إسطنبول (زمان التركية) – أدلى رئيس حزب المركز التركي البروفيسور عبد الرحمن كارسلي بتصريحات جريئة لأول مرة حول محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد قبل أكثر من ثلاث سنوات، لكنّ النقاشات الدائرة حول الواقفين الحقيقيين وراءها لا تزال مستمرة إلى اليوم.
خلال مشاركته في برنامج تليفزيوني على قناة عقد تي في “Akit TV” المقربة من حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، أكد عبد الرحمن كارسلي المنتمي إلى التيار الإسلامي في تركيا أن المعتقلين من النساء والولدان والشيوخ بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة ليسوا من دبّروا محاولة الانقلاب وليسوا من قتلوا المدنيين على جسر البوسفور، مشدّدًا على أن حركة الخدمة لا يمكن وصفها بتنظيم إرهابي.
وانتقد كارسلي تجنّب نظام أردوغان من إجراء تحقيق بالسيتي للرصاصات المعثورة عليها على جسر البوسفور، مطالبًا بفتح تحقيق شامل في القريب العاجل وتشريح جثامين المواطنين الذين استشهدوا إثر تعرضهم لإطلاق نار في أحداث ليلة الانقلاب لمعرفة القتلة الحقيقيين.
وأيد كارسلي ما صرح به مؤخرًا رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو من أن الانقلاب كان عبارة عن سيناريو تم تدبيره من أجل ضمان الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، حيث قال: “محاولة الانقلاب مهدت الطريق أمام نقل تركيا إلى النظام الرئاسي الحالي”.
وأوضح البروفيسور كارسلي أن نظام أردوغان يسجن الأطفال الرضع والأمهات والمعلمين بحجة محاولة الانقلاب، وأضاف: “عندما أقول إن حركة الخدمة ليست تنظيمًا إرهابيًا، فإنني أقصد أن التنظيم الإرهابي لا يمكن أن يكون بهذا الشكل. لماذا قُتل 250 شخصًا في الأحداث؟ من هم القتلة؟ لنقم بعمل تشريح للجثامين حتى نعرف من أطلقوا النار على المدنيين. هل هم طلاب المدارس الثانوية العسكرية الذين جلبوا في هذا اليوم إلى جسر البوسفور ليكونوا ضحايا الانقلاب ويحكموا عليهم بالمؤبد في سنّ الطفولة أم القتلة هم أناس آخرون؟”.
وتابع كارسلي أن أحداث الانقلاب كانت وسيلة ليقنع أردوغان المواطنين بضرورة التحول إلى النظام الرئاسي، قائلًا: “إن المتورطين في محاولة الانقلاب في الخارج الآن، بينما تضم السجون المعلمين والأطفال الرضع. لولا محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016 لما انتقلت البلاد إلى النظام الرئاسي. 15 يوليو/ تموز هي التي مهدت الطريق للنظام الرئاسي”.
كارسلي أشار إلى التشابه بين الإجراءات التي تشهدها تركيا حاليًا على يد حكومة حزب العدالة والتنمية والإجراءات التي اتخذها الانقلابيون في أعقاب انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997، منوّهًا بأن “إجراءات الحكومة الحالية هي بمثابة استكمال لانقلاب 28 فبراير/ شباط 1997”.
وقال كارسلي: “تركيا تشهد اليوم النسخة الإسلامية من انقلاب 28 شباط 1997 بل أسوأ منه؛ ذلك لأني عندما تعرضت للفصل من جامعتي عدت إليها مرة أخرى بعد أن رفعت شكوى لدى المحاكم. أما اليوم فتعرضت للفصل أيضًا، لكني، ومعي آلاف من أمثالي، لا أستطيع العودة إلى عملي عن طريق اللجوء إلى المحاكم.. لأن هذا الطريق مسدود.. النظام فصلني بتهمة الترويج لتنظيم إرهابي.. أقول ما هو جريمتي.. فإن كنت مجرمًا حقيقيًّا فلما لا يتم اعتقالي ومعابتي، وإن لم أكن مجرمًا فلماذا يتم فصلي عن وظيفتي؟”.
كذلك تطرق كارسلي إلى الحجج الواهية التي تستند إليها حكومة أردوغان لاتهام المواطنين بالإرهاب، قائلًا: “ليس صحيحًا أن يكون إيداع أموال في بنك “آسيا” أو إرسال الأطفال إلى مدارس مقربة من الحركة تهمة تقتضي اعتقال المواطنين”.
وأكد أن تركيا تشهد حاليًا غيابًا تامًّا لدولة القانون، مشيرًا إلى أن المفصولين عن العمل لا يمكنهم اللجوء للقضاء، ولا يمكنهم التساؤل عن سبب فصلهم.
تصريحات كارسلي أثارت غضب مقدم البرنامج الموالي لأردوغان، مما دفعه إلى مهاجمته قائلاً: “كن مؤدبًا، هل يجوز مدح تنظيم إرهابي بهذا الشكل”، غير أن كارسلي اعترض عليه قائلاً: “أنا أستاذ القانون وأعني ما أقول، وأتكلّم وفق مبادئ القانون. لقد حررتِ السلطات القضائية أول محضر عن الانقلاب في الساعة الواحدة من ليلة الانقلاب.. أي عندما كانت الأحداث مستمرة.. وقد تضمّن هذا المحضر الأحداث التي لم تقع بعدُ، بل تضمن أحداثًا لم تقع أصلا.. وكان هذا المحضر يتضمن قرار فصل ألفين و700 قاضيًا قبل انتهاء أحداث الانقلاب.. كيف يمكن هذا؟”.
وأشار كارسلي إلى واقعة مثيرة تكشف أن هناك من كانوا يعلمون بأحداث الانقلاب قبل وقوعها قائلًا: “كان أحد القادة العسكريين أجرى زيارة إلى جامعة إسطنبول قبل يوم من الانقلاب. وقد أخذ جولة برفقة أحد مسؤولي الجامعة، وقال هذا المسؤول للقائد: سيدي تعرفون غدًا سيتحقق فتح إسطنبول المبارك، فأي غرفة نخصّص لكم؟ هذا المسؤول لا يزال في منصبه بالجامعة، لكني تعرضت للفصل ومنعت من مواصلة إلقاء محاضراتي في كلية القانون التابعة لجامعة إسطنبول”.
وأردف كارسلي: “إن تركيا شهدت فعلاً محاولة انقلاب في 15 يوليو 2016، وفعلاً أن هناك من دبروا ونفّذوا هذا الانقلاب، لكنهم ليسوا الأطفال والنساء والمعلمين القابعين حاليا في السجون بتهمة الانتماء إلى منظمة فتح الله جولن”.