان في زيارته للسودان أن الرئيس السوداني البشير وافق على تسليم تركيا جزيرة سواكن الواقعة على البحر الأحمر كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية غير محددة، وصرح أنه طلب من البشير إعادة سواكن لأصلها القديم، وفي ذات السياق وقيع الرئيسان اتفاقية للصناعات الدفاعية.. ؟؟؟ وجدير بالذكر أن ميناء سواكن هو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان، وقد سبق في عهد الدولة العثمانية اتخاذ الجزيرة مقراً للحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر خلال الفترة من 1821، 1885، كما استخدمتها الدولة العثمانية مركزاً لبحريتها.. لذا فإن أردوغان يريد بهذا ـــ على الأقل ـــ إنشاء قاعدة عسكرية يسيطر بها على نشاط الملاحة في البحر الأحمر.. .
* وفي أكتوبر 2017 تم البدء في إنشاء قاعدة عسكرية تركية في الصومال، وقد أُعلن من المسئولين أن أهم أهداف القاعدة هو تأهيل الجيش الصومالي، وربما وجد أردوغان في الموقع الاستراتيجي للصومال نقطة ارتكاز وسيطرة على حركة الملاحة في هذه المنطقة، خاصة بعد تبخر أماله وتعثر سياساته في أعقاب فشل التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي ركبت موجة ما أُطلِق عليه ثورات الربيع العربي، حيث كان وما زال داعماً لهذه التنظيمات بدعوى نصرته للصحوة الإسلامية التي يدعيها.. .
* هذا وأعلن أردوغان في أكثر من مناسبة دعمه لحكومة الوفاق في طرابلس، ولم يقتصر ها على الدعم السياسي فقط، ليصل إلى دعم عسكري، فقد أعلنت سلطات الجمارك الليبية مؤخراً مصادرة شحنة أسلحة قالت إن مصدرها تركيا، وتضمنت الشحنة مدرعات قتالية وسيارات دفع رباعي، وذلك بعد أسابيع من إحباط دخول شحنة أسلحة تركية أخرى تحتوي على 20 ألف مسدس عبر ميناء مصراته، ووفقاً لتصريحات لمسؤولين أتراك فإن الدعم التركي لحكومة الوفاق الليبية يأتي بهدف الحفاظ على مصالح تجارية بمليارات الدولارات، تواجه المجهول بسبب الصراع والوضع الأمني، بجانب تأمين منطقة نفوذ لها وسط توترات حول الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط.. وكلها مبررات وهمية، والحقيقة تكمن وراء سياسة أردوغان في إستغراق الجيش التركي في صراعات خارجية، ستكلف تركيا أمولاً طائلة، هذا بجانب الدماء التركية التي ستذهب سدى، في مقابل تحقيق الرئيس لأهداف شخصية، تتمحور حول استمراريته في حكم تركيا لأطول فترة ممكنة.
وأطلق الجيش الوطني الليبي الشهر الماضي سراح سته أتراك من عناصر الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق، وذلك بعد القبض عليهم من قبل قوات الجيش الوطني الليبي، وصرح المتحدث باسم الجيش الوطني اللواء أحمد المسماري، أن الضربة النوعية التي شنتها مقاتلاته على مخزن للطائرات المسيرة في مطار مصراته الشهر الجاري أحبطت مخططا لتحويله إلى قاعدة جوية تركية، هذا وهدد المشير خليفة حفتر باستهداف الوجود التركي في ليبيا. حقاً لقد أضحى الصراع الليبي ما هو إلا امتداد لصراعات كبرى بين قوى إقليمية ودولية، نقل جانب منها ـــ في مقدمتهم تركيا ـــ خلافاتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية إلى أرض جديدة، فأصبحت ليبيا اليوم ساحة حرب لأجندات وإرادات خارجية.
ولعل أكثر المشاهد الصادمة في هذا الملف، أن فايز السراج خلال زيارة لتركيا مؤخرًا بحث المزيد من الدعم العسكري التركي، وعن قبوله لوجود عسكري تركي على الأراضي الليبية لحماية العاصمة.. وربما خشى أردوغان قبول هذا العرض على الرغم من دعمه العسكري الكبير لحكومة الوفاق، ربما لخشيته مخالفته للحظر المفروض من الأمم المتحدة ومجلس الأمن على الدعم العسكري لأطراف الصراع الليبية.
هذا ودعا زعيم المعارضة في البرلمان التركي ” كمال كيليتشدار أوغلو” الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى طرد الإخوان من تركيا والتصالح مع مصر قائلاً : إذا أرادت تركيا ألا تخسر في السياسية الخارجية، فلا بد أولاً أن يتخلى أردوغان عن جماعة الإخوان المسلمين، وأضاف أن “تركيا تدفع الثمن غاليا نتيجة هذا الصراع.. هذا كما هاجمت أصوات المعارضة أيضاً تورط تركيا وانغماسها في الحرب الأهلية المستعرة بليبيا، مما أدى لتعرضها لخسائر اقتصادية وسياسية ضخمة أضرت بمصالحها المتشابكة مع بعض البلدان العربية الغنية، فالتورط مع الوفاق عرض المصالح التركية في ليبيا لأضرار مباشرة، فليبيا تعد سوقا بالغة الأهمية لأنقرة، فهي من البلدان التي تستقبل الكثير من الصادرات التركية، ومع اشتعال الحرب الليبية فقد بدأت المشروعات التركية في التراجع، وخسر المستثمرون الأتراك في القطاع العقاري الليبي مشروعات تفوق في قيمتها 10 مليار دولار، كما بلغ حجم الدعم المادي من الأسلحة والمعدات العسكرية التركية المقدمة ما يزيد على المليار دولار حتى تاريخ كتابة هذه السطور.. هذا ولعل استمرار الدعم العسكري التركي للوفاق يعني خسائر مستقبلية أكبر؛ وأن نجاح قوات الجيش الوطني الليبي في استرداد طرابلس سيعني بالنسبة للأتراك مصيرا مماثلاً للذي واجهوه في السودان بعد عزل الرئيس السوداني السابق عمر البشير.. .